تشهد الصحافة
المصرية موجة من المقالات التي توجه انتقادا حادا لما اُعتبر "محاولات من الجنرال عبد الفتاح
السيسي للهيمنة على الإعلام".
وكان السيسي الذي وصل إلى الحكم عبر قيادته انقلابا عسكريا على حكم أول رئيس منتخب بعد "ثورة يناير" وجه انتقادا شديدا للإعلاميين المصريين، متهما إياهم بعدم التعاون معه، وأنهم يعرقلون تقدم الدولة، ويزيدون الانقسام المجتمعي، على حد قوله.
وقال الصحفي عمر الهادي في مقاله بعنوان: "البنطلون لأ"، بجريدة "المصري اليوم": "الرجل القادم إلى رئاسة الدولة بعد تاريخ عسكري طويل لا يبدو حقا أنه مهتم بأداء مهامه الدستورية أو تحمل مسؤولياته بقدر اهتمامه بالحديث في شؤون الإعلام وتطوير الصحافة، حتى أصبحت أشك أنه كان يحلم بمكتب نقيب الصحفيين في عبد الخالق ثروت، وليس مكتب رئيس الجمهورية في قصر الاتحادية".
وأضاف: "لا يترك الرئيس مناسبة دون أن يستغلها للتعليق على أداء الإعلام بالنقد والتوجيه، فتجده يطالب الإعلاميين بما يسميه الاصطفاف في مواجهة الجيل الرابع من الحروب الذي يستغل وسائل الإعلام، ثم يهاجم صحيفة لمجرد أنها خرجت بعنوان الحكومة منورة على سبيل السخرية من فشل معالجة أزمة الكهرباء، ولم يخفِ إعجابه بتجربة الإعلام الشمولي في الستينيات، حين قال: الزعيم الراحل عبد الناصر كان محظوظا بصحيح، لأنه كان يتكلم والإعلام معه".
وبعد سرد عدد من الشواهد، وبأسلوب موغل في السخرية، قال عمر الهادي: "رغم هذا كله يضيق صدر الرئيس ومن معه بالإعلام، يريدون ما هو أبعد من ذلك، وليس هناك ما هو أبعد من ذلك إلا البنطلون.. البنطلون لأ يا سيادة الرئيس".
وتابع: "لا يخفى عليك يا سيادة الرئيس أن الدنيا تغيرت كثيرا عن أيام الزعيم الراحل جمال الناصر، ومن الخطأ أن تتصور السلطة أن الإعلام الذي انحاز لقضية وطنية بإرادته، وقرر دعم الرئيس الجديد في شهور حكمه الأولى، سينحاز للسلطة على بياض إلى الأبد، ويغمض عينيه عن أي فشل أو تجاوز".
ولفت إلى أنه "إذا لم تكن قادرا على تجاوز أزماتك المفتعلة مع الإعلام يا سيادة الرئيس، فأقترح عليك تطبيق حل من اثنين، الأول: أن تفتح الدستور الذي وافق عليه الشعب بأغلبية 98%، لتقرأ مهام رئيس الجمهورية التي ليس من بينها الإشراف على الإعلام أو توجيهه، فأنت رئيس للسلطة التنفيذية في نظام جمهوري لمدة 4 سنوات، ولست مرشدا أعلى للأمة، إلا إذا كنت تريد الاقتباس من النموذج الإيراني، وتطبيق ولاية المشير في مصر".
وكتب: "حين تقرأ الدستور يا سيادة الرئيس، ستتأكد أن دورك هو أن تهتم بعملك التنفيذي، وتترك الصحفيين يهتمون بعملهم الذي يكفل الدستور استقلاله، ويمنع تدخلك فيه، وكل ما نطلبه منك في مسألة الإعلام هو أن تتفضل بإجراء الانتخابات البرلمانية حتى يتسنى لمجلس النواب إصدار القوانين المكملة لمواد الدستور فيما يتعلق بحرية الصحافة، وإنشاء الأجهزة المستقلة المنوط بها تنظيم الإعلام، ومعالجة أزماته".
واختتم عمر مقاله مخاطبا السيسي بقوله: "الحل الثاني، هو أن تتفضل بتقديم استقالتك من رئاسة الجمهورية، وتتقدم للقيد بنقابة الصحفيين بعد استيفاء الشروط اللازمة، لتحل علينا زميلا عزيزا، تحمل هموم المهنة، وتقدم بنفسك النموذج الذي تطالبنا به، وأثق أنك ستكون صحفيا ناجحا جدا.. في زمن عبد الناصر، وليس الزمن الذي تحكمنا فيه".
وبدوره، قال الكاتب بجريدة "الأخبار" أسامة عجاج، في مقاله الأحد، بعنوان: "إنه الإعلام": "الإعلام هو الأداة الأكبر للنظام الحالي في مصر، في معركته ضد العدو الذي تمت صناعته خصيصا، لتمرير كثير من السياسات، وهو الإرهاب، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، ودعونا نعترف أن الوعي بأهمية الإعلام واستخدامه، كانت توجها مبكرا من عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيرا للدفاع، وقد كشفت تسريبات له حديثه عن رغبة مبكرة في استخدام تلك الورقة، وتحدث عن أذرع إعلامية، التي أحرزت نجاحا منقطع النظير".
