كتاب عربي 21

ليبيا.. العودة إلى المربع الأول

1300x600

منح البرلمان حكومته الجديدة الثقة، وثار حول طريقة منح الثقة الجدل نفسه الذي أثير حول طريقة اختيار رئيسها، فتحي باشاغا، وأخذ المجلس الأعلى للدولة، بقيادة رئيسه، مسافة من توجه البرلمان، بعد أن كان قريبا جدا منه، فضاعف باب التنازع بين الجسمين حول التعديل الدستوري والتغيير الحكومي الجدل الحاصل ومهد لأن يتخذ المجتمع الدولي موقفا محايدا، لكن يبدو أنه غير داعم أو متحفظ على قرارات البرلمان.

مستشارة الأمين العام، ستيفاني ويليامز، لم تعلن عن موقف مباشر من قرارات البرلمان ورفض الأعلى للدولة لها وإصرار عبد الحميد ادبيبة على عدم التسليم واعتبار باشاغا نفسه الرئيس الشرعي للحكومة، واكتفت بالتحذير من الانزلاق إلى مستوى تأزيم أخطر مظهره الاحتكام للسلاح بعد الانسداد السياسي الحاصل اليوم، إلا أن دعوتها لجولة تفاوضية جديدة يعني أنها تبحث عن مخرج بعيدا عن الجدل الحاصل والنزاع الراهن، ليكون الشروع في هذا المسار باكورة لدور جديد يؤهلها حتما لاتخاذ موقف من النزاع الحكومي الجديد.

قوة البعثة ومكانة ستيفاني تكمن في أنها البوصلة لموقف الأطراف الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والتي أعلنت دعمها للمبادرة الأولى لجمع البرلمان والأعلى للدولة حول توافق على قاعدة دستورية تكون البوابة لإجراء الانتخابات في أقصر الآجال.

قوة المبادرة، أيضا، في أنها تتماهى مع رغبة جموع كبيرة من الليبيين في تغيير الواقع وتبديل المؤسسات التشريعية والتنفيذية الحالية عبر الصندوق، ولأن أزمة لاحت وقد تتطور إلى مواجهات مسلحة جراء التمديد للأجسام الحالية وفي مقدمتها البرلمان، فإن ردود الفعل الواسعة والممتدة من طبرق شرقا مرورا بالقبة مسقط رأس رئيس البرلمان، عقيلة صالح، فالبيضاء وشحات وبنغازي واجدابيا لتلتحم بزخم كبير رافض لهذا التمديد في المنطقة الغربية تعطي لمبادرة ستيفاني ويليامز أهمية مضاعفة خاصة وأنها تلقت دعم الأطراف الدولية المهمة، كما سبقت الإشارة.

 

قوة البعثة ومكانة ستيفاني تكمن في أنها البوصلة لموقف الأطراف الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والتي أعلنت دعمها للمبادرة الأولى لجمع البرلمان والأعلى للدولة حول توافق على قاعدة دستورية تكون البوابة لإجراء الانتخابات في أقصر الآجال.

 



متابعة مواقف الفاعلين في البرلمان تشير إلى احتمال رفض المبادرة الأممية، فسلوك البرلمان، أو الفاعلين فيه، لا يقف عند تمرير تعديلات أو تشكيل حكومة جديدة، بل هو فرض أمر واقع وتحقيق غايات كبرى فشلوا هم وحليفهم العسكري، في تحقيقها بقوة السلاح إبان العدوان على العاصمة، وهنا يكمن التحدي أمام تمرير مبادرة ستيفاني ويليامز.

الأعلى للدولة ربما قد يجد في المبادرة الضالة التي تنجيه من الانقسام والنزاع الذي لم يواجه مثيله منذ تشكله، وتحفظ ماء وجهه أمام قطاع فعال ومؤثر من الرأي العام في المنطقة الغربية والذي وجد عدد كبير من أعضائه، ممن دعموا قرارات البرلمان، أنفسهم في مواجهته.

وهناك رئيس الحكومة المكلف من البرلمان، فتحي باشاغا، والذي لن يكون معنيا بمبادرة ستيفاني، وهمه وفعله سيتركز حول كيفية التعجيل بفرض الأمر الواقع وإزحة ادبيبة وحكومته وتوليه هو السلطة بديلا عنه، وهو ما يعني تأزيما قد يلقي بظلاله على مقاربة المستشارة الأممية.

لا أعتقد أن باشاغا اكتفى بمراسلة الجهات الأمنية والمالية، وهما الفيصل في تأكيد سلطة أي من الرئيسين المتنازعين، ادبيبة وباشاغا، وتأكيده أنه هو الشرعي وأنه لا شرعية لدبيبة، ولا بد أنه يبحث عن سبيل لتفكيك الجبهة العسكرية التي أعلنت رفضها له وتأييدها لخصمه، وهو أمر كان ممكنا بل محتملا جدا، خصوصا وأن عددا من مكونات تلك الجبهة تبحث عن مصالح يمكن أن تجدها مع باشاغا، لولا الموقف الأخير الذي أعلنت عنه ستيفاني ودعمها فيه الدول الهامة.

إذن نحن اليوم أمام انقسام يتمترس خلفه كل طرف بحجة قانونية وسند سياسي وعسكري، مما يعني العودة بنا إلى المربع الأول في النزاع، وليس أمام الطرفين إلا التفاوض والتوافق، أما العناد واللجوء إلى قوة السلاح فلن تعضده حجة ولن يوصل صاحبه إلا إلى ما وصل إليه حفتر بعدوانه على العاصمة.