كشف مركز بحثي إسرائيلي، عن حالة قلق تعيشها المحافل الإسرائيلية المختلفة عقب ظهور مقاومة للاحتلال الإسرائيلي تشارك فيها عدة ساحات؛ داخلية وخارجية، وذلك بشكل غير مسبوق في المنطقة.
وأوضح "مركز بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في تقديره الاستراتيجي الذي أعده أودي ديكل، أن التصعيد الأخير في الساحة الفلسطينية في شهر رمضان، وبالتزامن مع "عيد الفصح" اليهودي، جاء عقب الاعتداء الوحشي لقوات
الاحتلال على المعتكفين، والإخلاء القسري لهم.
شرارة التصعيد
ونوه إلى أن "المقاومة الفلسطينية ردت على ذلك بعشرات
الصواريخ (34) أطلقت من جنوب
لبنان، وهذا هو الإطلاق الأكبر منذ حرب لبنان الثانية، وبموازاة ذلك، أطلقت صواريخ من
غزة، ووقعت عمليات في الضفة الغربية، وحماس باركت إطلاق الصواريخ من لبنان، وحزب الله أوضح أن الإطلاق نفذ دون معرفته، لكنه عبر عن دعمه له".
ولفت المركز، في تقديره الذي يأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان "نظرة عليا"، أن نائب رئيس المكتب السياسي لـ"
حماس" والمسؤول عن الضفة الغربية، صالح العاروري، حذر إسرائيل في منتصف آذار/ مارس الماضي، "من ما ينتظرها في رمضان"، منوها إلى أنه "سيحدث تصعيد سيشمل هجوما من لبنان، وقد تم إعداد منظومة إطلاق صواريخ حماس في لبنان في وقت لاحق، في انتظار ساعة الإطلاق".
وأكد أن "اقتحام اليهود للمسجد الأقصى، والمواجهات بين الشرطة والمصلين بداخله، هي دائما الشرارة للعمل ولتوحيد الصفوف الإسلامية ضد سياسة إسرائيل في أكثر الأماكن حساسية من ناحية دينية ووطنية"، مستبعدا أن "تكون حماس قد عملت بشكل مستقل في المنطقة؛ دون مصادقة
حزب الله ومعرفته".
وأشار إلى أن "وكالات الإعلام الخبيرة بالشؤون الإيرانية، تحدثت أن إيران وحزب الله عرفا مسبقا عن نية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، وتم إعطاء تعهد مسبق من حزب الله بالسماح بإطلاق الصواريخ من المنطقة في حال تم تدنيس المسجد الأقصى من قبل إسرائيل، كما تم الكشف عن لقاء بين قائد قوة القدس، إسماعيل قاآني، في السفارة الإيرانية في بيروت يوم 6 نيسان/ أبريل الجاري، في المساء الذي اعقب إطلاق الصواريخ من لبنان نحو مستوطنات إسرائيلية في الشمال، وحضر اللقاء رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، والعاروري، إضافة لشخصيات رفيعة في الجهاد الإسلامي، وجهات لبنانية مقربة من حزب الله".
واعتبر أن "مأدبة الإفطار تحولت إلى غرفة عمليات مشتركة لتنسيق نشاطات أخرى، وبعد يومين التقى أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، مع وفد حماس برئاسة هنية"، منوهة بأنه "من الصعب التخمين، أن هذه اللقاءات كانت ستجري لو أن حماس انحرفت عن قواعد اللعب التي تم تنسيقها مع حزب الله".
عمل منظم
ورأى المركز البحثي، أن "المنطق المنظم لتطور الحدث متعدد الجبهات، المواجهات في القدس، عمليات على المفترقات ضد المستوطنين، إطلاق الصواريخ وصواريخ الكتف ضد الطائرات من قطاع غزة، صلية صواريخ من لبنان، إطلاق صواريخ من هضبة الجولان؛ كل ذلك هو اندماج المحاور؛ محور المقاومة الفلسطينية، محور إيران - حزب الله".
وذكر أن لـ"هذا الاندماج عدة أسس: الأول؛ حزب الله يقدر أنه يمكن توسيع معادلة القوة أمام إسرائيل بواسطة وضع قواعد لعب جديدة على الحدود الشمالية من تحت مستوى التصعيد لحرب، طالما أنه يشغل امتدادات فلسطينية، الثاني؛ حزب الله وإيران يقدران أنه يمكن العمل بهذا الاتجاه على قاعدة أن إسرائيل غير قادرة على شن حرب في كل
الساحات، خاصة في ظل ما يحدث في ساحتها الداخلية؛ انقسام، ظاهرة رفض الخدمة، تآكل صورة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو".
وثالثا؛ "التطلع لجباية ثمن من إسرائيل مقابل استمرار هجمات الطائرات دون طيار ضد أهداف محور إيران – حزب الله في سوريا، رابعا؛ وقف عملية التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، وفي المقابل، تقدم التطبيع بين إيران وسوريا مع العالم العربي، خامسا؛ خوف الإدارة الأمريكية من احتمالية مواجهة في الشرق الأوسط، خاصة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، والتوتر المتزايد بينها وبين حكومة نتنياهو اليمينية".
