كتاب عربي 21

الحكومة الليبية.. تحدي السيطرة وأزمة الخطاب

1300x600

لا تزال الأنظار مسلطة على فتحي باشاغا، رئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان، الذي تعهد بالدخول إلى طرابلس ومباشرة سلطته كرئيس حكومة من داخل العاصمة. وبرغم تطور الوضع على الأرض من جهة الكتائب المسلحة وما ورد من معلومات بخصوص استقطاب باشاغا لبعض القوات الرافضة لدخوله للعاصمة لتصبح من المؤيدين لتمكينه كرئيس للحكومة، إلا أن معطيات أخرى تشير إلى أن الاعتراف به كرئيس للحكومة واستلامه كافة الصلاحيات والمسؤوليات ما يزال غير مؤكد.

مدينة مصراتة لها تأثير وازن في الأزمات السياسية التي تأخذ منعرجا أمنيا وعسكريا، ومن الواضح أن الثقل السياسي والاجتماعي وحتى العسكري للمدينة متحفظ على قرارات البرلمان وعلى التغيير في الحكومة، يضاف إلى هذا موقف مكونات عسكرية مؤثرة من الزاوية وطرابلس، والذي يعضد مصراتة في موقفها.

التحدي الشعبي الذي كشف عن نفسه من خلال ردود الفعل الشعبية أو غير النخبوية في الغرب والشرق شكل رافدا لمواقف المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية التي أعلنت وقوفها ضد الحكومة الجديدة، ولم تظهر مؤشرات بعد على توجيه الرأي العام لصالح الحكومة الليبية بقيادة باشاغا.

على المستوى الدولي، من الواضح أن الدول المؤثرة في الأزمة الليبية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تستمر في تركيزها على إحراز تقدم بخصوص الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات، وتجعل أزمة الحكومة تبعا لحل النزاع الدستوري والقانوني، لهذا لم يتغير موقفها حتى الأن من قرار البرلمان بتبديل الحكومة، وتستمر في الضغط على الطرفين، ادبيبة وباشاغا، لمنع تحول الخلاف بينهما إلى مواجهة عسكرية.

المؤسسات السيادية المهمة، وهي المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار، والتي تمثل سلطة المال الذي لا سلطان وحكم بدونها، لم تعلن اعترافها بسلطة الحكومة الليبية، وما تزال تتعاطى مع قرارات حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما أكده باشاغا في أحد تصريحاته.

لغة التصعيد في الخطاب من قبل باشاغا والداعمين له ولحكومته من الإعلاميين والنشطاء السياسيين لا تعكس تغييرا في السياسة والتوجه الذي ارتكز في السابق على سلمية حراك الحكومة وسلاسة استلامها لزمام الأمور فحسب، بل يدلل على أن جبهة باشاغا لم تفلح في اختراق السد الذي يواجهها بعد وأنها في سباق مع الزمن وفي تبرم من موقف الرافضين والذي قد يدفعها إلى بدائل متشددة. 

 

أعضاء المجلس الأعلى للدولة الذين تصدروا جبهة الرفض لقرارات البرلمان ليسوا ضمن الإسلام السياسي، والحراك النخبوي الذي قاد التجمعات والاحتجاجات لا يمكن تجييره لصالح الإسلام السياسي، ولو وقفت أمام شاشات الفضائيات الليبية لوجدت أن معظم من يعبرون عن خطاب الرفض لحكومة باشاغا لا علاقة لهم بالمنتظم الإسلامي، ولهذا يتأكد أن استخدام شماعة الدين والمتدينين لا يعضدها دليل وتفتقر إلى الموضوعية،

 



اتهام ادبيبة بدعم مجموعات إرهابية، والقول بأن الإسلام السياسي ودار الإفتاء هم من يقودون حراك رفض قرارات البرلمان والتي منها تشكيل حكومة جديدة يعكس توجها تصعيديا واتجاها إلى الأسلوب التقليدي في إدارة الخلافات والنزاعات في المنطقة.

القول بأن حزب العدالة والبناء والجماعة المقاتلة ودار الإفتاء (الإسلام السياسي كما يحلو للبعض وصفهم) هم من يقودن جبهة الرفض لحكومة باشاغا غير دقيق، بل هو بمثابة شماعة يلجأ لها الساسة لتحريك الرأي العام باتجاه توجهاتهم وخياراتهم وممارسة ضغط على خصومهم، ولا علاقة له بالحقائق على الساحة السياسية والأمنية، إذ لا يمثل حزب العدالة والبناء، بعد الانقسام الذي وقع فيه، ثقلا على الأرض، والبارزون من أعضائه في المجلس الأعلى للدولة انحازوا للحزب الديمقراطي، أبرز الداعمين لباشاغا.

الجماعة الإسلامية المقاتلة أصبحت من الماضي فعليا، إذ لا يمثلها أحد على الساحة، ولم تعد تملك حضورا سياسيا أو عسكريا ضمن الجبهة الغربية، فقادتها السابقون خارج البلاد ولا يستطيعون الدخول للعاصمة، والقوة العسكرية التي كان يقودها بعض المنتمين للمقاتلة تم تفكيكها منذ سنوات.

وبالرجوع إلى التشكيلة العسكرية التي ترفض دخول الحكومة الليبية للعاصمة فإن أغلبها لا يمتثل لرأي وموقف دار الإفتاء، بل إن بعضها عل خلاف شديد معها، وتحكمها مصالح وحسابات خاصة، وعلى أساس تلك المصالح والحسابات اتخذت موقف المعارض لحكومة باشاغا.

أعضاء المجلس الأعلى للدولة الذين تصدروا جبهة الرفض لقرارات البرلمان ليسوا ضمن الإسلام السياسي، والحراك النخبوي الذي قاد التجمعات والاحتجاجات لا يمكن تجييره لصالح الإسلام السياسي، ولو وقفت أمام شاشات الفضائيات الليبية لوجدت أن معظم من يعبرون عن خطاب الرفض لحكومة باشاغا لا علاقة لهم بالمنتظم الإسلامي، ولهذا يتأكد أن استخدام شماعة الدين والمتدينين لا يعضدها دليل وتفتقر إلى الموضوعية، ومن الواضح أنها تأتي ضمن التوظيف السياسي للخلافات والخصومات ولأجل استمالة الرأي العام لا أكثر.