على وقع
الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي شغلت العالم بكل ما فيها من تفاصيل وتحليلات، يبدو جليا أن معركة الوصول إلى البيت الأبيض لم تنته بعد، والكل باتوا يجمعون على أن النتائج مُرحّلة إلى المحكمة العليا الأمريكية التي ستنهي سجال الطعون الانتخابية في أروقتها؛ وتعلن في كانون الأول/ ديسمبر القادم على الأرجح الرئيس القادم لأمريكا والعالم برمته في زمن العولمة والقطب الواحد.
عقوبات وحكومات وترسيم
إن ما يعنينا من هذه الانتخابات برغم ضراوتها وخطورة أحداثها على الإدارة القائمة وبرغم الانشغالات المتتالية؛ أن الحدث
اللبناني الأبرز كان أمريكيا بالشكل والإصدار والتوقيع والمضمون، ضمن ما عرف بالعقوبات عبر قانون ماغنتسكي التي أصابت رجل العهد الأول والمرشح الرئاسي المحتمل الوزير السابق والنائب الحالي جبران باسيل.
وهذا يدل على مدى وجود لبنان في أجندة الإدارة الحالية، وذلك لعدة اعتبارات؛ من الموقع الحساس إلى الصراع في المتوسط ومعركة الترسيم التي اشتدت في الجولتين الأخيرتين، علما أن حدث العقوبات الباسيلية والفراغ الحكومي القاتل والنتائج الأولية في الانتخابات الأمريكية قد تنعكس مباشرة في المنطقة وضمنا معركة الترسيم القائمة.
مما لا شك فيه أن كثيرا من الأوساط تؤكد أن العقوبات سوف تنعكس على عملية الترسيم خاصة بعد الطرح اللبناني المتقدم، والذي تجسد بمطالبة الجانب اللبناني بالمساحة التي تقع ضمن نطاق سيادته وحدوده البحرية الخالصة والتي تقارب 2300 كيلومتر مربع، وهذا ما تؤكّده الوثائق والخرائط التي يملكها لبنان، فيما الجانب الإسرائيلي يصرّ على أنّ المساحة المتنازع عليها لا تتجاوز 860 كيلومتراً مربعاً، وأنّ المفاوضات حولها معقّدة بسبب لجوء الجانب اللبناني إلى رفع سقف مطالبه.
في المقابل، أوردت القناة الإسرائيلية حملة ضد قائد جيش لبنان جوزيف عون، بذريعة أنه أوعز لوفده المُفاوض بتقديم خريطة "استفزازية ومفاجئة" تطالب بحدود بحرية موسعة بناء على تقسيم العام 1923 (خلال فترة الانتداب) بين فرنسا وبريطانيا، وعليه هددت إسرائيل بخطوط حدودية جديدة قد تصل حتى صيدا.
وتشير المعلومات إلى أن صعوبات جوهرية نشأت، بسبب "طروحات الجانبين المتشددة" خلال الجولة الأخيرة للمحادثات الجارية بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم خط الحدود البحرية بينهما، بوساطة أمريكية ورعاية أممية، فهل تكون بداية النهاية؟
هل تنتهي المفاوضات قريبا؟
إن بداية النهاية المقصودة للمفاوضات لتريح عدة أطراف من وزر المفاوضات القائمة، فيكون العهد قد رد على خطوة العقوبات، وحزب الله قد تخلص من ثقل المفاوضات لترسيم حدود هو أصلا لا يعترف بوجودها. وكذلك على الضفة الإسرائيلية، فمع الترحيب بالمفاوضات إلا أن الرغبة الإسرائيلية تكمن في حل واحد على الطريقة الإسرائيلية التي وصلت إلى عرض خطين حدوديين جديدين محتملين؛ أحلاهما مر، مشيرة إلى أن الاحتمال الأول هو الخط الأسود ويقضم مئات الأميال البحرية اللبنانية ضمن 860 كلم الأساسية. أما الخط الأكثر وقاحة فهو خط النقطة 310 وهو الأكثر تعديا بأكل مساحات أكبر من المياه الاقتصادية اللبنانية، ومعه قد تصبح لإسرائيل حدود أكثر توسعا في البلوكات اللبنانية 8 و9 و10.
لا شك في أن دور الولايات المتحدة مع الرئيس
ترامب الهجومي والضاغط سيختلف مع الرئيس المنتخب بايدن قليلا، ولكن سرعان ما سيظهر إذا كان ملف الترسيم سيبقى حيا مع الإدارة الجديدة.
ولكن من الواضح أن ظروف الداخل اللبناني تتعقد أكثر فأكثر، حيث أشارت معلومات تواردت عبر مستويات عدة حول فرض عقوبات شديدة على لبنان، قبل 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، موعد رحيل الرئيس دونالد ترامب عن البيت الأبيض. وعليه، فإن العقوبات المطروحة ستكون سياسية وليست اقتصادية، وتنطوي على موقف أمريكي- فرنسي مشترك من السلطة اللبنانية القائمة، خاصة مع وصول الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل.
ولا أخبار سارة حكوميا في الأفق المسدود في لعبة المحاصصة التي لا تنتهي، وزجل الحقائب السيادية والخدماتية في زمن ملّ فيه اللبناني كل هذه السمفونيات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فما بقي سوى الوعود العرقوبية بحل قادم، علما أن ما بعد العقوبات الأمريكية منذ العقوبات على الوزيرين خليل وفنيانوس مرورا بصاعقة عقوبات الوزير باسيل؛ غير ما قبلها.
أحداث مريبة في الأفق؟!
منذ إقالة المسؤولين الكبار في وزارة الدفاع الأمريكية، بدءا بوزير الدفاع مارك إسبر في محاولة لتضييق الحلقة المعنية بالقرارات الكبرى في إدارة الرئيس ترامب، مرورا بالحديث العسكري عن إعادة تموضع أمريكي في بحار ومضائق المنطقة من هرمز إلى بحر عمان وعلى تماس واضح من إيران وحلفائها، وصولا إلى إسقاط طائرة مسيرة لحزب الله من قبل الإسرائيلي مع ما تحمل من دلالات، مضافاً إليها الخروقات الإسرائيلية البرية الجديدة والطائرات الاستطلاعية والحربية التي لا تكاد تفارق الأجواء اللبنانية في الأيام الأخيرة، أضف إلى ذلك غياب العديد من السفراء العرب والأجانب الفاعلين عن المشهد اللبناني، وكذلك كل مع ما يشاع في العديد من دول المنطقة عن حديث لحرب تلوح في الأفق قد تشمل أكثر من أرض في أكثر من دولة وكل ذلك مع إيماننا العميق بخطوات الرئيس ترامب المتهورة والأكثر من جريئة والتي قد تسعى إلى رسم خرائط جديدة.. مع كل ذلك وفي ظل هذا المشهد المعقد، هل تكون الحرب القادمة مدخلا لترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي، وتاليا هل يعمّد ترسيم الحدود بالدم؟