قضايا وآراء

لجنة العفو الرئاسي بمصر وسياسة الباب الدوار

1300x600
خلال الأيام الماضية عُقد إفطار الأسرة المصرية بحضور الرئيس السيسي وبمشاركة بعض القيادات السياسية من التيار الديمقراطي، في مفاجأة غير متوقعة، وأبرزهم حمدين صباحي، المرشح الرئاسي الأسبق ومؤسس حزب الكرامة، وخالد داود، الصحفي ورئيس حزب الدستور السابق الذي ظل رهن الحبس الاحتياطي لعامين ثم أفرج عنه لاحقا، حيث أُعلن في نهاية الاحتفال بعض القرارات الرئاسية؛ أهمها إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي وتحديث تشكيلها، وتكليف المشرفين على مؤتمر الشباب بالإشراف على ما سمي بـ"إدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني".

وتأتي تلك الدعوة الغامضة في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية الحالية، والتي جاءت بسبب السياسات المتبعة من النظام الذي لا زال يتمسك بها حتى الآن، وأدت إلى ازدياد حجم الدين الخارجي والداخلي أربع مرات منذ عام 2014.

وتمت إعادة تشكيل اللجنة بإضافة كل من كمال أبو عيطة، وزير القوى العاملة الأسبق والقيادي بحزب الكرامة "الناصري"، وطارق العوضي، المحامي بالنقض والقيادي السابق في الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، مع بقاء الأعضاء القدامى كما هم.
هل تنجح تلك اللجنة والتي دشنت بقرار رئيس الجمهورية عقب مؤتمر الشباب الأول الذي عقد نهاية عام 2016، في تحريك الوضع الحقوقي، خاصة في ظل تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير منذ سنوات

فهل تنجح تلك اللجنة والتي دشنت بقرار رئيس الجمهورية عقب مؤتمر الشباب الأول الذي عقد نهاية عام 2016، في تحريك الوضع الحقوقي، خاصة في ظل تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير منذ سنوات، بالرغم مما يسميها إعلاميو النظام "انفراجة سياسية"، والتي تكررت عدة مرات ولكن لا تلبث موجتها أن تنتهي بمجرد خروج بعض المحبوسين احتياطيا، ودخول المئات إلى دوامة الحبس لتستمر سياسة الباب الدوار التي تعتمدها الدولة؟

وتعتبر المعايير الدولية أن طول مدة الحبس الاحتياطي يمثل نوعا من الاحتجاز القسري، والذي يتناقض مع المعايير الخاصة بضمانات المحاكمة العادلة، ويعتبر منافيا لقرينة البراءة التي يتمتع بها المتهم، فتجب إحالته إلى محكمة مستقلة ومختصة ومحايدة في أسرع وقت.

وتطرح هنا عدة تساؤلات حول دور اللجنة أهمها:
عدم وضوح مهمة اللجنة خاصة في ظل صلاحياتها المحدودة، حيث أن مهمتها لا تتجاوز وضع مسكنات وقتية في ملف المحبوسين احتياطيا أو الصادرة بحقهم أحكام في قضايا سياسية بسبب ممارستهم لحرية الرأي والتعبير والتظاهر، والتي يجرمها النظام

- عدم وضوح مهمة اللجنة خاصة في ظل صلاحياتها المحدودة، حيث أن مهمتها لا تتجاوز وضع مسكنات وقتية في ملف المحبوسين احتياطيا أو الصادرة بحقهم أحكام في قضايا سياسية بسبب ممارستهم لحرية الرأي والتعبير والتظاهر، والتي يجرمها النظام في شكل اتهامات من عينة "نشر أخبار كاذبة"، و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، و"الإساءة إلى قيم الأسرة المصرية". كما أن وجودها يتيح المساحة للتغطية الإعلامية الواسعة والادعاء بمسعى السلطة التنفيذية لوضع حلول لهذه القضية؛ التي أصبحت عبئا تتأثر به آلاف الأسر المصرية التي تنفق وقتها وأموالها على متابعة وزيارة أبنائها المحبوسين، والذين لا تتم إحالتهم للقضاء لسنوات، في ظل غياب واضح لمستقبل أبنائها.

- غموض الدور الذي تقوم به اللجنة، وهل تقتصر مهمتها على تلقي الشكاوى من الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها المحبوسون وذووهم فقط؟ وما هي وسائل الضغط التي تملكها اللجنة؟ وهل تشمل مهامها الأشخاص الصادر بحقهم أحكام باتة من المحاكم الجنائية أو من محاكم أمن الدولة، والتي يمكن لرئيس الجمهورية إصدار عفو عن العقوبة الخاصة بهم وفقا لنص الدستور؟ أم تتضمن المحبوسين بقرارات من النيابة وهي الوحيدة التي تملك إصدار قرارات إخلاء السبيل بحقهم؟ فضلا عن غياب أي دور حقوقي في عضوية اللجنة التي شغلها إما سياسيون أو نواب مقربون من النظام.