وأضاف عجاج أنه على الرغم من أن خريطة المستقبل تضمنت بندا حول حرية الإعلام، فقد تم إغلاق كل القنوات المؤيدة للدكتور محمد مرسي، ولم تعد حتى الآن، وتم إغلاق صحيفة حزب الحرية والعدالة، واستفرد النظام الجديد بالساحة الإعلامية، وظهرت مؤشرات التوجه الجديد، الذي لا يسمح بأي صوت مختلف، حتى ولو من معارضي الإخوان، ومن المشاركين في الترويج إلى 30 يونيو، وبدأت ملامح الأدوار الجديدة، المكلف بها الإعلام في تلك الفترة، ومنها المشاركة في الترويج لمعركة النظام ضد الإخوان، على أنها معركة الشعب المصري ضد الإرهاب، وتحميل عناصر الجماعة، كل العمليات التي تستهدف المنشآت العامة والخاصة، ومنها –ثانيا– تبرير أي قصور في الاحتياجات الحياتية للمواطن، ومن ذلك أزمات الكهرباء، وانقطاع مياه الشرب، برغم أنها كانت أحد الأسباب لتبرير فشل الدكتور مرسي، إلا أن نفس الإعلام تعامل معها على أنها تراكم لمشكلات 30 عاما، من حكم مبارك، بل إن بعضهم حمل المسؤولية للمواطن، الذي لا يؤدي دوره في ترشيد الاستهلاك".
وتابع "ثالثا- الدفاع عن النظام في كل قراراته، ومن ذلك قرار رفع الدعم عن المواد البترولية، الذي اعتبره الإعلام، أحد إنجازات النظام، الذي يؤكد قدرته وحسمه وشجاعته، في التعامل مع أزمات المصريين، يضاف إلى ذلك -رابعا- التهويل لكل خطوات النظام، من خلال الترويج لفكرة المشروعات القومية، خاصة توسيع المجرى الملاحي لقناة السويس".
واختتم عجاج مقاله بالقول: "على الرغم من كل ما يجري في الإعلام، فإن عبد الفتاح السيسي، يرغب في المزيد، ويتمنى أن يكون الإعلام داعما له، كما كان عليه الحال مع جمال عبد الناصر، برغم أن من يسيطر على الإعلام، في تلك الحقبة، هم مجموعة الناصريين، فرغم أعدادهم المحدودة، مقارنة بجموع الإعلاميين في مصر، إلا أنهم يسيطرون على مفاصل الأجهزة، المتحكمة في الإعلام، ونظرة واحدة على تشكيلة المجلس الأعلى للصحافة واختياراتهم لرؤساء تحرير الصحف القومية، يؤكد ما نقوله، يضاف إلى ذلك التغطية الواسعة، لذكرى ميلاد محمد حسنين هيكل، أو وفاة
جمال عبدالناصر. كما أنهم نجحوا في تصدير صورة عبد الفتاح السيسي، على أنه بعث جديد لعبد الناصر، والأمر لن يتوقف عند ذلك الأمر".
وفي مقاله بعنوان: "ناصر لم يكن محظوظا"، قال ياسر عبد العزيز: "مما قاله الرئيس السيسي أن الزعيم الراحل عبد الناصر كان محظوظا، لأنه كان يتحدث، والإعلام معه".
وأضاف: "يغبط السيسي الزعيم الراحل عبد الناصر لأن الإعلام المصري في عهده كان تقريبا يعكس رؤية الزعيم، ويردد كلماته، ويدافع عنه، ويهاجم خصومه، ويمجد إنجازاته، ويمدح بطولاته، ويساند قضايا التنمية التي يحددها، ويغني لها.. وله".
وتابع: "من الصعب جدا تخطئة المنظومة الإعلامية المصرية في عهد عبد الناصر حينما يأتي القول عن مساندتها لزعيم وطني مخلص في مواجهة تدبير إقليمي ودولي شرير ومخاطر عظيمة تحدق بالدولة، في أجواء عملية بناء وتنمية صعبة صبت في صالح فقراء الوطن وأضعف أبنائه".
وأضاف: "من الصعب أيضا تبرئة هذا الإعلام عند الحديث عن غياب الحس النقدي، وإشاعة أجواء الزهو الفارغ، والتغطية على العيوب، وتجاهل القصور، وتسليم الأمة مخدرة إلى هزيمة مذلة، يفقد بسببها قطاع من الشعب الثقة العامة، ويتزعزع معها يقين الملايين، ويضيع الأمل لسنوات".
واختتم بقوله: "يجب أن يبقى الإعلام حرا ومنفتحا وتعدديا وخاضعا للتقييم الفني العادل، بحيث يساعدنا على أن ندرك إنجازات عبدالناصر، ونتفادى هزائمه".
وكانت غرفة صناعة الإعلام -التي تضم ملاك القنوات الفضائية- أصدرت بيانا مشتركا مع التليفزيون الحكومي أكدت فيه أنها لن تسمح باستمرار أي إعلامي يشكك في قدرات الدولة أو ينتقد مؤسساتها "في هذا الظرف العصيب"، على حد قولها.