شهدت الأيام الماضية حادثة قتل مؤسفة في الولايات المتحدة الأمريكية، قوامها العنصرية البغيضة للون، حيث توفي الشاب الأمريكي الأسود من أصول أفريقية "جورج فلويد" في مدينة "مينيابوليس" بعد ضغط ضابط شرطة بركبته على رقبته، وهو يستغيث أن يتركه يتنفس، ولكنه لم يتركه إلا جثة هامدة. وقد أدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات كبيرة ليس في "مينيابوليس"، بل اجتاحت تلك الاحتجاجات أنحاء الولايات المتحدة، واتسمت بالعنف من خلال كسر نوافذ المحلات التجارية، وحرق عدد منها، ونهب البعض الآخر، مما اضطر الرئيس الأمريكي لفرض حظر التجول.
لقد خرجت هذه الاحتجاجات وقد نسي المحتجون جائحة كورونا وما أورثته من خوف وهلع.. خرجوا يدافعون عن حقون الإنسان في بلد يتغنى بتمثال الحرية. وقد كان البيض في مقدمة المحتجين، فقد أيقن الجميع حقيقة سياسة ترامب العنجهية وتغذيته للعنصرية بصورة مقززة، وتحميل فشله في مواجهة جائحة كورونا تارة بتصدير المشكلة للصين، وتارة بدعوته لدحر هذه الاحتجاجات وتحميلها لمنافسه الرئاسي "جون بايدن"، ووصفها بالإرهاب.
وقد جاءت جريمة القتل هذه بعد ثلاثة أشهر من مقتل شاب أسود آخر وهو "أحمد أربيري" في "جورجيا" أثناء ممارسته رياضة الجري، على يد رجل وابنه من البشرة البيضاء.. وأعادت تلك الأحداث الذاكرة إلى الاحتجاجات التي وقعت في "لوس أنجلوس" قبل نحو ثلاثين عاما في العام 1992م، بعد تبرئة رجال الشرطة البيض الذين ضربوا "رودني كينغ"، سائق السيارة الأسود أثناء مطاردته، وإن كانت الخسائر في "مينيابوليس" لم تقترب من الخسائر الكبيرة التي شهدتها لوس أنجلوس خلال خمسة أيام فقط، حيث قتل وقتها أكثر من 60 شخصا، وأصيب أكثر من 2000 شخص، واعتقل الآلاف، وبلغت الأضرار التي لحقت بالممتلكات نحو مليار دولار.
إن هذه الجرائم تكشف عنصرية النظام الأمريكي وتغذيته له، لا سيما في ظل الرئيس الحالي "دونالد ترامب". والله تعالى هو من خلق الأبيض والأسود ولا ينبغي أن يحاسب إنسان على لونه فهو ليس من اختياره. ولكن إن كانت هذه الأزمة كشفت عن عورة العنصرية في الجنس البشري في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها كشفت كذلك عن عنصرية لا تقل أهمية وهي عنصرية المال.
لقد قام العديد من المتظاهرين بالسلب والنهب، لا سيما للمتاجر ذات العلامات التجارية المشهورة، والتي تمثل الصورة الذهنية للنظام الرأسمالي وعنصريته المالية البشعة. فلو كان هناك عدل في هذا النظام ما لجأ هؤلاء للسلب والنهب، ولكنه نظام متوحش يقسم المجتمع إلى طبقة طافية تلعب بالمال لعبا، وتترف في الثراء، وطبقة غارقة لا تجد ما يعينها على تناول قوت يومها، حتى وصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر في الولايات المتحدة نحو 12 في المئة. وارتفع معدل البطالة إلى 13.7 في المئة في نيسان/ أبريل الماضي.
الدولة في هذا النظام للأسف تعمل لمصالح رجال الأعمال، وإن كان يتم تصوير هذه المصالح على أنها مصالح الشعب، وتخليص الاقتصاد من العبء الثقيل للدولة وأجهزتها البيروقراطية
إن اجتماع أزمة كورونا في العالم مع أزمة العنصرية في اللون والمال التي تقودها عالميا الولايات المتحدة الأمريكية تبرز حاجة العالم لنظام اقتصادي عادل، ولن يكون هذا النظام سوى في النظام الاقتصادي الإسلامي
غليان الشارع الأمريكي يحاصر البيت الأبيض
أمريكا.. والاضمحلال الذي يتوالى
المجتمع الرأسمالي المسلح في الولايات المتحدة