هيمن سؤال "
من يفوز في انتخابات 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 الأمريكية؟" على وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بداخل أمريكا وفي بلاد المعمورة، وإن رجحت نتائج مجمل استطلاعات الرأي انتصار الديمقراطيين (جو
بايدن) على الجمهوريين (
ترامب)، بفارق يتراوح ما بين 4 و11 نقطة. بيد أن هناك من المحللين من يتوجس من تكرار مفاجأة
انتخابات 2016، التي انتهت بفوز "دونالد ترامب" على منافسته "هيلاري كلنتون"، وإن كان سياق اقتراع 2016 مختلفا في العديد من عناصره عن الظروف المصاحبة للانتخابات التي ستُجرى غدا الثلاثاء (3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020).
تكمنُ أهميةُ الانتخابات الجارية في أمريكا من أكثر من عامل وسبب، أبرزها الانقسام الذي أصاب المجتمع الأمريكي بخصوص تقييم أداء رئيسه الخامس والأربعين، والسياسات التي اعتمدها لمواجهة التحديات المستجدة، وعلى رأسها تحدي الوباء "كوفيد 19"، وما ترتبت عنه من مضاعفات بالغة التأثير على الاقتصاد والإنسان، والمجتمع بكامل مكوناته.
فـ"دونالد ترامب" الذي رفع شعار "أمريكا أولا"، وجهد من أجل إقناع المواطن الأمريكي بعودة الزعامة والقوة لأمريكا خلال ولايته الرئاسية، فقد الكثير من جاذبيته بالنسبة للناخبين، وقدرته على التأثير بفعالية في سلوكهم الانتخابي. ويظهر هذا التراجع واضحاً أكثر في
الولايات الموسومة بالتردد وعدم الإفصاح بشكل علني ونهائي عن ميولاتها الانتخابية والتصويتية.
والواقع، تؤكد جل المؤشرات حقيقة حصول اضمحلال تدريجي للمكاسب الاقتصادية التي حققها "ترامب" خلل السنوات الثلاث الأولى من ولايته الرئاسية، كما تُبين، بما لا يترك مجالا للشك، سوء تدبير الرئيس للجائحة التي رفعت أمريكا إلى تصدُّر قائمة المصابين بالوباء في العالم، وارتفاع عدد الوفيات من أبنائها. وقد تضافرت إلى جانب الكساد الاقتصادي، وسوء إدارة أزمة الوباء، تجدد موجة العنف والتمييز العنصري حُيال مكونات المجتمع الأمريكي، وتزايد الشعور بعدم الأمان داخل بلد كان الدافع الأصلي إلى تكوينه وتشكيل هويته؛ التوافق على صيغة تاريخية تكفل لجميع الأعراق والديانات الحرية، والترقي الاجتماعي المتكافئ، والإحساس بالأمن والأمان والسكينة.
لا يتردد المحللون في توقّع أن تلعب كل هذه الأسباب وغيرها أدواراً سلبية لفائدة "جو بايدن"، ولغير صالح "دونالد ترامب"، فقاعدة واسعة من الأمريكيين يشعرون بقلق على مستقبل الديمقراطية في بلدهم، ويتوقون لأن تتواصل أمريكا من جديد مع أصولهم الديمقراطية، كما وضع فلسفتها الآباء المؤسسون، ويتطلعون أيضا لأن تستعيد أمريكا صورتها المتوازنة في
التعامل مع العالم، والتفاعل الإيجابي مع قيمه المشتركة.
ومن هنا، يراهن العديد من الأمريكيين على فوز المرشح الديمقراطي "بايدن"، بُغية الخروج من الأوضاع التي آلت إليها أمريكا خلال السنتين الأخيرتين من ولاية "دونالد ترامب". لذلك، يمثل فوز "جو بايدن" إمكانية لحلحلة الأوضاع في أكثر من منطقة في العالم، كما سيكون نجاحه فرصة لتجنيب العالم منطق القوة والصراع والتصادم، وإعادته إلى حالة أكثر بحثا عن سبل الحوار، والتوافق والتعاون.
ينظر من يتوقع إعادة انتخاب "ترامب" لولاية ثانية، إلى أن تجديد التصويت عليه يعني المصادقة على سياساته، على الرغم من موجة النقد التي تعرض لها أداؤه، كما سيحفزه على مضاعفة اتخاذ القرارات الغريبة والصادمة في الآن معا، وإن كان من المتوقع الاستفادة من الكثير من الأخطاء التي ميّزت سلوكه ومواقفه، من قبيل مواقفه من عمل بعض المؤسسات الدولية، وتنكّره لعدد من الاتفاقيات الدولية ذات الأهمية البالغة بالنسبة للإنسانية ومصيرها المشترك، ودعمه المباشر وغير المباشر بُؤر الصراع في دول مزقتها التوترات والحروب الداخلية والدولية بالوكالة. كما أن إعادة فوزه ستمدد عُمر خلافات دولية وإقليمية أرهقت أطرافها، كما هو حال إيران وفلسطين وسوريا وليبيا.
أما إذا فاز "جو بايدن"، فيُتوقع أن يتراجع فتيل الصراع الدولي، وقد ينحو منحى مغايرا، على الأقل من زاوية طريقة إدارته، ونوعية الاجتهاد في إيجاد حلول له.
لا بد من التشديد على ما يمكن تسميته "المشتركات" في تجارب الانتخابات في أمريكا، فسواء تعلق الأمر بالديمقراطيين أم بالجمهوريين، فإن الخلاف بين الحزبين ليس جوهريا حول المصالح العليا للبلاد، أو حول القضايا ذات الصلة بالمكانة الاستراتيجية لأمريكا، فهذه كلها أمور تمّ التوافق عليها تاريخيا، ولا يُتوقع أن ينشب نزاع جوهري بخصوصها حين يفوز حزب على الحزب المنافس له، كما هو حال انتخاب الرئيس السادس والأربعين غدا الثلاثاء.
ومع ذلك، استمر الجدل قائما ومثارا بحدة حول أفق انتخاب "ترامب"، لما لهذا الرئيس الخامس والأربعين في تاريخ أمريكا من تضارب في الآراء حول شخصه، وتنوع التقييمات لنتائج أدائه، ولما له من سلوكيات غير مألوفة في السياسة الأمريكية تجاه الداخل (التعيينات ي المناصب العليا، الإعلام، العلاقة مع البرلمان والمحكمة العليا)، والخارج (تأجيل النزاعات، العلاقة مع المؤسسات الدولية، وطريقة إدارة الأزمات ذات البُعد الدولي والإقليمي).
سيقول الأمريكيون غدا كلمتهم فيمن سيقود بلادهم لأربع سنوات قادمة، وغدا سيفتح أقوى بلد في العالم بابه إما على استمرار حقبة ترامب، بما حملت من تعبيرات للقوة، وصدامات تبدو غريبة ولا منطق لها، أو توصد هذا الباب لتفتح أفقا لعودة أمريكا إلى حالها الطبيعي.. ما زالت استطلاعات الرأي ترجح فوز "جو بايدن"، لكن المفاجأة واردة جدا، والتوقعات ليست مؤكدة على الدوام، ودون شك ستحسم الولايات ذات التأثير الانتخابي العالي والفعّال من سيفوز، كما كان دائما بالنسبة لولايات "فلوريدا"، و"ميتشيغان"، و"بنسيلفانيا"، و"أريزونا"، وغيرها من الجيوب الانتخابية ذات المقاعد الوازنة في المجمع الانتخابي.