وبين أن "إنجازات حماس في جولة التصعيد لا بأس بها، فهي استغلت أحداث الأقصى لزيادة دراماتيكية في حجم العمليات، والسيطرة بشكل كامل على الأجندة الفلسطينية والإقليمية، وفي نفس الوقت جسدت عدم أهمية السلطة الفلسطينية"، لافتا إلى أن "حماس نجحت في أطلاق الصواريخ، رغم لقاءات القمة التي عقدت مؤخرا في العقبة وشرم الشيخ، بهدف تنسيق الخطوات لمنع التصعيد".
وأضاف: "هذا النجاح رفع أسهم حماس في مخيمات اللاجئين في لبنان، مقابل التآكل المستمر في مكانة التيار الرئيسي، حركة فتح، الذي بقي مخلصا لرئيس السلطة محمود عباس، وهكذا، "برعاية" حزب الله، تعزز حماس في ساحة أخرى إضافة إلى لغزة".
أهداف مشتركة
ويعتقد المركز الإسرائيلي في دراسته أن "تقارب حماس والجهاد الإسلامي مع محور إيران – حزب الله، يأخذ وزنا أكبر على ضوء التوجهات الإقليمية؛ تقارب إيران والسعودية بوساطة الصين، تحسن العلاقات بين السعودية ومصر وبين نظام بشار الأسد".
وخلصت الدراسة إلى أن "التصعيد متعدد الساحات يجسد اندماج محور المقاومة الفلسطينية الذي يستند على حماس والجهاد الإسلامي مع محور إيران – حزب الله، الذي يحاول أن يوسع حجم رده على هجمات إسرائيل في سوريا، إضافة لتشجيع العمليات الفلسطينية"، مبينة أن "توقيت التصعيد يرتبط بعلاقة وطيدة مع الأزمة الداخلية الإسرائيلية، ويعكس جرأة كبيرة لأعدائها، ومحاولة من ناحيتهم لفحص ضعف حصانتها، وسنحت فرصة لتغيير قواعد اللعب أمامها".
وأفادت بأن "اندماج المحاور له أهداف مشتركة هي:
الأول؛ تثبيت إسرائيل في حدودها، عبر زيادة عدم الاستقرار الأمني والعمليات، من أجل السماح باستمرار ترسخ محور إيران - حزب الله في المنطقة الشمالية، وحتى إزالة عوائق من طريق إيران نحو الذرة، دون خوف حقيقي من محاولة إسرائيلية لوقفها.
ثانيا؛ تعزيز الذراع العسكرية لحماس، الموجودة في لبنان، وإقامة بنية تحتية للمقاومة برعاية مظلة الردع لحزب الله، من أجل القيام بعمليات في القدس وفي إسرائيل وفي الضفة الغربية وفي جنوب لبنان".
ثالثا؛ "تسريع انتهاء عهد السلطة بالصيغة الحالية.
رابعا؛ إثارة العرب في الداخل ضد سلوك حكومة إسرائيل في المسجد الأقصى، لإشعال الشارع العربي في إسرائيل.
وخامسا؛ المس بعملية التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وإحداث شرخ في اتفاقات السلام بينها وبين الأردن ومصر".
وقدر المركز، أنه "في حال تواصل اتباع سياسة الرد والاستيعاب من جانب إسرائيل، سيواصل الأعداء محاولة إملاء قواعد اللعب، وإذا لم يتم كبح عملاء الفوضى في صفوف الحكومة الإسرائيلية، واستمروا في إشعال المواجهات في المسجد الأقصى وفي الساحة الفلسطينية، بموازاة مواصلة الصراعات الداخلية حول الديمقراطية، فمن شأن محور إيران - حزب الله، أن يسيطر على محور المقاومة الفلسطينية، ويقود خطوات استفزازية ومتحدية ومندمجة ضد إسرائيل".
وأوصت الدراسة بقيام حكومة الاحتلال بـ"تقليل الاستقطاب والتوتر في المجتمع الإسرائيلي، التي تفسر بأنها مظاهر ضعف، كما تضعف على المواجهة في كل الساحات، وفي نفس الوقت، يجب على تل أبيب خفض التوتر في الساحة الفلسطينية، والتمسك بالوضع الراهن في المسجد الأقصى، إضافة إلى محاولة تعزيز السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني معها".
وتابعت: "هكذا يمكن لإسرائيل التركيز على ثلاثة مجالات، وهي؛ ترميم قواعد اللعب مع حزب الله في لبنان وإعادة فحص "معادلة الردع المتبادلة" التي تمنع إسرائيل من العمل ضد البنى التحتية لحماس في لبنان، ووقف إيران التي تسير في الطريق نحو القنبلة النووية، والتركيز على الساحة الشمالية، وبذل الجهود للسيطرة على الساحة الفلسطينية، وإضعاف المكانة الآخذة في التعزز لحراك حماس في الساحة الفلسطينية".