مقالات مختارة

عقدة تونس التي لا شفاء منها

1300x600

تشتد الحملة الإعلامية على رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، والذي يشغل أيضا منصب رئيس حركة النهضة.

وحيث تتنافس وسائل إعلام محسوبة على محور دول الثورات المضادة، وأخرى محلية ممولة من المحور ذاته في الإساءة للرجل، والتشكيك في ذمته المالية، تشن أخرى حملات على تونس الدولة والثورة والشعب.


محور الثورات المضادة
ولتفسير هذه الحملة ينبغي الإشارة إلى ثلاثة عوامل أساسية تساعدنا في الفهم والتحليل:
أولها: عقدة تونس الثورة التي بقيت عصية على محور الثورات المضادة. وهو الأمر الذي شكل كابوسا لتلك الدول.


ثانيها: تلك التجربة الناجحة والرائعة في تعايش الإسلامي مع العلماني واليساري والشيوعي ورجل الشارع العادي، فيما قامت جيوش ونظم الثورات المضادة باجتثاث الإسلاميين والمعارضين لها من شتى الاتجاهات والمنابت والتنكيل بهم.


والعامل الثالث وهو الأهم في تقديري ذلك الانكسار في ليبيا واللطمة القاسية التي صفع بها ثوار ليبيا « حلف الشر» الذي كرس موارده وإمكاناته وجيوشه للحرب على ثورات الشعوب العربية، بدأها بانقلاب مصر الدموي عام 2013م.


الحملة الحالية والمتواصلة منذ أيام لا تستهدف في تقديري الغنوشي كشخص، بل التجربة التونسية برمتها، فذلك البلد « الصغير» مساحة، الكبير في تجربته ونضاله وحكمته، هو الذي علم الشعوب العربية الثورة، ونجح في تسطير أنصع تجربة مدنية راقية في الإطاحة بأعتى ديكتاتور قمعي عرفته المنطقة.


الغنوشي ووفقا لما تداوله النشطاء أشهر ذمته المالية، وقدمها للدولة قبل تقلده لمنصبه، كما أن مكافحة الفساد لا تكون بالاتهامات بل بالتوجه للقضاء وتقديم الأدلة والبراهين، فذلك الشيخ الذي قضى جل عمره في المنفى، ينبغي تكريمه كثائر، لا تشويه سمعته وتقديمه ك «لص سارق».
سبع سنوات عجاف.


ودعونا نتذكر أن بعض من يهاجمه كانوا بالأمس يتسابقون للتقرب من الديكتاتور الراحل، ويقومون اليوم بحملة ممولة من محور الثورات المضادة لتشويه تونس الثورة وليس تونس الغنوشي، هي هجمة على تونس التجربة الديمقراطية الواعدة التي جاءت برئيس عبر بالفم المليان عن رفضه التطبيع وعدّه خيانة وطنية، فيما تحشد بعض دول الثورات المضادة للتطبيع مع العدو الصهيوني، وتعدّه واجبا وطنيا.


سبع عجاف مرت بها المنطقة منذ إعلان دول الثورات المضادة تلك من القاهرة الحرب على ثورات الشعوب العربية التي انطلقت شرارتها من تونس، يبد وواضحا اليوم أن تلك الدول تراجعت اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وتلقت هزيمة فادحة في ليبيا، لتفقد عقلها وتبدأ حملة شرسة ومنظمة ضد رئيس البرلمان التونسي والتجربة التونسية برمتها.


تلك السبع العجاف أظهرت أسوأ ما في ذلك المشروع المضاد لتطلعات الشعوب، من استعمال كل القوى الخشنة في إقصاء الآخر، بالقتل والسجن أو النفي متبعين في ذلك سياسة الأرض المحروقة التي بدأوها بإحراق المعارضين في رابعة، وتخريب الثورة السورية وترجيح كفة النظام عبر قطع الدعم عن الثوار، وصولا لإشعال ليبيا، والتكفل بصب المحروقات بكافة أنواعها لإشعال حرب أهلية هناك، وإعمال كل الأدوات القذرة في محاولة إعادة الأنظمة المخلوعة، وإجهاض الثورات، حتى وصل بهم الأمر وفي مسعاهم لتخريب الثورة اليمنية إلى تسليم البلاد لخصمهم الحوثي نكاية في الثورة وقواها، لينتهوا أخيرا لخسارة حرب هناك خلفت كارثة إنسانية، وفضيحة لتلك الدول التي هزمت على يد عصابة متمردة، تحكم في صنعاء اليوم فيما يتقاتل من جاء لمواجهتها ويتناحرون في عدن.


تقديري أن عصر الثورات المضادة بدأ بالأفول، وأن موجة ثانية من الربيع العربي في طريقها للانفجار لن يتمكن أحد من صدها هذه المرة لأنها ستكون أكثر حكمة ووعيا، فذلكم الشباب الذي التف العسكر وأدواته على ثورتهم، سيتسلح في الموجة الثانية بالحكمة واليقظة والعزم، ولن يتهاون في مجابهة العسكر ومن تحالف معهم من سياسيين وإعلاميين برروا وصفقوا للقتلة.


انتفاضة ثالثة
أولى تلك البشائر من ليبيا، وسبقها ومازال متواصلا حراك شعبي جزائري رائع، وهدير من فلسطين ينبئ بانتفاضة ثالثة تصحح المسار، وتلجم الكيان الصهيوني الحليف الأوثق لحلف قوى الثورة المضادة.
السؤال الأبرز، ألم يكن الإنفاق على التنمية والتعليم ومحاربة الفقر أقل كلفة من إنفاق المليارات على كل تلك الحروب والثورات المضادة والقتل والتخريب؟


ولكان اليمنيون والسوريون والليبيون والتونسيون رفعوا أعلام تلك الدول، بدلا من توزيع اللعنات عليها كما يحدث اليوم؟!.


(القدس العربي)