نشرت صحيفة "لوتون" السويسرية، الناطقة بالفرنسية، تقريرا حول الأوضاع التي يعيشها مسلمو
بلغاريا، تناولت فيه الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها، والأحكام المسبقة التي أصبحت تستهدفهم بسبب نشاط بعض المجموعات المسلحة في بلغاريا وسوريا والعراق.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المسلمين المنتمين لطائفة
الرومن يعيشون في مدينة بارادزيك، جنوب بلغاريا، وهم يعانون من
الفقر والتهميش، ويتعرضون لاتهامات متكررة بأنهم "مسلمون متشددون"، ما سبب خشية لديهم من أن يذهبوا ضحية التوترات الطائفية والعرقية التي تعيشها بلغاريا.
وذكرت الصحيفة أن الدخول إلى حي إيزتوك في مدينة بارادزيك، يتم عبر المرور على نقطة تفتيش وإجراءات أمنية مشددة، فهذا الحي الذي يقطنه حوالي عشرين ألف مسلم يعتبر بمثابة مدينة داخل المدينة، وقد لحقت به سمعة سيئة كونه الحي الأكثر فقرا وخطورة في البلاد، حيث تصل نسبة البطالة فيه إلى 90 في المئة.
ونقلت الصحيفة عن الضابط الذي يقود القوات التي تحرس مدخل إيزتوك؛ أن "دخول شخص غريب مثل الصحفي لهذا الحي يحتاج لإجراءات خاصة، حيث يجب أن يرافقه أحد السكان المحليين، ويجب ألا يتأخر في الداخل إلى حين حلول الظلام".
ولكن هذا الضابط الذي بدا في البداية بشوشا ولطيفا، رفض التحدث في مسألة التوترات االطائفية التي تتفاقم في بلغاريا، خاصة مع تكاثر عمليات التحريض على هذا الحي واتهامه بأنه "محضنة للإرهاب"، وبعد أن أصبح محل مراقبة دقيقة من قبل الأجهزة الأمنية، التي لا تتوانى عن التدخل في كل مناسبة لاستعراض قوتها أمام السكان.
وقالت الصحيفة إن بلغاريا، هذا البلد الذي كان في الماضي يفتخر بتنوعه العرقي والطائفي، شهد خلال الشهر المنقضي سلسلة من أحداث العنف
العنصرية ضد المسلمين الرومن. ففي كل يوم يتم التبليغ عن حوادث من هذا النوع في مكان ما، وكل المشاكل تبدأ بمشادة كلامية تتوسع لتصبح أحداث عنف، ثم تأتي تعزيزات من الشرطة لمواجهة "عنف المسلمين"، وينتهي الأمر بحصار الحي بأكمله. وبهذه الطريقة أصبحت عدة أحياء رومنية تعيش اليوم في حالة حصار كامل.
ونقلت الصحيفة عن ديميتار حسينوف، وهو رئيس إحدى الجمعيات المحلية التي تعنى بتقديم المساعدات الاجتماعية، أن "سكان حي إيزتوك أصبحوا يخشون على أنفسهم من عصابات العنف المنظم، التي يتم تكوينها من مشجعي كرة القدم الفوضويين، والقوميين المتعصبين ضد طائفة الرومن، ونشطاء اليمين المتطرف المعادين للإسلام، حيث يتم تحريض هؤلاء على الذهاب لمكان محدد يوجد فيه
المسلمون، والقيام بأشياء معينة لاستفزازهم وخلق المشاكل. ويتقاضى هؤلاء أجرة يومية تساوي ثلاثين ليفا بالعملة المحلية، أي ما يعادل 15 دولارا، ليحلقوا رؤوسهم ويذهبوا للاعتداء على المسلمين".
وأضافت الصحيفة، نقلا عن حسينوف، أن "الأطراف المستفيدة من هذه التوترات، هي بالأساس القوميون الذين يرفضون وجود المسلمين في البلاد، والانتهازيون الذين يحاولون الاستفادة من الفوضى والتوتر الأمني، بالإضافة إلى الأحزاب التي تريد الظهور بمظهر المدافع عن حقوق الأقليات".
وذكرت الصحيفة أن حي إيزوك يعاني من حالة عزلة تشبه الأحياء التي كان يعيش فيها السود في المجتمعات العنصرية، حيث تبدو الخصاصة والحرمان على الجدران والوجوه. فبعض المنازل تفتقر إلى مياه الشرب والتيار الكهربائي، والأطفال يلعبون في الوحل، والكلاب السائبة تزعج المارة، والباعة المتجولون يعرضون بضائعهم الرخيصة والمقلدة.
وذكرت الصحيفة أن مسجد أبي بكر، المسجد الرئيس في حي إيزوك، شهد في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي حضور تشكيلات أمنية كثيفة من الوكالة البلغارية للاستخبارات، مزودة بأسلحة ثقيلة، لتقوم بإيقاف عشرات المصلين. وبعد يوم واحد، تمت إدانة سبعة منهم، من بينهم الإمام أحمد موسى، بتهمة "نشر أفكار متشددة والدعاية لتنظيم الدولة".
ونقلت الصحيفة عن حسينوف تأكيده أن "هذه القضايا مفبركة، وهدفها هو الابتزاز والحصول على المال. فالمسلمون الرومن في بلغاريا فقراء، وربما يسهل التلاعب بهم، ولكنهم قطعا ليسوا إرهابيين".
ويضيف: "الأشخاص الذين يلبسون ويتصرفون مثل السلفية، والنساء اللواتي يرتدين النقاب، دخلاء على الحي. وهذه المظاهر الدينية لم تكن موجودة من قبل، وأغلب الأحاديث في الحي تشير إلى وجود (جمعيات إسلامية غامضة)، تقوم بدفع الأموال للناس وتنشر الأفكار المتطرفة، وتحاول تجنيد الشباب للالتحاق بصفوف تنظيم الدولة".
وذكرت الصحيفة أن المسلمين الرومن في الماضي كانوا يعيشون جنبا إلى جنب في حي إيزوك مع السكان البلغار، وكانت العلاقات بينهم طيبة، ولكن بسبب استفحال ظاهرة العنصرية خلال السنوات الأخيرة، والمساعي الممنهجة لعزل المسلمين داخل أحيائهم الفقيرة، انقطعت العلاقات وأصبح كل طرف ينظر إلى الآخر على أنه عدو.
وفي هذا السياق، نقلت الصحيفة تحذيرات عالمة الاجتماع أنتونينا ياليازكوفا، من مركز دراسات الأقليات بالعاصمة صوفيا، التي قالت إن "القطيعة بين المسلمين الرومن والبلغار تبدو عميقة، وسيكون من الصعب في المستقبل تلافي المشاكل التي ستنجر عن هذا الانقسام، تماما كما كان الشأن إبان نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأحياء السود في الولايات المتحدة".