مقابلات

لجنة الإنقاذ الدولية لـ"عربي21": الجوع في غزة وصل إلى "مستويات كارثية"

لجنة الإنقاذ الدولية أكدت أن غزة قد تصبح واحدة من المناطق ذات أعلى معدلات سوء التغذية الحاد في العالم- عربي21
قال منسق شؤون المناصرة والسياسات والتواصل في مكتب لجنة الإنقاذ الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ساؤول أوجوا؛ إن "الجوع في غزة وصل إلى مستويات كارثية، ورؤية أعداد الأشخاص الذين يواجهون المجاعة الوشيكة في غزة، أمر صادم وغير مسبوق، وبكل أسف، ربما تصبح غزة واحدة من المناطق ذات أعلى معدلات سوء التغذية الحاد في العالم".

وفي حوار خاص مع "عربي21"، أشار إلى أن "الوضع الإنساني في غزة رهيب للغاية، وقد وصل إلى نقطة الانهيار بالفعل؛ حيث يفتقر جميع السكان إلى الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وهم معرضون جدا لخطر المجاعة الوشيكة، ويعاني أكثر من مليون شخص، أي نصف مجموع السكان، من انعدام الأمن الغذائي الكارثي، ويتعرضون بشكل متزايد لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة".

وحذّر أوجوا من مغبة الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح المكتظة بالنازحين، قائلا: "نحن في غاية القلق في حال تمت هذه العملية، ونرفع أصواتنا عالية من أجل منع تنفيذ العملية العسكرية، التي من شأنها الإيقاع بالمزيد من الضحايا المدنيين والمزيد من الخراب والدمّار".

ودعا أوجوا المجتمع الدولي إلى "العمل بشكل عاجل للتوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة، باعتباره السبيل الوحيد المستدام لحماية أرواح المدنيين في غزة، ونطالب جميع الأطراف بالامتثال للقانون الإنساني الدولي".

وإلى نص الحوار الخاص مع "عربي21":

كيف تنظرون إلى الأوضاع الإنسانية في غزة اليوم بعد 176 يوما من العدوان الإسرائيلي؟


الوضع الإنساني في غزة رهيب للغاية، وقد وصل إلى نقطة الانهيار بالفعل؛ حيث يفتقر جميع السكان إلى الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وهم معرضون جدا لخطر المجاعة الوشيكة. ويعاني أكثر من مليون شخص، أي نصف مجموع السكان، من انعدام الأمن الغذائي الكارثي، ويتعرضون بشكل متزايد لخطر سوء التغذية الحاد والوفاة.

وتتجاوز الآن الملاجئ المكتظة قدرتها الاستيعابية بكثير، حيث تتعامل مع النقص الحاد في المأوى والمياه النظيفة والغذاء والدواء. لقد تسبّبت الهجمات الإسرائيلية في مقتل أكثر من 32 ألف فلسطيني في غزة، وجرح نحو 75 ألفا في خمسة أشهر فقط، بما في ذلك أشخاص يعانون من إصابات غيّرت حياتهم، بينما دمّرت في الوقت نفسه النظام الصحي، ولم يتبقِ سوى 10 مستشفيات تعمل جزئيا، ولا يوجد مستشفيات تعمل بكامل طاقتها في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

لقد شنّ الجيش الإسرائيلي أكثر من 400 هجوم على مرافق الرعاية الصحية والعاملين في غزة، مما يعني أن جميع المستشفيات تأثرت. كما قُتل ما لا يقل عن 340 عاملا في مجال الرعاية الصحية، وتم اعتقال أكثر من 160 آخرين، وفقا لأرقام وزارة الصحة الفلسطينية. ولا بد من تعزيز الكوادر الطبية والمساعدات الطبية في أسرع وقت.

لذا، يجب على المجتمع الدولي أن يعمل بشكل عاجل للتوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في غزة، باعتباره السبيل الوحيد المستدام لحماية أرواح المدنيين في غزة، ونطالب جميع الأطراف بالامتثال للقانون الإنساني الدولي.

