قضايا وآراء

حكومة شهباز شريف.. تحديات الداخل والخارج

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
بقدر ما تتغير الأشياء كثيراً، بقدر ما تبقى على حالها. هذه المقولة الفرنسية ربما أكثر ما تنطبق اليوم على الواقع الباكستاني، فحكومة شهباز شريف الباكستانية التي أتت بعد مواجهات وصدامات طويلة نسبياً، إن كان على مستوى الشارع، أو على المستوى البرلماني والحزبي.. هذه الحكومة أتت بعد أن نجحت في إقالة حكومة عمران خان عبر البرلمان الباكستاني، أو بتحالف حزبي، مما ذكّر بتحالف عام 1977 ضد رئيس الوزراء يومها ذو الفقار علي بوتو الذي اتُهم بالديكتاتورية والاستبداد، فضلاً عن ازدراء أو عدم الاكتراث بالمؤسسة العسكرية، صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الشأن الباكستاني.

ضم التحالف الحكومي الجديد الذي قاده شهباز شريف، المتربع على رئاسة الحكومة في إسلام آباد، مع نجله حمزة شريف المتربع على رئاسة حكومة إقليم البنجاب وعاصمته لاهور، وهو الإقليم الذي يشكل 60 في المائة من سكان باكستان وصاحب الثقل الأكبر في السياسة الباكستانية.. هذا التحالف ضم قوى سياسية متنافرة ومتخاصمة في وقت الجدّ الانتخابي، كحزب الشعب الباكستاني بزعامة بيلاول بوتو الذي تسلم اليوم وزارة الخارجية، بالإضافة إلى أحزاب إسلامية وقومية. فكانت المرة الأولى التي يشترك فيها حزبان متنافسان كحزب الرابطة الإسلامية، وحزب الشعب الباكستاني في حكومة واحدة، مما عكس حجم الضرر الذي لحق بهما من جرّاء حكم عمران خان، فجعلهما يتحالفان مع بعضهما بعضاً ضد العدو المشترك وهو عمران خان.
عمران خان من جانبه يواصل الاستثمار في معاداته لأمريكا، عبر ضخ دماء خبرية ودعائية في روايته القائلة بأنه ضحية لمؤامرة أمريكية، قضت بخلعه من السلطة، ورغم أن المؤسسة العسكرية الباكستانية نفت ذلك، إلاّ أنه لا يزال يصر على روايته، ومعها يصر على انتهاج سلوك دونالد ترامب

عمران خان من جانبه يواصل الاستثمار في معاداته لأمريكا، عبر ضخ دماء خبرية ودعائية في روايته القائلة بأنه ضحية لمؤامرة أمريكية، قضت بخلعه من السلطة، ورغم أن المؤسسة العسكرية الباكستانية نفت ذلك، إلاّ أنه لا يزال يصر على روايته، ومعها يصر على انتهاج سلوك دونالد ترامب كما يقولون في باكستان، فجعل بذلك سياسة الصدام والمواجهة هي الحكم بينه وبين خصومه. وكمثال على ذلك، رفض حاكم إقليم البنجاب الموالي له أن يدير خطاب القسَم لكبير وزراء الإقليم وهو حمزة شريف، وهي سابقة غير معهودة في السياسة الباكستانية، فتدخل القضاء ضد حاكم الإقليم. كل هذا أدى إلى خسارة عمران خان شعبيته إن كان على مستوى الحاضنة الشعبية، أو على مستوى النخب، التي رأت في مثل هذه الخطوات نسفاً وتفخيخاً للنظام السياسي والديمقراطي في باكستان، ما دام خلعه من السلطة تم بطريقة ديمقراطية برلمانية شبيهة بالطريقة التي أتت به إلى السلطة قبل سنوات.

كالعادة يشكل التحدي الاقتصادي لأي حكومة باكستانية جديدة أولى الأولويات، لا سيما مع الانهيار الاقتصادي الذي حصل خلال السنوات الماضية، ومن ضمنه تراجع الروبية الباكستانية بشكل مريع، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم لمستويات غير مسبوقة. ولكن رئيس الوزراء الجديد رفض رفع أسعار المحروقات على الرغم من ارتفاعها في السوق الدولية، وأبقاها على حالها، بل ورفع رواتب العسكريين والمتقاعدين، مما كلّف الميزانية الباكستانية 40 مليار روبية باكستانية أي ما يعادل 200 مليون دولار شهرياً تقريباً. وبحسب الناطق باسم الحكومة فإن البلاد بحاجة إلى 30 مليار دولار هذا العام، بينها 20 مليار دولار نتيجة عجز في الموازنات، وكذلك لدفع خدمات الديون الدولية المترتبة عليها.

