قضايا وآراء

المغرب.. هزيمة بطعم الإذلال

1300x600
لا يوجد وصف آخر، إنها هزيمة مدوية وسقوط تراجيدي لحزب العدالة والتنمية في المغرب عقب عقد على قيادته للحكومة وتصدره للمشهد السياسي المغربي.

فقدَ الحزب أكثر من 90 في المئة من مقاعده، فيما تصدر حزب "التجمع الوطني للأحرار" بنحو ثلاثة أضعاف مقاعده السابقة، في وقت انتكس العدالة والتنمية إلى 13 مقعدا، وهو الذي كان قد استحوذ على 125 مقعدا في انتخابات 2016.

وفي سياق محاولة فهم وتفكيك ما جرى، تنبغي أولا الإشارة باهتمام إلى أنه لا يوجد عامل واحد حاسم في تحليل وتفكيك ظاهرة أو حدث سياسي، وإنما هناك دوما جملة أسباب داخلية وإقليمية ودولية تتفاعل في لحظة تاريخية معينة، لا يمكن عزلها عن سياقها عند تحليل ومحاولة تفكيك وفهم ذلك الحدث. من جهة ثانية فإن العمل العام كله تجارب، بمعنى أن المهم عدم التوقف عند التجربة، وإنما تقييمها والإفادة منها في تجنب الأخطاء التي وقع فيها هذا الطرف أو ذاك في الطريق نحو تحول ديمقراطي حقيقي في منطقتنا.
صحيح أن هناك مشكلة في الأحزاب السياسية في العالم العربي، وضعفا في أدائها، ومحدودية في التداول السلمي على قيادتها، مع عدم قدرتها على تمثيل تطلعات شعوبها، لكن الأصح أن المتسبب في كل ذلك هو تلك الأنظمة التي تغلق الحياة السياسية وتقيدها، وتفسد بشكل أو بآخر أحزابها وقواها

صحيح أن هناك مشكلة في الأحزاب السياسية في العالم العربي، وضعفا في أدائها، ومحدودية في التداول السلمي على قيادتها، مع عدم قدرتها على تمثيل تطلعات شعوبها، لكن الأصح أن المتسبب في كل ذلك هو تلك الأنظمة التي تغلق الحياة السياسية وتقيدها، وتفسد بشكل أو بآخر أحزابها وقواها. كما أن تلك النظم تضع آليات تتحكم فيها في مجمل الحياة السياسية وتحول الأحزاب لأحجار على رقعة الشطرنج، إذ تمسك بزمام السلطة وتواصل الاستحواذ على كل مفاتحها، وتحتكر النفوذ والقرار والمال.

وبالولوج لتحليل أسباب الزلزال الذي هز أركان إسلاميي المغرب، هناك في تقديري أسباب عديدة للسقوط المدوي: أولها وأهمها خطيئة التطبيع، وخيانة أصوات الناخبين والقاعدة العريضة للحزب من الإسلاميين والطبقة المتوسطة والفقيرة وطلبة الجامعات، وهي كتلة تعتبر فلسطين عقيدة دينية وأخلاقية وقضية خارج سياق النقاش حولها أو عليها. فقواعد الحزب المحبطة لم تصوت جراء ذلك أبدا أو صوتت لحزب الاستقلال، البديل الموضوعي للعدالة والتنمية، ثم جملة أسباب أخرى منها الموضوعي ومنها السياسي أوجزها في التالي:
هناك في تقديري أسباب عديدة للسقوط المدوي: أولها وأهمها خطيئة التطبيع، وخيانة أصوات الناخبين والقاعدة العريضة للحزب من الإسلاميين والطبقة المتوسطة والفقيرة وطلبة الجامعات، وهي كتلة تعتبر فلسطين عقيدة دينية وأخلاقية