كيف ترون عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية لسكان غزة، وهل هذا يغني عن إدخال المساعدات برّا؟

إن عمليات الإنزال الجوي ليست حلا للاحتياجات الإنسانية في غزة، ولا يمكنها مطلقا تلبية الاحتياجات المطلوبة للسكان، وخاصة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وهذه العمليات الجوية أكثر تكلفة وأقل فعالية، وأكثر خطورة من الطرق البرية المتوفرة بسهولة، وقد أظهر برنامج الأغذية العالمي أن شاحنة واحدة قادرة على توصيل ما يقرب من 10 أضعاف الكمية التي يمكن لطائرة واحدة توصيلها. وكما قال رئيسنا التنفيذي ديفيد ميليباند مؤخرا: "الحلول الرابعة والخامسة لا ينبغي تطبيعها كبدائل فعالة لحلول أفضل".

هل تعتقد أن الرصيف البحري الذي ستنشئه الولايات المتحدة في غزة لاستقبال المساعدات، سيخفف من حدة الجوع في القطاع؟

يقدر الخبراء أن الأمر سيستغرق شهرين حتى تتمكن الولايات المتحدة من إكمال هذا الرصيف، على الرغم من أن الاحتياجات الإنسانية في غزة ملحة وخطيرة جدا. وقد أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخرا أن المجاعة وشيكة في الشمال، في حين أن شاحنات المساعدات الإنسانية لا تزال جاهزة لتوصيل المساعدات الآن. ولا ينبغي لهذه الجهود أن تصرف الانتباه عن الأدلة التي تؤكد أن وقف إطلاق النار الدائم وحده، هو الذي سيوفر تدفقات المساعدات والحماية المدنية اللازمة في غزة. ومرة أخرى، لا يمكننا تطبيق الحلين الرابع والخامس، في حين أن الحلول الأسرع والأعلى جودة موجودة الآن.

وما نؤكده في هذا الصدد، أن الجوع في غزة وصل إلى مستويات كارثية، ورؤية أعداد الأشخاص الذين يواجهون المجاعة الوشيكة في غزة، أمر صادم وغير مسبوق، وبكل أسف ربما تصبح غزة واحدة من المناطق ذات أعلى معدلات سوء التغذية الحاد في العالم، وهذه المجاعة الوشيكة تُمثل فشلا ذريعا للإنسانية، من ثم علينا جميعا مضاعفة جهود الإغاثة لتجنب حدوث كارثة أكبر وأفظع، ويجب على جميع مَن يسيطرون على الوضع، أو يملكون تأثيرا عليه، أن يتخذوا إجراءات فورية الآن.

ما هي الأولوية الآن برأيك: إدخال المساعدات أم وقف العدوان الإسرائيلي؟

لا يمكن أن تبدأ تدفقات المساعدات القوية دون وقف فوري ودائم لإطلاق النار. لقد دخلت حوالي 2300 شاحنة إلى غزة في شهر شباط/ فبراير الماضي، وهو انخفاض بنسبة 50% تقريبا مقارنة بالمتوسط اليومي في كانون الثاني/ يناير 2024. وشهدت الأيام الخمسة والعشرون الأولى من شهر آذار/ مارس عبور ما معدله 155 شاحنة مساعدات يوميا إلى قطاع غزة (حوالي 31% عما كان عليه الوضع قبل عام 2024)، في حين كانت تدخل 500 شاحنة إلى غزة قبل اندلاع الحرب الحالية.

يجب أن يتم تسليم المساعدات ووقف إطلاق النار في وقت واحد لتحقيق أقصى قدر من الفعالية، ويجب على جميع الأطراف السماح وتسهيل المرور السريع ودون عوائق للإغاثة الإنسانية من جميع الطرق البرية ونقاط الدخول الممكنة داخل غزة. علاوة على ذلك، يجب أن يكون العاملون في المجال الإنساني قادرين على الوصول إلى الأشخاص المحتاجين أينما كانوا، دون أن يتعرضوا لأي تضييق أو انتهاكات.

هناك تحذيرات حقوقية متواصلة من مغبة الهجوم الإسرائيلي على رفح المكتظة بالنازحين.. فماذا لو حدث اجتياح إسرائيلي كامل لمدينة رفح؟

نحن في غاية القلق في حال تمت هذه العملية، ونرفع أصواتنا عالية من أجل محاولة منع تنفيذ هذه العملية العسكرية، التي من شأنها الإيقاع بالمزيد من الضحايا المدنيين والمزيد من الخراب والدمّار؛ فما لا يقل عن 75% من سكان غزة مشردون حاليا، وهناك ما يقرب من 1.5 مليون فلسطيني متكدسون في رفح. إن أي هجوم واسع النطاق، وخاصة استخدام الأسلحة المتفجرة، يحمل مخاطر هائلة جدا على المدنيين، ومعظمهم ليس لديهم مكان يذهبون إليه ويلجؤون إلى المناطق المكتظة بالسكان دون الحصول على الخدمات الأساسية. لذلك، نحن نحاول الضغط باتجاه عدم تنفيذ هذه العملية العسكرية، التي ستكون تداعياتها فادحة للغاية.

