لا ندري كيف سيكون موقف الفصائل الوطنية الفلسطينية من حديث السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وتدخله غير الودي وغير المقبول في شأن تونسي داخلي.
أن يقلد الرجل السيد قيس سعيد رئيس البلاد الحالي في تونس بقلادة فلسطين الكبرى فهذا شأنه وقرار لا يعنينا، وهو حر في قلادته يضعها على رقبة من يشاء، ولا تهمنا مطلقا معاييره في ذلك، ولكن حديث عباس عن سعيد بتلك العبارات يعتبر تطاولا غير مقبول وإهانة لجزء مهم من الشعب التونسي الذي يدعم فلسطين منذ عشرات السنين، وقبل أن يكون محمود عباس نفسه جزءا من المشهد الفلسطيني سواء النضالي الميداني أو السياسي.
إن الشعب التونسي يكافح اليوم من أجل استعادة حريته وكرامته وإعادة مؤسساته التي انقلب عليها تعسفيا السيد قيس سعيد وكل المواقف الداخلية للأحزاب والمنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني وحتى المنتظم الدولي تقر ببطلان هذا الانقلاب وتطالب بالتراجع عن إجراءاته وعودة عمل مؤسسات الدولة وهو ما يبرر عزلة تونس اليوم على المستوى الدولي.
أن يثمن محمود عباس أدوار قيس سعيد لدعم فلسطين فهذا رأيه ومن حقه وربما هو يعرف من خلال شبكة علاقاته أمورا عن تاريخ الرجل لا نعلمها، ولكن أن يتحدث عن قيس سعيد على أنه رجل المرحلة وأنه قائد على المستويات العربية والدولية فلا ندري كيف توصل السيد عباس لهذا التقدير ومن خوله للحديث باسم التونسيين والشعوب العربية والمنتظم الدولي!
مرة أخرى يستعمل السيد محمود عباس توصيف "القيادة الحكيمة" ويكرر عبارة "أنتم لها" للتشديد وهذه المرة لوصف مسار وأداء قيس سعيد، فلا ندري هل أن السيد محمود عباس يرى في كل من يلتقيهم صفة القائد الحكيم والملهم أو كان هذا من باب القصور اللغوي أم اللغو الذي لا يليق برجل من المفترض أنه يتحدث باسم قضية عادلة ومن المفترض أن يفكر قبل أن ينطق بأوصاف ربما تؤذي آخرين.
كنت أتمنى أن يذكّر بمن كان له الفضل في إنجاز بناية السفارة الفلسطينية في تونس وأن يثمن أدوار التونسيين لدعم فلسطين، وأن يذكر بمن سقط من شهداء فلسطين على أرض تونس وبشهداء تونس على أرض فلسطين لا أن يقسم التونسيين بمقياس قيس سعيد بين صالحين وشياطين.
وددت لو أن الرئيس عباس كان في مستوى الرجل المجمع الذي يدافع عن قضية عادلة يجمع عليها التونسيون ويذكر بعقلانية وهدوء بتاريخ تشييد وبناء مقر السفارة الفلسطينية في تونس وأن لا يستثمر في سياسات باطلة ولا أفق لها.
كنت كتبت منذ مدة رسالة "للإخوة في فلسطين" وحذرت فيها من انحراف البوصلة والتطاول على حرية الآخرين عبر دعم أنظمة الاستبداد والعبث والشعبوية والفساد وهو ما من شأنه بث الفرقة في الخاصرة الفلسطينية.
كلنا ندرك بأن القدس محتلة والضفة مستباحة وغزة محاصرة والشعب الفلسطيني يعاني والأسرى يتطلعون للحرية وأدوات إسرائيل تعمل على تأزم الأوضاع وعلى الضغط على رجالها وابتزازهم، ولا يوجد من خيار غير التمسك بالحقوق الثابتة المدعومة من الشعوب الحرة التي تدعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية بكل الوسائل المشروعة فلا تخذلوا هذه الشعوب وأولها شعبكم في فلسطين المحتلة.
نحن ندرك أن السيد محمود عباس يمثل جزءا من الشعب الفلسطيني في الضفة والأولوية بالتأكيد هي لإجراء انتخابات في الأراضي الفلسطينية ومواصلة الكفاح للحصول على الحقوق كاملة وليس التطاول على الحقوق التي اكتسبها الآخرون بنضالاتهم.
قلنا مرارا بأننا نقدر ظروفكم في عدم إجراء انتخابات للحصول على الشرعية الشعبية والمؤسساتية وأنتم كنتم السباقين لإعطائنا جميعا مثالا راقيا في الرجوع للشعب وأخذ الشرعية منه، ولكن أن يتطاول السيد محمود عباس اليوم على الشعب الذي خرج ليرفع شعار الحرية وتحرير فلسطين فهذا هو العبث وضياع البوصلة.
كنا إلى جانبكم في عديد المحطات ومنها المسعى إلى تجريم العدوان المتكرر بحق غزة وأهلها، وعملنا بما توفر لدينا من إمكانيات على رفع الحصار البري والبحري والجوي واستبشرنا خيرا بحصول فلسطين على صفة العضوية في عدد من المنظمات الدولية وشجعناكم على المضي قدما في نهج ربح المواقع ومحاصرة الاحتلال.
قلنا لكم إن انضمامكم إلى اتفاقية روما يسهل عليكم النظر في السبل الكفيلة بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. وكنا معكم للمطالبة بمضاعفة الجهد القانوني والحقوقي ليترجم الإنجاز الشعبي على المستويات القضائية والقانونية والسياسية ودعوناكم في أكثر من مناسبة وفي ظل المؤسسات الديمقراطية والشرعية إلى تحقيق المصارحة والمصالحة والبناء الفلسطيني المشترك، ولكنكم ترضون اليوم بأقل من ذلك بكثير.. وبعدما ضيعتم 8 سنوات كاملة من الوقت وبعدما سار الكثير من الذين كانوا معكم في مسار التطبيع أسوة بالبعض منكم.
نعم يجب معاضدة كافة الجهود الرامية إلى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وإشراك كافة المؤسسات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية باعتبارها قضية شرعية وعادلة ومسنودة بالشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني.
أنا أحد الذين يدعمون الحق الفلسطيني منذ ما يزيد عن 40 سنة وإني أثمن أي جهد لدعم فلسطين من أي كان سواء الذين عرفوا بدعمهم المعروف على مدى السنين الطوال أو الذين التحقوا بالركب مؤخرا، دون أن يشمل ذلك من انقلبوا على إرادة الشعوب وقتلوا أبناءهم تمسكا بالحكم.
نحن ندرك أن السيد محمود عباس يمثل جزءا من الشعب الفلسطيني في الضفة والأولوية بالتأكيد هي لإجراء انتخابات في الأراضي الفلسطينية ومواصلة الكفاح للحصول على الحقوق كاملة وليس التطاول على الحقوق التي اكتسبها الآخرون بنضالاتهم.
73 عاماً على صدور القرار الدولي 194
هل تنجح الحشود النووية الأمريكية في احتواء روسيا؟
مذكرات أيزنهاور.. هل نؤدب عبد الناصر أم نغتاله؟