لم
يتوقف
الاحتلال الإسرائيلي، منذ اليوم الأول لاحتلال الأراضي
الفلسطينية، عن محاولة اختراق محيطة العربي والإسلامي، مسخرا لذلك كل الجهود، السرية والعلنية،
الناعمة والخشنة، لإبرام اتفاقيات للولوج إلى تلك البلدان.
وحقق الاحتلال نجاحات في ذلك على مستوى
العديد من الأنظمة العربية التي كسرت القواعد وهرولت للتطبيع مع إسرائيل، رغم أنها
ما تزال تحتل فلسطين بقوة السلاح منذ أكثر من 74عاما.
علاقات سرية
وشهدت السنوات القليلة الأخيرة في ظل
رئاسة بنيامين
نتنياهو لحكومات متعددة، طفو بعض العلاقات السرية بين الاحتلال وعدد
من الأنظمة العربية إلى السطح، وتكلل ذلك بتوقيع اتفاقيات
تطبيع أطلق عليها "الاتفاقيات
الإبراهيمية"، بدعم من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وأعلنت أبوظبي
وتل أبيب، بمباركة ترامب يوم 13 آب/ أغسطس 2020، في بيان رسمي، التوصل إلى
"اتفاق تطبيع علاقات إسرائيلي-إماراتي"، تتويجا لعلاقات سرية وثيقة،
امتدت على مدى أعوام.
ولاحقا، أعلنت البحرين تطبيع علاقاتها
مع الاحتلال بتاريخ 11 أيلول/ سبتمبر 2020، ثم جاءت لقاءات سودانية إسرائيلية
لاحقا، وبتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2020، أعلن المغرب تطبيع علاقاته مع الاحتلال،
وسبقهم إلى التطبيع كل من مصر والأردن.
ومع هزيمة نتنياهو وتولي حكومة التغيير
في "إسرائيل" الحكم برئاسة نفتالي بينيت وبعده يائير لابيد، بالتزامن
تقريبا مع فشل ترامب في الفوز بفترة رئاسية جديدة نهاية 2020 وقدوم جو بايدن، خفت
نجم التطبيع العلني قليلا، في ظل تفاقم النزاعات الداخلية الإسرائيلية، لكن ربما
تدفع عودة نتنياهو المتهم بالفساد إلى الواجهة مرة أخرى، بعملية التطبيع قدما خلال
المرحلة القادمة.
وعن أهم مسارات ومحطات التطبيع خلال
2022، أوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي، البروفيسور إبراهيم أبو جابر، أن
"التطبيع قديما كان بالسر، وكانت هناك علاقات سرية لبعض القادة العرب مع
الاحتلال، ولكن مؤخرا، وخاصة عقب وصول ترامب للحكم، انفتحت شهية الكيان الإسرائيلي
بدعم أمريكي واضح، عبر استخدام سياسة العصا والجزرة في مواجهة الأنظمة العربية،
ما تمخض عنه توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية وتطبيع بعض الدول العربية".
وأضاف في حديث خاص
لـ"عربي21"، أن "هناك دولا عربية مرشحة للتطبيع مع الاحتلال، لكن
الأمر تراجع قليلا في ظل غياب نتنياهو عن المشهد السياسي ووصول ما عرف بحكومة
التغيير، إضافة إلى خسارة ترامب، لكن كما يبدو الآن بعد عودة نتنياهو، ستعود الأمور
إلى سابقها وستستمر عملية التطبيع مع الدول العربية المتبقية، علما أن هناك بعض
الدول جاهزة للتطبيع من مثل؛ سلطنة عمان، العراق، تونس، قطر والسعودية".
مسارات مختلفة
وأعرب أبو جابر عن أسفه لأن
"الأمور تسير في صالح الطرف الإسرائيلي، خاصة في ظل الانقسام الفلسطيني
والمتغيرات الدولية والحرب الحاصلة بين روسيا وأوكرانيا وإسقاطاتها على المنطقة،
وشماعة الخطر الإيراني، علما بأن التطبيع استمر خلال هذا العام في مسارات مختلفة
أهمها؛ الأمني- العسكري، الاقتصادي والسياسي، وأيضا التعليمي وغيرها".
ولفت إلى وجود "حلف عسكري بين دول
الخليج وإسرائيل، للدفاع عن الأمن الخليجي في ظل الحديث عن التهديد الإيراني
المزعوم"، مؤكدا أن "الأوضاع ستتطور إلى الأسوأ خاصة بالنسبة
للفلسطينيين، في ظل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الجديدة بزعامة نتنياهو، وحالة
الانكفاء العربي وغياب دور جامعة الدول العربية وتهميش الملف الفلسطيني، إضافة إلى
ضعف السلطة واحتمال تفكيكها في ظل الحكومة القادمة".
ونبه إلى أن "التطبيع الأمني- العسكري
استمر بين الاحتلال والدول العربية المطبعة خلال 2022 وخاصة في الخليج، وكشف مؤخرا
عن تركيب تل أبيب لعدد من منظومة اعتراض الصواريخ عند حدود الإمارات مع السعودية،
حيث توجد قاعدة عسكرية إسرائيلية هناك - وفق ما أكدته وسائل الإعلام الإسرائيلية –، إضافة لقطع عسكرية إسرائيلية في مياه الخليج، كما أن أمريكا من الواضح أنها ستفتح
قواعدها العسكرية هناك أمام الاحتلال".
وأكد أبو جابر، أن "إسرائيل من
الممكن أن تستغل هذا الوجود في الخليج، في قصف المفاعلات النووية الإيرانية إن
أرادت ذلك؛ رغم صعوبة الأمر، أو قصف أهداف إيرانية، وإضافة لذلك، هنالك تعاون عسكري
استراتيجي بين المغرب والكيان الإسرائيلي".
