قضايا وآراء

مذكرات أيزنهاور.. هل نؤدب عبد الناصر أم نغتاله؟

1300x600

حين أستعرض لقرائي العرب هذه الحقائق التي سجلها مهندسوها الغربيون، فإني أدعو الجيل العربي الراهن من الشباب إلى الاعتبار بها وإدراك بعض العبر التي تنفعنا اليوم، وأهمها أن استراتيجية الغرب إزاءنا لم تتغير بل تلاءمت مع مستحقات العصر. وحللوا يا قرائي الكرام ما يقع لدينا من مصائب عربية وغير عربية لتتأكدوا أن قرارات مجلس الأمن لن تغير كثيرا من واقع الحال لأن النفط والغاز أغلى من الدم العربي.. 

نستعرض هنا بعض أسرار وخفايا السياسة الأمريكية تجاه العرب كما دونها رئيس الولايات المتحدة آنذاك (دوايت أيزنهاور) في مذكراته الصادرة عام 1960.. ونواصل عرض الصدمة الغربية حينما أعلن الزعيم جمال عبد الناصر تأميم القنال، وهو ما اعتبرته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل تهديدا مباشرا لمصالحها الحيوية وتغييرا جوهريا لتحالفات العرب الدولية. 

ولم ييأس عبد الناصر من أمريكا حتى بعد رفض واشنطن بيع الأسلحة لمصر فعرض على أيزنهاور تمويل بناء سد أسوان (السد العالي) بالتعاون مع البنك الدولي فتم نفس الضغط ـ إلى جانب ضغط (إيدن) الذي كان يعتبر القضاء على مصر قصما حاسما لظهر العرب ورفض أيزنهاور تمويل السد العالي فتوجه عبد الناصر إلى السوفييت. 

كتب أيزنهاور في مذكراته بتاريخ 8 آذار (مارس) 1956 ما يلي: "إني مقتنع أن عبد الناصر لن يقوم بأي حركة من أجل السلام وأن العرب أصبحوا وقحين بسبب حشدهم ضدنا ولذلك سوف أعمل جهدي على إحداث الشقاق بين عبد الناصر والملك سعود". 

وتصاعدت تحديات عبد الناصر مهددا بتأميم القنال فتضاعف خوف أمريكا وفرنسا وبريطانيا واستغلت إسرائيل التي كان يتزعمها بن جوريون آنذاك هذا الخوف لإثارة الغرب بأسره ضد مصر.. ولم تنقطع تحديات عبد الناصر فأعلن في أواخر أيار (مايو) 56 أن مصر تعترف رسميا بالصين الشعبية وترفض الاعتراف بالصين الوطنية وزعيمها (شان غاي تشاك) وتحرك (إيدن) في اتجاه الاحتلال العسكري للقنال ولمصر إن لزم الأمر قائلا في مذكرة بتاريخ 27 أيار (مايو) 56 موجهة إلى أيزنهاور: "إن الغرب سيختنق وستنقطع عنه حنفية النفط ولا يمكن أن نترك عبد الناصر يؤمم القنال ويهدد مصالحنا البحرية.. والأمر يدعو إلى تأديب عبد الناصر..". 

وكان أيزنهاور يميل حسب المعطيات التي استقاها من (دالس) وزير خارجيته ومن المخابرات الأمريكية إلى عقد ندوة لإيجاد حل قائلا في مذكراته وفي رسالة أبلغها روبرت مورفي إلى (إيدن) بتاريخ 2 أيلول (سبتمبر) 56: "إن لدينا في منطقة الشرق الأوسط وخاصة من بين العرب حلفاء أعربوا لنا عن رغبتهم في تحجيم عبد الناصر ولكنهم يرون أن عملا عسكريا في القنال لا يأتي بتلك النتيجة..".

وجاء جواب (إيدن) يوم 7 أيلول (سبتمبر) 1956 ليذكر أيزنهاور بأن بريطانيا وفرنسا تحالفتا في الحرب الأخيرة مع الولايات المتحدة "ولا يمكن أن نترك الغرب ينهار على مراحل". 

 

إن العبرة من قراءة كتب المذكرات قديمها وحديثها هي أنها تضطرنا إلى معرفة أسرار السياسات وتفكيك شفرات التحالفات السرية بين كبار اللاعبين على الساحة الشرق أوسطية ولعلها أيضا توقظنا من غفوة العقود الماضية لنمسك بمصيرنا بأيدينا.. لعلها والله أعلم.

 



في منتصف نهار 31 تشرين الأول (أكتوبر) 56 علم أيزنهاور أن الطائرات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية معززة في الأرض بقوات ثلاثية كبرى هاجمت مصر، وأن عبد الناصر تمكن من غلق القنال وجمع قواته للمقاومة وكتب الرئيس الأمريكي في مذكراته بأن ذلك الهجوم كان مفاجأة عظمى له تعادل مفاجأة (بيرل هاربر) في كانون أول (ديسمبر) 1941 أو الهجوم الألماني على فرنسا في كانون أول (ديسمبر) 1941. 

والبقية معلومة لدى المؤرخين فقد تحرك أيزنهاور الرئيس الأمريكي و(بولجانين) زعيم الاتحاد السوفييتي حينذاك لإنهاء العدوان لأن القوتين العظميين لا تعلمان بتفاصيله وربما لا يخدم مصالحهما. واغتنم الكرملين هذا الحدث ـ ومناخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ـ ليقوم بغزو المجر واحتلال عاصمته بودابست لسحق المتحررين. 

ويهب أيزنهاور ليستخلص العبرة من العدوان الثلاثي فيقول: "أنا مؤمن بأن مصالح أمريكا رهينة استقرار منطقة الشرق الأوسط أكثر منها رهينة الشرق الأقصى". 

ويضيف أيزنهاور يوم 5 شباط (فبراير) 1957 قائلا: "لعل مصلحة أمريكا تتلخص في الحفاظ على حاجة العرب المستمرة للمعونة الغربية مع استعدادنا للتدخل العسكري إذا ثبت أن جزءا من هذا العالم العربي أصبح قويا لدرجة تهديد إسرائيل).. 

ثم يقول أيزنهاور تلك الحكمة التي ذهبت مذهب الأمثال في الخمسينيات حين خطب أمام الكونغرس يوم 3 آذار (مارس) 1957 قائلا: "بصورة عامة نحن بإزاء قادة عرب محتاجين للسلاح يحكمون شعوبا محتاجة للخبز". 

حين أستعرض لقرائي العرب هذه الحقائق التي سجلها مهندسوها الغربيون فإني أعتقد أن التنافس العالمي بين أمريكا والصين وروسيا قديم وله جذور.. وأدعو الجيل العربي الراهن من الشباب إلى الاعتبار بها وإدراك بعض العبر التي تنفعنا اليوم، وأهمها أن استراتيجية الغرب إزاءنا لم تتغير منذ اقتسام تركة الرجل المريض بسايكس بيكو عام 1916 بل تلاءمت مع مستحقات العصر.. 

ثم إن العبرة من قراءة كتب المذكرات قديمها وحديثها هي أنها تضطرنا إلى معرفة أسرار السياسات وتفكيك شفرات التحالفات السرية بين كبار اللاعبين على الساحة الشرق أوسطية ولعلها أيضا توقظنا من غفوة العقود الماضية لنمسك بمصيرنا بأيدينا.. لعلها والله أعلم.