علاوة على ذلك، يُشكّل معبر رفح شريان حياة للمدنيين في جميع أنحاء غزة، وأصبحت الاستجابة الإنسانية تعتمد على معبر رفح لتدفق الأشخاص والبضائع، لا سيما بسبب إغلاق نقاط العبور الأخرى وزيادة القيود التي تفرضها إسرائيل، وأي عمليات مكثفة في رفح من شأنها أن تعطل، إن لم تكن توقف، العمليات الإنسانية في غزة؛ فالهجوم على رفح سيأتي في وقت تستمر فيه الاحتياجات الإنسانية في التدهور الشديد، خاصة في الشمال.

وإذا كان هناك هجوم، لا بد من إتاحة المجال للمدنيين للتنقل إلى مناطق أكثر أمانا؛ فلا يوجد مكان آمن في غزة؛ لأن جميع الأماكن باتت مُعرّضة للقصف والغارات الإسرائيلية بشكل متواصل، بما في ذلك الطواقم الطبية وطواقم المساعدات الدولية هي نفسها تتعرض لهذه الغارات، وهناك العديد من القتلى والجرحى في صفوفهم. في هذه المرحلة لا يوجد أي مكان آمن في غزة.

هل يتم احترام القانون الإنساني في غزة؟

إن الوضع في غزة الآن، حيث عشرات الآلاف من القتلى والعديد من الجرحى وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات، لا يعدو كونه كارثة، وقال الأمين العام للأمم المتحدة؛ إن هناك انتهاكات واضحة للقانون الإنساني الدولي في غزة.

ويحظر القانون الدولي الإنساني الهجمات على المستشفيات وسيارات الإسعاف والعاملين بها، ويحمي ذوي الاحتياجات الطبية في أثناء النزاعات المسلحة، ويحظر استخدام المجاعة كسلاح في الحرب. ومن الأهمية بمكان أن تلتزم جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني، الذي يتطلب حماية المدنيين والبنية التحتية التي يعتمدون عليها للبقاء على قيد الحياة. ويجب عدم استهداف المستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه، ويجب على السلطات ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين، بما في ذلك الحصول على الماء والغذاء والدواء، وتواصل لجنة الإنقاذ الدولية الدعوة إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني لتجنب المزيد من الأذى بين المدنيين.

لو تحدثنا عن طبيعة عمل لجنة الإنقاذ الدولية في غزة منذ اندلاع الحرب؟ وما هي أبرز الصعوبات التي تواجهكم؟

نقوم حاليا بتقديم الرعاية الطبية الطارئة والمنقذة للحياة، بما في ذلك الرعاية الطبية المباشرة في المستشفيات، وتوزيع المستلزمات الطبية والأدوية. كما قمنا بدعم الشركاء في توصيل الغذاء وتقديم الخدمات الحيوية في ملاجئ الطوارئ، بما في ذلك الخدمات الصحية، بما في ذلك خدمات الصحة العقلية للأطفال ومقدمو الرعاية للتعامل مع آثار الصدمة والنزوح.

لقد أظهر سير الأعمال العدائية في غزة باستمرار تجاهلا لحماية المدنيين، بما في ذلك في المخيمات والملاجئ والمستشفيات والمدارس. وبسبب القتال المستمر وتدمير المساكن، فإن نسبة كبيرة من سكان غزة يلجؤون حاليا إلى مخيمات في رفح وما حولها. إن الهجمات المستمرة والإغلاق المستمر لمعبر بيت حانون "إيرز"، يجعل من المستحيل تقريبا على الجهات الفاعلة الإنسانية السفر إلى ما وراء جنوب غزة، مما يترك آلاف الأشخاص في الشمال عالقين دون الحصول سوى على القليل من المساعدات الإنسانية.

