كشفت الحملة الروسية في
سوريا عن الطريقة التي طبق فيها الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين الدرس الأوكراني هناك، فقد اتسمت حملته بقصر مدتها والتصميم على تحقيق الهدف.
ويرى جيمس بليتز في تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن الرئيس الروسي أظهر أنه فهم الدروس المهمة في الحرب الحديثة، التي تقوم على تجنب التورط في حروب طويلة وشاقة.
ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة ارتكبت هذا الخطأ في العراق، حيث أرسلت قوات عسكرية حاشدة في حرب كلفتها ثمنا باهظا من الدم والمال.
وتلفت الصحيفة إلى أن بوتين تعلم في أوكرانيا، واليوم في سوريا، الضرب بقوة، وقام بحملة عسكرية قصيرة وحادة، حققت معظم أهدافه المباشرة، دون إغلاق الباب حول خيارات أخرى للتحرك في المستقبل.
ويقول الكاتب إن أوكرانيا كانت المكان الذي قدم فيه قواعد اللعبة الجديدة، ففي عام 2013، أعلن بوتين عن ضم القرم، وأمن قاعدة "سيفاستوبول" البحرية لموسكو، ثم تم نشر القوات الروسية فيما بعد؛ دعما للمتمردين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، الذين قاموا بتأمين منطقة منفصلة في تحد صارخ لحكومة كييف.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن
روسيا ضغطت بقوة على القوات التابعة لكييف، حتى وافقت الأخيرة على منح الانفصاليين منطقة حكم ذاتي، وبعدها قام الزعيم الروسي بتخفيف حدة القتال تاركا نزاعا مجمدا في شرق البلاد.
وتبين الصحيفة أن الشيء ذاته حدث في سوريا، فقد حقق بوتين هدفه المباشر، وهو تقوية موقع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وضرب بوحشية معارضيه.
ويستدرك بليتز بأن الرئيس الروسي يقوم بتخفيف النزاع في الوقت المناسب، مشيرا إلى أنه من خلال الانسحاب من سوريا، فإن بوتين يتجنب التورط في نزاع طويل مع مقاتلي تنظيم الدولة، وفي الوقت ذاته فإنه فتح نافذة لموسكو للتصرف كونها لاعبا ووسيطا دبلوماسيا حول مستقبل سوريا.
ويذهب التقرير إلى أن هذا التحليل يبدو لطيفا مع بوتين، خاصة أن هناك من يتساءل عما حققه التدخل الروسي في سوريا وأوكرانيا، ففي الأخيرة فرضت عليه عقوبات غربية أضرت باقتصاده، وفشل في إقامة منطقة حكم منفصلة عن أي دولة في "نوفوروسيا"، التي كانت سترتبط بشكل وثيق مع روسيا.
وترى الصحيفة أن حملة بوتين في سوريا تظل غير مكتملة وقاصرة، فلا يزال نظام الأسد غير آمن، ولا تزال المعارضة الكردية وتنظيم الدولة قويين، ولم يحقق بوتين ما وعد به، وهو هزيمة تنظيم الدولة.
ويجد الكاتب أنه مهما كان الواقع، فإن بوتين قدم للولايات المتحدة درسا في الحروب الحديثة، فالرئيس الأمريكي باراك
أوباما يرى دائما أن أي مشاركة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط ستؤدي إلى انزلاقها في حرب طويلة وتدخل عسكري لا نهاية له، وتكرار أخطاء أفغانستان والعراق.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن "بوتين كشف عن أن منطق أوباما في الحرب متردد، صحيح أن طريقة بوتين في الحرب وحشية، لكنها أظهرت أن الكثير يمكن تحقيقه من خلال تدخل قوي وحاسم يفاجئ العالم".