يدرك تماماً رئيس الوزراء الجديد بحكم خلفيته المالية وكونه من رجال الأعمال الكبار في البنجاب، أن الرضوخ لبرنامج إصلاحي فرضه صندوق النقد الدولي، سيعني الاصطدام بالشارع الباكستاني، فالبرنامج الإصلاحي يستهدف ضرائب مفروضة على الشارع مما يهدد بثورة اجتماعية شعبية ضد الحكومة، ولذلك يسير شريف على خيط مشدود، ولعله يعوّل بذلك على علاقاته مع دول الخليج وتحديداً السعودية في جلب الدعم، خصوصاً أن تركيبة حكومته المتعددة تُرضي كل الأطراف الدولية، عربية وغربية، ولذا قد يُسهل ذلك من مهمته الاقتصادية حتى على صعيد القوى الغربية والمؤسسات المالية الدولية.
ثمة توافقات سياسية "حزبية"، وعسكرية في الجيش، على أن المرحلة المقبلة هي مرحلة تعاف، ومرحلة إعادة العلاقات لسابق عهدها مع الدول الحليفة وتحديداً أمريكا والغرب بشكل عام، والسعودية والخليج كذلك، بعد الضرر الذي لحق بالعلاقات مع هذه الدول، لا سيما بعد القفزات التي قام بها عمران خان باتجاه روسيا والصين وربما إيران

ثمة توافقات سياسية "حزبية"، وعسكرية في الجيش، على أن المرحلة المقبلة هي مرحلة تعاف، ومرحلة إعادة العلاقات لسابق عهدها مع الدول الحليفة وتحديداً أمريكا والغرب بشكل عام، والسعودية والخليج كذلك، بعد الضرر الذي لحق بالعلاقات مع هذه الدول، لا سيما بعد القفزات التي قام بها عمران خان باتجاه روسيا والصين وربما إيران على حساب الحلفاء التقليديين. ولذلك فالتعويل هو على أن تكون هذه الحكومة صمام أمان، وبوليصة تأمين للعلاقات بين باكستان والقوى الخليجية والغربية، لا سيما وأن شهباز شريف الذي يشكل في الواقع والحقيقة إرث ضياء الحق، وتحديداً فيما يتعلق بالشأن الأفغاني، قد يساهم بشكل كبير في أن يكون نافذة طالبان أفغانستان إلى العالم الخارجي، ونافذة الأخير إلى طالبان أفغانستان، خصوصاً وأن أحزاباً إسلامية مثل جمعية علماء الإسلام بزعامة مولانا فضل الرحمن التي لديها علاقات قوية مع كابول؛ تعد جزءاً أصيلاً من هذا التحالف الحكومي.

وهنا لا بد من التذكير بأن نواز شريف وشهباز شريف اللذين حملا راية حزب الرابطة الإسلامية (روح باكستان) كان أول من تنبه إليهما الرئيس الراحل ضياء الحق في السبعينيات، فلجأ إلى الاهتمام بهما، ودفع بهما إلى السياسة الباكستانية في البنجاب تحديداً.

وشهباز تحديداً يحظى بعلاقات قوية ومتينة مع المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى علاقات مع القوى الإسلامية في باكستان، وكذلك في أفغانستان، وفوق هذا علاقات مع دول عربية وغربية.
الخضّات التي لحقت بالعلاقة الأمريكية- الباكستانية نتيجة تصريحات نارية لعمران خان، عكسها انتماؤه البشتوني، جعلت الزاوية تنفرج أكثر فأكثر بين واشنطن وإسلام آباد، ولذا كان لا بد من حكومة جديدة قادرة على التعاطي والتعامل مع واشنطن، فحمل الراية بشكل غير مباشر الجيش


الخضّات التي لحقت بالعلاقة الأمريكية- الباكستانية نتيجة تصريحات نارية لعمران خان، عكسها انتماؤه البشتوني، جعلت الزاوية تنفرج أكثر فأكثر بين واشنطن وإسلام آباد، ولذا كان لا بد من حكومة جديدة قادرة على التعاطي والتعامل مع واشنطن، فحمل الراية بشكل غير مباشر الجيش الذي يعد الضامن للبلد، والذي ترغب القوى الدولية بالتعامل معه خصوصاً في أوقات الاضطرابات والأزمات. فلجأ الجيش إلى دعم التحرك ضد عمران خان بطريقة أو بأخرى، خصوصاً بعد أن ظهر في تلك الصورة القاتلة مع فلاديمير بوتين عشية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير فكانت الصورة التي قضت على مستقبله السياسي حالياً على الأقل.

سيظل عمران خان يشكل إرثا على المدى القريب على الأقل؛ لا يمكن تخطيه وتجنبه، ولكنه إرث مواجهة وصدام، وإرث معادٍ للمؤسسة العسكرية، بينما يعرف كل من يتابع الشأن الباكستاني أنه لا مقدور لأحد على تخطيها ومعاداتها، فهي ترى نفسها صمام أمان للبلد، وترى ذاتها وريثة هذا البلد، ولذا نرى أن كل ضباطها وجنرالاتها حين يتقاعدون لا يغادرونه، بخلاف كل الأحزاب السياسية التي حالما تنتهي فترة حكمهم تراهم يغادرونها إلى دول خليجية أو غربية، بانتظار جولة حكم جديدة..

 


التعليقات (0)