تلفت صلاتهم أنظار كل
من يدخل المسجد
الأقصى المبارك، ويثير الفضول من يراهم لمعرفة حكايتهم المتواصلة
منذ أعوام حين بدأ الاحتلال
الإسرائيلي بتطبيق سياسة الإبعاد عن المسجد.
طريق المجاهدين هي
أقرب نقطة على المسجد يستطيع المبعدون عن الأقصى الوصول إليها، وهناك يفترشون
الأرض ويصطفون لأداء الصلاة وقراءة القرآن، في مشهد يعتبره كثيرون دليلا واقعيا
على مكانة الأقصى في قلوب
المبعدين والتي تزداد كلما ازداد القمع.
وفي شهر رمضان تزداد
أعداد المبعدين الذين يؤمون الصلاة في هذا الطريق، وذلك لشوقهم للوصول إلى المسجد،
ولكن الأوامر العسكرية الإسرائيلية تقف حائلا بين المصلين والمسجد.
رباط من نوع آخر
المعلمة المقدسية
هنادي الحلواني التي توقفت عن عدّ قرارات إبعادها عن المسجد الأقصى لكثرتها، كانت
من أوائل المبعدين الذين أموا طريق المجاهدين منذ عام 2017.
المبعدون عن الأقصى،
والذين تتزايد أعدادهم وتتناقص حسب مزاجية شرطة الاحتلال، اتخذوا من هذا الطريق
مكانا لنشر حكايتهم، فهم من يسلمهم الاحتلال قرارات إدارية بمنعهم من الدخول
للمسجد الأقصى لفترات متفاوتة تتراوح بين شهر وستة أشهر قابلة للتجديد.
وتقول الحلواني لـ
عربي21 إن المبعدين افترشوا هذا الطريق في البداية، في محاولة منهم لتعريف العالم
بمعاناتهم وحرمانهم من أبسط حق ديني وهو الصلاة في المسجد الذي يختارونه.
وتوالت الأيام والأشهر
ليصبح هذا الطريق مكانا معتمدا من المبعدين عن المسجد، وحين حل شهر رمضان للمرة
الأولى بعد إمعان الاحتلال في سياسة الإبعاد عن الأقصى؛ شرع المبعدون بتناول طعام
الإفطار في هذا المكان ليصبحوا وجهة الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة التي نشرت قصصهم
وحملت شوقهم لمسجدهم.
وتوضح المعلمة أن
طريق المجاهدين أصبح مكانا معروفا للجميع أنه الملاذ الوحيد للمبعدين كي يصلوا
إلى أقرب نقطة للمسجد الأقصى، حيث يمكنهم سماع الأذان والإقامة مغمورين بذكرياتهم
في الأقصى ومتشوقين لإنهاء أمر الإبعاد عنه والعودة إلى رحابه.
وأبعدت الحلواني عن
المسجد الأقصى المبارك، بما مجموعه 10 سنوات، منها 8 خلال شهر رمضان، وكذا الأمر
بالنسبة لمجموعة من النساء والرجال الذين يجدد الاحتلال إبعادهم في فترات متقاربة.
أما تواجدهم في طريق
المجاهدين فليس حراً تماما، حيث يحاول جنود الاحتلال تنغيص ذلك كلما سنحت لهم
الفرصة، ويقومون بملاحقة المبعدين المرابطين في المكان أو على الأقل البقاء حولهم
لإظهار نوع من التقييد عليهم.
وتضيف: "للعام
الثامن على التوالي ما زلت أرابط في هذا الطريق رغم محاولات الاحتلال المستميتة إبعادنا حتى من هذا المكان".
بين حطة والأسباط
طريق المجاهدين واحدة
من أقدم الطرق المعروفة في
القدس، وهي تصل ما بين باب الأسباط أحد أبواب البلدة
القديمة من ناحية الشرق وبداية طريق الآلام عند مدخل المدرسة العمرية من ناحية
الغرب.
وبحسب الباحث في شؤون
الأقصى الدكتور عبد الله معروف، فإن طريق الآلام يعتبر واحدا من أهم الطرق للحج
المسيحي في العالم، حيث يعتبره المسيحيون المسار الأخير الذي سار فيه سيدنا عيسى
عليه السلام باتجاه منطقة الصلب التي تعد ركيزة أساسية في الديانة المسيحية.
وتبدأ هذه النقطة من
عند ساحة المدرسة العمرية التي تسمى في طريق الآلام المرحلة الأولى، الموصل إلى
هذا الطريق هو طريق المجاهدين وهذا الاسم تختص به اللغة العربية، حيث إنه يسمى
باللغة الإنجليزية والعبرية ما ترجمته "طريق باب الأسباط" أو طريق باب
الأسود كما يسمى باللغة الإنجليزية.
ويقول لـ "عربي21" إن
هذا الطريق سمي باللغة العربية باسم طريق المجاهدين في فترة يبدو أنها أصبحت لاحقة
لمرحلة نهاية الاحتلال الفرنجي، ويبدو أن أحد الأسباب كما يذكر بعض الباحثين هي
وجود قبور بعض المجاهدين في المدرسة المعظمية القريبة من باب العتم (باب الملك
فيصل) في هذا الطريق، وبالتالي سمي هذا الطريق بطريق المجاهدين.