ولجنة الإنقاذ الدولية تعمل جاهدة على مدى الأشهر الماضية في قطاع غزة، وتحاول قدر المستطاع تأمين المتطلبات الصحية الطبية والإنسانية ضمن هذه الحرب المتواصلة. نحن نعمل على الأرض ونحاول تأمين التمويل اللازم لهذه المساعدات، من خلال العديد من المنظمات والجمعيات الدولية، ونجتهد في التنسيق مع العديد من الشركاء الدوليين كمكاتب الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الطبية، والإنسانية، حول العالم للتغلب قدر الإمكان على المعاناة الإنسانية الهائلة التي يعاني منها سكان قطاع غزة، ونسعى لتقديم أكبر كمية ممكنة من المساعدات، ونحاول قدر الإمكان تقديم المساعدات بالطرق كافة إلى قطاع غزة.

لقد قصف الجيش الإسرائيلي مجمع فريق الطوارئ الطبي الخاص بنا في 18 كانون الثاني/ يناير 2024. ولحسن الحظ، لم تقع إصابات، لكن هذا الهجوم يرمز إلى آلاف الهجمات الأخرى التي استهدفت المباني المدنية والطبية والإنسانية والناس في غزة.

ما هي الخطوات الجديدة التي تعتزم لجنة الإنقاذ الدولية اتخاذها خلال الفترة المقبلة في غزة؟

يتغير السياق باستمرار بسبب ديناميات الصراع والاحتياجات في غزة، ويجب علينا أن نكرر أنه دون وقف دائم لإطلاق النار، فإن قدرة العاملين في المجال الإنساني على القيام بعملنا ستكون مقيدة بشدة.

لقد قمنا بالتعاون مع منظمة العون الطبي للفلسطينيين  (MAP)، بنشر 4 فرق طبية للطوارئ لتوفير الرعاية الطبية الطارئة والمنقذة للحياة، بما في ذلك الرعاية الطبية المباشرة في المستشفيات. وتقوم هذه الفرق، المكونة من أطباء الصدمات والجراحين وأطباء الأطفال، بتقديم الدعم الإضافي والإغاثي للمستشفيات، وتوفير الرعاية الطبية المنقذة لحياة الجرحى الفلسطينيين، ونتوقع أن يدخل فريق طبي خامس إلى غزة خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وفي حال وقف إطلاق النار، نهدف إلى توسيع نطاق برامج الرعاية الصحية والتمكين الاقتصادي والتعليم والحماية، بما في ذلك دعم الصحة العقلية والخدمات المتخصصة للأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم، والناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

برأيك، لماذا لا يدخل إلى غزة إلا قدر بسيط من المساعدات الإنسانية؟

هناك عائقان رئيسيان أمام إيصال المساعدات إلى غزة، الأول يتمثل في القتال المستمر، والآخر في العوائق البيروقراطية.

إن القصف المستمر لغزة، بما في ذلك الهجمات على المدنيين والمباني الإنسانية، والتحركات، والعاملين، يجعل من المستحيل عمليا توصيل المساعدات الإنسانية الفعالة. إن الاحتياجات الإنسانية تطغى على القدرة الضئيلة لدعم الأشخاص الذين لا يزالون موجودين. وتستمر أطراف النزاع في تجاهل التزاماتها بحماية المدنيين، بما في ذلك البنية التحتية التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل المستشفيات والطرق ومراكز توزيع الغذاء ومحطات معالجة المياه.

ومن واقع تجربتنا، نؤكد أن السلطات الإسرائيلية دأبت باستمرار، وبشكل تعسفي، على منع وتقييد وإعاقة الاستجابة الإنسانية في غزة. وتشمل العوائق البيروقراطية المفروضة، على سبيل المثال لا الحصر، استمرار إغلاق المعابر الحدودية المهمة، بما في ذلك المعابر إلى شمال غزة؛ ورفض دخول مواد المساعدات بناء على معايير غامضة وتعسفية، والتأخير الطويل وتأخر عمليات التفتيش لشاحنات المساعدات، والهجمات المتكررة على عمال الإغاثة والقوافل ومواقع التوزيع. وتؤدي هذه العوائق إلى تأخير وتقليص كمية المساعدات التي يمكن دخولها إلى غزة.

كيف يمكن إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة؟

من الواضح للغاية أن هناك حاجة الآن إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار. وهذا، إلى جانب الوصول الكامل ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، هو السبيل الوحيد لبدء تدفق المساعدات والعاملين في المجال الإنساني إلى غزة، دون تأخير لتلبية الاحتياجات الخطيرة لسكان غزة.