إن هذه اللجنة سبق أن قامت فعليا بوضع ثلاث قوائم لم يتجاوز عدد المُخلى سبيلهم فيها الـخمسمائة، كان آخرها عام 2018. ومنذ ذلك الوقت تم تهميش عمل اللجنة فعليا وتجميدها دون أسباب واضحة.

واللافت للنظر أن تجدد الحديث عن دور اللجنة يأتي في ظل استمرار سياسات القبض على مواطنين ونشطاء وصحفيين في اتهامات تتعلق بحرية الرأي والتعبير، كما تبقى قيادات حزبية وسياسية معارضة رهن الحبس الاحتياطي منذ أعوام، وأبرزهم عبد المنعم أبو الفتوح، ويحيي حسين، وهشام جنينة، وهو ما يضع علامات استفهام إضافية حول نوايا الدولة، فضلا عن أن القوائم التي تضعها اللجنة تخضع في النهاية لمواءمات سياسية وأمنية، كما ترتهن أحيانا بوجود ضغوط دولية حول الملف الحقوقي، وهو ما حدث أخيرا في ظل الحديث عن مقتل الباحث الاقتصادي أيمن هدهود.
هذه اللجنة التي تأتي كمجرد إطار مواز لهيئات إنفاذ القانون تبقى دون صلاحيات حقيقية، والمحصلة أن القرار السياسي بيد طرف آخر، وهو من يملك اتخاذ القرار بشأن العفو أو إخلاء السبيل

- الملفت أيضا وجود تضارب بين اللجنة وأشكال أخرى موازية، على غرار لجنة الحوار الدولي التي كانت تقوم بنفس الدور بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وآخر عمل لها الإسهام في إخلاء سبيل 41 محبوسا؛ منهم صحفيون وسياسيون، فضلا عن المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي سبق له عقد لقاءات مع قادة حزبيين وصحفيين ونشطاء حقوقيين مستقلين عرضوا فيه مطالبهم الأساسية وسلموا قوائم بالمحبوسين احتياطيا، وتم وعدهم من المجلس بأنه سيتم التحرك فيها لإخلاء سبيلهم، بينما أسماء المحبوسين احتياطيا تحت ذمة قضايا سياسية معروفة وموجودة لدى أجهزة الأمن والنيابة العامة التي يغيب دورها في هذا الملف!! والأجدى أن تقوم بمراجعة وتنفيذ مواد القانون الخاصة بعدم تجاوز الحبس الاحتياطي، ووقف التحايل عليها عبر آليات التدوير باتهام هؤلاء في قضايا جديدة بنفس الاتهامات، لتظل بوابة الحبس مشرعة دائما، وليظل الحبس الاحتياطي عقوبة بدون حكم قضائي.

- إن هذه اللجنة التي تأتي كمجرد إطار مواز لهيئات إنفاذ القانون تبقى دون صلاحيات حقيقية، والمحصلة أن القرار السياسي بيد طرف آخر، وهو من يملك اتخاذ القرار بشأن العفو أو إخلاء السبيل. واللافت أيضا أن بعض قرارات العفو الرئاسي السابقة شملت متهمين في قضايا تعذيب من ضباط وأفراد الشرطة، ورجال أعمال حكم عليهم في قضايا جنائية. وغالبا ما تأتي قرارات العفو الرئاسية لتركز على الجنائيين فقط دون السياسيين.

ومشكلة الحبس الاحتياطي المطول تتطلب حلولا من نوع آخر؛ أهمها توافر الإرادة السياسية لتنفيذ التزامات حقوق الإنسان بموجب الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي لم نشهد أي بادرة لتنفيذ بنودها رغم ضعفها وقصورها، ولا تتطلب سوى قيام النيابة بإخلاء سبيل من تجاوز احتجازه مدة ستة أشهر دون إحالته للقضاء، وإعادة النظر في دور النيابة العامة من الأساس، وتعديل قانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات وقانون الإرهاب فيما يتعلق بمدد الحبس الاحتياطي المطول، وإخلاء سبيل كل المحبوسين على ذمة قضايا حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتغيير المناخ المقيد لحرية الإعلام، والانفتاح السياسي باحترام الحريات السياسية والمدنية للمواطنين.