الموضوعي أن العدالة والتنمية "حزب سلطة" يحكم منذ 10 سنوات، وطبيعي سياسيا أن يخسر الحزب الحاكم وتتراجع حظوظه كلما طال مكوثه في السلطة، فالناس يملون ويميلون للتصويت الانتقامي وتغيير الوجوه. عامل آخر أن "المخزن" نفسه غيّر قوانين الانتخابات لجهة التخلص من العدالة والتنمية وإعادة أحزابه التقليدية للواجهة. عامل ثالث أن العثماني ضعيف بلا كاريزما، وأخيرا الانقسام الذي حصل والأعطاب التي تسببت بها انتهازية زعيمه السابق عبد الإله بنكيران ورغبته الجامحة في العودة للسلطة والأضواء، يحركها شغف بالكرسي وحنين لا ينقطع إليه.

إن أهم درس برأيي ينبغي تعلمه من تجربة العدالة والتنمية في المغرب هو أن مخالفة الأحزاب الدينية أو الأيديولوجية عموما أو" الهوياتية" لمبادئها، وتنكرها لأفكارها، واختيار إعلاء المصالح عليها يعد بمثابة انحراف بالغ الخطورة. فمخالفة حزب العدالة والتنمية لقاعدته الشعبية وتحدي الضمير الجمعي للشعب المغربي الرافض للتطبيع، وتورط رئيسه شخصيا في مشهد توقيع اتفاق العار التطبيعي خصم كثيرا من ثقة ورصيد الحزب لدى أنصاره أولا والشارع عموما. فالناس ينتخبون الأحزاب "الهوياتية" من أجل هويتها وأيديولوجيتها أولا، وفي اللحظة التي يتخلى ذلك الحزب عن هويته يصبح بلا طعم في نظر الناخبين.

وفي محاولة فهم مسألة التطبيع وتورط الحزب فيه، تنبغي الإشارة إلى أن ما جرى بتقديري هو أن الدولة العميقة ربما ورطت العثماني وحزبه ونصبت لهم فخا وقعوا فيه دون أدنى تفكير مسبق، فأحرقتهم بأيد وقفازات ناعمة، إضافة إلى أنها حملتهم وزر وعبء التردي في الخدمات والوضع المعيشي وعموم مشاكل الدولة، في الوقت الذي لم يكونوا هم في الأصل يحكمون ولا متمكنين من مفاصل الدولة، فأسوأ شيء يمكن أن يحدث هو أن تقبل لعب دور أنك "حزب السلطة" فيما أنت لا تملك أي سلطة في الدولة، وإنما تحولت لـ"أداة" تستعملك الدولة.
ما يجري في المغرب لا يمكن قراءته بعيدا عما يجري في الجوار التونسي والإقليمي من وجود قرار بتصفية "الإسلام السياسي" وإهالة التراب على عشر سنوات من الربيع العربي، وأن الأنظمة العربية بعضها من بعض، ملكية كانت أم جمهورية، تتكاتف للقضاء على المعارضات

بطبيعة الحال، فإن سوء تدبير أمور الدولة، والأخطاء المتعددة التي ارتكبوها سهلت من مهمة الدولة العميقة في التخلص منهم، كما أن ضعف الدكتور سعد الدين العثماني، وأنانية بنكيران قد تسببا بإعطاب وشرذمة الحزب كذلك.

أخيرا، فإن ما يجري في المغرب لا يمكن قراءته بعيدا عما يجري في الجوار التونسي والإقليمي من وجود قرار بتصفية "الإسلام السياسي" وإهالة التراب على عشر سنوات من الربيع العربي، وأن الأنظمة العربية بعضها من بعض، ملكية كانت أم جمهورية، تتكاتف للقضاء على المعارضات، وهي في ذلك دموية في مصر، لكنها تلبس قفازات ناعمة في المغرب.

عموما من المهم دراسة هذه التجارب في سياق المرحلة التي تتلمس فيها المنطقة طريقها للتحول الديمقراطي.