أما المسار التالي، فهو تواصل التطبيع
الاقتصادي، من خلال "استثمارات إماراتية في إسرائيل، وأخرى إسرائيلية في
الإمارات، إضافة إلى الاستثمارات الإسرائيلية في مدينة نيوم بالسعودية".
وذكر أن "هناك تطبيعا سياحيا، حيث
يذهب الإسرائيليون بكثرة إلى دبي، كما برز التطبيع الديني، حيث أقيم كنيس يهودي في
الإمارات، ويجري الاحتفال بأعيادهم بشكل علني في الفنادق والأماكن العامة في
الإمارات".
ولفت الخبير الفلسطيني إلى أن
"تصاعد عملية التطبيع شمل أيضا العملية التعليمية، ويوجد حديث عن فتح الجامعات
الخليجية أمام الطلاب الإسرائيليين".
أما على مستوى المغرب العربي، فقال؛ إن
"إسرائيل لديها مصلحة هناك؛ بمحاصرة الجزائر وخلق فتنة بين الجزائر والمغرب
بشأن مسألة الصحراء، وكان لترامب الدور الأكبر في هذه الفتنة؛ خاصة بعدما اعترف
بسيادة المغرب على الصحراء، ما أجج الأزمة هناك".
وبين لـ"عربي21"، أن
"إسرائيل تحاول إقامة قواعد عسكرية لها هناك؛ لمحاصرة العالم العربي من جهة
الغرب، وتحييد المغرب عن دعم القضية الفلسطينية، والاستفادة من موارده، وخاصة
الفوسفات والسياحة الدينية".
ومن بين مسارات التطبيع، فتح الأجواء
السعودية أمام الطائرات الإسرائيلية وغيرها القادمة من تل أبيب، وهذا بحسب أبو
جابر، يؤكد أن "الأمور طبيعة بين الطرفين، إضافة إلى الاستثمار الإسرائيلي في نيوم،
والسماح بدخول صحفيين إسرائيليين إلى السعودية".
ومما سبق، خلص الخبير إلى أن الأبواب
مفتوحة على مصراعيها لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، مشيرا إلى حديث عن
زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى إسرائيل، ومشيرا إلى زيارة الرئيس
الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الأخيرة، إلى البحرين والإمارات.
وأما على مستوى الدول الإسلامية، أفاد
أن "اتصالات الاحتلال مع بعض الدول الإسلامية من أجل التطبيع مستمرة، مثل
الاتصالات مع أذربيجان التي فتحت لها سفارة في تل أبيب؛ وهناك اتصالات مع
كازخستان، وغيرها من الجمهوريات الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي
السابق".
وتابع أبو جابر: "هناك حديث أيضا
عن وجود اتصالات وزيارات متبادلة بين تل أبيب وإندونيسيا؛ وهي أكبر دولة إسلامية
من حيث عدد السكان، إضافة إلى التطبيع القديم مع تركيا، وهم الآن في طور تحسين
العلاقات بعد أن ساءت سابقا".
من جانبه، أكد الخبير السياسي ورئيس
مركز القدس للدراسات، عريب الرنتاوي، أن "مسار التطبيع خلال 2022، تواصل دونما
اكتراث من قادة الدول المطبعة بمجريات الوضع على الساحة السياسية والميدانية الفلسطينية".
ونبه في حديث خاص
لـ"عربي21"، إلى أن "هذا العام سجل أكبر عدد من الانتهاكات لحرمة
المسجد الأقصى المبارك، من حيث أعداد المنتهكين وممارسة الشعائر الدينية اليهودية،
والنفخ في الأبواق فوق قبور الصحابة، بالقرب من أسوار المسجد الأقصى".
وأضاف الرنتاوي: "شهد هذا العام أعدادا
كبيرة من الشهداء الفلسطينيين، وعمليات الإعدام خارج القانون في الشوارع التي أودت
بحياة أكثر من 165 شهيدا، معظمهم من الشباب والأطفال، في القدس والضفة الغربية، ومع
ذلك واصل مسار التطبيع فاعليته كالمعتاد، وكأن شيئا لم يحدث، ورأينا زيارات رفيعة
المستوى واتفاقيات تبرم؛ في البعد الأمني والدفاعي، كما حصل مع البحرين والإمارات
والمغرب، أو على مستوى دول ترتبط بمعاهدات سلام مع إسرائيل، كالأردن ومصر".
وذكر أنه "في 2022 جرى الاحتفال
بمرور عامين على توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وبدأت بعض العواصم العربية
بالتكيّف مع وجود اليمين الديني الفاشي العنصري في الحكومة الإسرائيلية الجديدة،
حتى إن النائب المتطرف إيتمار ين غفير استضيف في سفارات عدد من الدول العربية في
تل أبيب".
ونوه رئيس مركز القدس للدراسات، إلى أن
"دول المسار الإبراهيمي والتطبيع العربي مع إسرائيل، لا تقيم وزنا لمجريات
الوضع الفلسطيني الداخلي، وهي عازمة على مواصلة هذا المسار، بصرف النظر عما يحدث في الداخل على المستوى الفلسطيني- الإسرائيل،ي وحتى عما يحدث داخل إسرائيل نفسها".
وقال: "رأينا في قمة المناخ
الأخيرة بمصر، بعض الدول العربية توقع اتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي بعد
الانتخابات؛ سواء في المجال البيئي أو في مجال الطاقة، مثل صفقة الماء مقابل
الكهرباء بين الأردن وإسرائيل، بتمويل إماراتي ورعاية أمريكية".