أولئك المجاهدون كانوا
مع السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي من الذين حرروا مدينة القدس ورابطوا في
المدينة المقدسة بعد نهاية الاحتلال الصليبي، وبناء على ذلك أصبح الاسم هذا مرتبطا
بفكرة المجاهدين.
وهناك بعض الآراء التي
تربط ما بين فكرة المجاهدين أو الجهاد بفكرة طريق الآلام المرتبط في الديانة
المسيحية باعتبار أن هذا الطريق هو أيضا الذي يجب أن يسلكه أي شخص من المسيحيين
القادمين من منطقة الحج إلى طريق الآلام.
ويوضح الباحث أنه لم
يتم العثور على ما يشير إلى أن هذا الطريق كان بهذا الاسم قبل الاحتلال الفرنجي؛
ما يرجح أنه سمي فعليا بهذا الاسم في العهد الإسلامي بعد الفتح الصلاحي للقدس.
وتوجد في الطريق عدة معالم
أساسية؛ أولها باب الأسباط الكبير أو باب الأسود، وسمي بهذا الاسم نسبة لصور
الأسود الموجودة عليه والتي يعود زمنها إلى عهد الملك الظاهر بيبرس، والتي استخدمت
أثناء إعادة بناء الباب في العهد العثماني في عهد السلطان سليمان القانوني، وبناء
على ذلك عرف الباب باسم باب الأسود.
ولكن المسلمين يطلقون
عليه اسم باب الأسباط نسبة إلى أسباط بني إسرائيل المذكورين في القرآن الكريم، وهم
أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام وواحد منهم هو النبي يوسف عليه السلام، وتكريما
لأبناء سيدنا يعقوب المسلمين، أطلق الاسم على هذا الباب.
بعد ذلك يمر السائر
بساحة الغزالي التي تعتبر واحدة من المداخل الكبرى للمسجد الأقصى المبارك، وهي
المنطقة الأوسع بين بوابات الأقصى المؤدية إليه، حيث إن بوابات المسجد الأخرى تؤدي
إليها ممرات باستثناء هذه المنطقة التي تؤدي إليها هذه الساحة الكبيرة المعروفة
باسم ساحة الغزالي والتي لم تكن قديما ساحة، وإنما كانت قديما حتى نهايات العهد
العثماني منطقة منحدرة جدا وفيها ما يشبه بركة الماء.
تاريخ المكان
ويشير معروف إلى أنه
بعد إغلاقها عرفت باسم ساحة الغزالي نسبة للإمام الغزالي تبعاً لقربها من باب
الرحمة الذي يعد أقرب الأبواب المغلقة إلى باب الأسباط من داخل المسجد الأقصى،
لافتا إلى أن هناك بابين اسمهما باب الأسباط، الأول للمدينة المقدسة والثاني
للمسجد الأقصى، وهما بابان منفصلان تماما تفصل بينهما ساحة الغزالي.
بعد ذلك يسير هذا
الطريق وتكون على يمينه كنيسة القديس حنا، الموضع الذي يعتقد المسيحيون أنه ولدت
فيه السيدة مريم عليها السلام، وفي نفس الوقت كانت مدرسة للفقه الشافعي في العهد
الأيوبي وعرفت باسم المدرسة الصلاحية، ثم يمر السائر على بعض الكنائس التابعة
للطوائف المسيحية المختلفة عن يمين الطريق.
وعن يسار الطريق يكون
باب حطة أحد الأبواب المهمة جدا للمسجد الأقصى، وبعده يتم الدخول إلى مناطق حارة
باب حطة التي تعتبر جزءا من حارة السعدية الكبيرة الموصلة إلى بابين؛ باب حطة وباب
الملك فيصل، حيث يبدأ بعدها عند المدرسة العمرية طريق الآلام.
ويضيف: "هذا
الطريق فعليا أصبح الآن مرتبطا في ذهن المقدسيين بفكرة المبعدين عن المسجد والذين
يرابطون في المكان ويؤدون صلواتهم في هذا الموقع ويحاولون التقرب للمسجد والإصرار
على البقاء فيه، خاصة أن الاسم له من طبيعة عملهم نصيب كبير، حيث إن المرابطين
يعتبرون المجاهدين الذين يحاولون الوقوف في وجه الاحتلال ويرفضون الظلم الواقع
عليهم من خلال منعهم من دخول الأقصى وهو أبسط حق ديني لهم".
يشار إلى أن الاحتلال
يصدر أوامر إبعاد بشكل مستمر بحق المصلين في المسجد الأقصى المبارك بهدف تفريغه
وتسهيل السيطرة عليه من المستوطنين، حيث تتراوح قرارات الإبعاد بين 3 و10 قرارات
شهريا، وتستهدف بشكل مباشر المؤثرين والنشطاء والمرابطات وأئمة المسجد وحراس
الأقصى الذين يحاولون الاعتراض على اقتحامات المستوطنين وأدائهم الطقوس اليهودية
داخل المسجد بحماية من شرطة الاحتلال.