قضايا وآراء

نحن و"الغرب الكافر"!

1300x600
يُسرق المواطن العربي يوميا من قبل حكوماته التي قالت مؤخرا إنها تحميه من كورنا، فيما الحقيقة أنها تصادر يوميا كل ما تبقى له من معالم العيش الكريم. فإضافة للمصادرة المبكرة لحريته، وحقه في التعبير، تُختزل وظيفة معظم الدول العربية في وظيفة الجباية، حيث تحلب يوميا جيب المواطن، لكن على أنغام الموسيقى الوطنية والأناشيد الحماسية.

نقاش جمعني مؤخرا خلال إجازة كنت أقضيها خارج بريطانيا في دولة عربية مع أحد الشيوخ الذين يصفون الغرب بـ"الكافر"، وفي حديثي معه دعا ذلك الشيخ لي بأن أخرج من تلك البلاد الأجنبية "الكافرة"، ووفقا لوصفه فإن مواطني تلك الدول ما هم إلا "حطب جهنم"!!
ذلك الشيخ الذي نصّب نفسه إلها يوزع الجنان، ويُدخل النيران، لم يلتفت حوله ليرى الحال في "بلاد الإسلام"

ذلك الشيخ الذي نصّب نفسه إلها يوزع الجنان، ويُدخل النيران، لم يلتفت حوله ليرى الحال في "بلاد الإسلام"، ففيما تقوم الدول التي يصفها بالكافرة على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، تنعدم العدالة وتسود المحسوبية والوساطة في "بلاد الإسلام". وفي الوقت الذي تفتح فيه "دول الكفر" خزائنها لتقديم الرواتب للمتضررين من كورونا، وإغاثة المحتاجين، فإن "بلاد الإسلام" تفتح المقابر لدفن جثث من لم يجدوا علاجا فيتلقوه. كما وفي الوقت الذي تفتح فيه دول "الغرب الكافر" خزائنها لمواطنيها، تُسرق "بيوت مال المسلمين"، وتوزع على كبار المسؤولين، فما هو يا شيح مفهوم الكفر والإيمان؟ ما هو الإسلام؟

إن أعظم مبادئ الإسلام هو مبدأ حفظ النفس، وثانيها العدل فالله هو العدل، وقبل كل ذلك بطبيعة الحال توحيد الله عز وجل وعدم الشرك معه إلها أو شخصا أو أي شيء آخر. في بلادنا يا شيخ يُعبد الحكام من دون الله، في بلادنا يا شيخ يُسرق الفقراء دون ضمير، وفي بلادنا يا شيخ تغيب العدالة ويسود الظلم، في بلادنا يا شيخ يموت الشباب قهرا من البطالة، وغيظا من انعدام العدالة.. تجوع الحرة، ويعمل الطفل في الشوارع بدلا من أن يكون على مقاعد الدراسة.
هل الدين صلاة وعبادات فقط أم نظام حياة، فيه إضافة للعبادات معاملات لا يغفر الله لمن يتجاوز فيها على عباده، فيما يغفر لمن يقصر بحقه؟

فهل الدين صلاة وعبادات فقط أم نظام حياة، فيه إضافة للعبادات معاملات لا يغفر الله لمن يتجاوز فيها على عباده، فيما يغفر لمن يقصر بحقه؟ تغص المساجد بالمصلين يا شيخ وهذا جيد، لكن روح الإسلام تغيب خارجها، تحصل كل تلك المظالم فيما تواصل أنت الدعاء لولي الأمر، فما هو الكفر وما هو الإيمان؟ دلني يا شيخ على الإسلام!

وفي الوقت الذي كان حواري مع الشيخ يشتد وأصواتنا تعلو، انتقلنا للنقاش حول فيروس كورونا الذي وصفه بـ"المؤامرة الغربية" على بلاد الإسلام، لكنه في ذات الوقت كان ينتظر دوره لتلقي اللقاح "الأمريكي- البريطاني- الروسي"!! فهل يحارب المرض بالعلم أم بتغييب العقل وتبني المؤامرة ونظرياتها التي تهلك الحرث والنسل؟
ذلك الشرق ينبغي أن يعيد تفكيره، ينبغي لنا في الشرق أن نقول الحقيقة.. نحن شعوب مساكين، محتلون من وكلاء للغرب، نُسلب حقوقنا وحريتنا باسم الوطن تارة وأخرى باسم الدين، ولا منجى لنا إلا بالتخلص من الاستبداد ومحاربة الفساد، والتحرر من الأفكار العنصرية

هذا الغرب ليس شيئا واحدا، ولا ينبغي أن يتم التعامل معه بتلك العقلية محدودة الفهم والإدراك، فذلك الغرب هو من احتل بلادي وأقام دولة للصهاينة، لكنه هو الذي احتضنني ومنحني جنسيته بعد أن ضاقت بي بلاد العرب أوطاني.. ذلك الغرب يقصفنا ويدعم حكامنا الظلمة، لكنه يقدم لنا العلاجات واللقاحات. ذلك الغرب يحارب الإسلام عندما تتعارض مصالحه معه، لكنه يطبق روح الإسلام في أراضيه. ذلك الغرب مشكلة، لكن مشكلتنا محلية، تكمن في أقلية تحكم وتستحوذ على المال والإعلام وكل شيء، وتلقي لشعوبها بالفتات. إن شعوبنا ترزح وتئن تحت نظام عبودية متكامل الأركان.

ذلك الشرق ينبغي أن يعيد تفكيره، ينبغي لنا في الشرق أن نقول الحقيقة.. نحن شعوب مساكين، محتلون من وكلاء للغرب، نُسلب حقوقنا وحريتنا باسم الوطن تارة وأخرى باسم الدين، ولا منجى لنا إلا بالتخلص من الاستبداد ومحاربة الفساد، والتحرر من الأفكار العنصرية. إننا أمة واحدة، مع وقف التنفيذ، ينبغي تفعيل هذا الأمر، فلا نام جبان إذا مات سوري أو فلسطيني أو صومالي أو عراقي من الجوع، فيما أخوه العربي المسلم يلقي الطعام في القمامة. هذه أمة واحدة، فلتسقط الحدود ولتفتح القلوب. إننا شعوب مسكينة ترزح تحت قهر حكام لا يتورعون عن ظلم فعلوه، هذه بلاد الثروات والخيرات، وهذه أمة لا خيار لها إلا الوحدة، ولا مستقبل لها دونها.