قضايا وآراء

عمران خان وإرث لعبة معقدة

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600

قلّما تمكن رئيس وزراء باكستاني من إكمال فترة حكمه، في بلد مضطرب، تقاسم فيه العسكر والساسة الحكم على مدى تاريخه القصير منذ انفصاله عن الهند 1947، وعادة ما يستدعي الساسة الباكستانيون نفس الخطاب حين يتعرضون للإزاحة والإقالة، وما دام أكثر ذخيرة رائجة وبيّاعة كما يقال للشعب الباكستاني في مثل هذه الأجواء، هي تجارة معاداة أمريكا، فإن السياسي لن يجد غضاضة في استخدامها. 

أتذكر الآن حين أُقيلت بي نظير بوتو من رئاسة الحكومة عام 1993 بعد أن خلعها الرئيس الباكستاني يومها فاروق لاغاري وفقاً لصلاحياته المستندة لقناعته بعجزها وفشلها في الحكم. كنت يومها ألتقيها في بيتها وسط العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وعلى الفور قالت لي: إن من أقالني شركة يونوكول الأمريكية، على أساس أنه كان هناك تجاذب وصراع وسباق بين هذه الشركة الأمريكية، وشركة بريداس الأرجنتينية لنقل الغاز التركماني إلى أفغانستان وباكستان فالشرق الأقصى.

كانت بي نظير بوتو قد انتقت كلماتها بدقة، فلم تُحمّل أمريكا مباشرة المسؤولية، وإنما شركتها، فهي تعرف أهمية العامل الأمريكي في السياسة الباكستانية، كحالها في السياسات العالمية كلها، وهي تدرك تماماً أن رفع سقف الخطاب ضد أمريكا اليوم يعني أن الثمن سيكون أبهظ وأفدح بالنسبة لها، وربما لحزبها، لكن هذا كان بخلاف عمران خان لاعب الكريكيت الباكستاني العالمي، الجديد على السياسة الباكستانية، والجديد على عالم المناكفات الدولية، فقد وجه الاتهام مباشرة إلى أمريكا، التي رأى أنها تريد إسقاطه، وأن المعارضة عميلة للأمريكان، تتعاون معها في إقالة حكومة شعبية منتخبة.

بالطبع ربما أرضى عمران خان ضميره اليوم، ولكن بكل تأكيد فإن مجيئه إلى السلطة في منتصف 2018 لم يكن له أن يحصل لولا دعم الجيش الباكستاني، في مواجهة ساسة متجذرين في الحياة السياسية والإجتماعية الباكستانية، ولكن خروج عمران خان بعيداً عن نص الجيش الباكستاني الذي يرى نفسه حامياً للبلد خلال فترة حكمه الأخيرة، وتحديداً فيما يتعلق بسياسته الخارجية، دفع الجيش إلى أن يُفرمل خطوات عمران خان. الذي طار في نفس اليوم الذي أعلن فيه فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا، ليظهر معه بنفس الصورة، وكأنه مشجع له على الغزو، وهو الأمر الذي أغضب الدوائر الغربية، وبالتأكيد أغضب الجيش الباكستاني، الذي لديه مرارات تاريخية من التعامل مع روسيا منذ احتلالها أفغانستان، وهي تعرف تماماً أنها لن تغفر لها وقوفها مع المجاهدين الأفغان في الثمانينيات، وتسبيبها بتقسيم الاتحاد السوفياتي، التي لا تزال تُحمّل باكستان مسؤوليته. 

 

الجيش الباكستاني غاضب على عمران خان منذ أن مدّد لقائد الجيش الباكستاني الحالي دون الرجوع إليه كما تقتضي البروتوكولات المتعارف عليها، مما عنى أنه يريد أن يكون مستقلاً عن الجيش، وضاعف الغضب إعلانه بشكل علني وواضح دعم حركة طالبان، مثيراً بذلك التقاليد البشتونية التي يعد هو جزءاً منها، واستغل ذلك ليدفع باتجاه الصين انتقاماً من أمريكا،

 



وكان عمران خان خطا خطوة متقدمة اقتصادياً صوب الصين، بينما القيادة العسكرية الباكستانية تسعى إلى السير على خيط مشدود جداً طرفاه أمريكا والصين، ولذلك فهي توازن بشدة وبدقة بينهما، فعلى الرغم من علاقات الجيش وتحالفه العسكري التقليدي مع الصين إلاّ أنه يدرك تماماً أن تكنولوجيته، واقتصاده، ونخبه تعتمد على الغرب ولا يمكن التخلي عن هذا المعسكر بسهولة، كما لا يمكن إغضابه.

الشعارات التي رفعتها المعارضة الباكستانية بكافة شرائحها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بوجه عمران خان، وتحديداً فيما يتعلق بالتضخم، وارتفاع الأسعار وانهيار العملة الباكستانية، كلها شعارات يعاني منها العالم كله، وليس هناك دولة في هذا العالم بعيدة عنه، فالتضخم في دول متقدمة ربما أكبر منه في باكستان، ولكن مثل هذه الشعارات تستخدم من أجل المواطن العادي، مع إخفاء وراءه لعبة داخلية طرفها الجيش الباكستاني، ولعبة خارجية طرفاها الصين وروسيا وأمريكا.

الجيش الباكستاني غاضب على عمران خان منذ أن مدّد لقائد الجيش الباكستاني الحالي دون الرجوع إليه كما تقتضي البروتوكولات المتعارف عليها، مما عنى أنه يريد أن يكون مستقلاً عن الجيش، وضاعف الغضب إعلانه بشكل علني وواضح دعم حركة طالبان، مثيراً بذلك التقاليد البشتونية التي يعد هو جزءاً منها، واستغل ذلك ليدفع باتجاه الصين انتقاماً من أمريكا، فقوبل ذلك برفض الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر من مرة الرد على مكالماته الهاتفية، ورفض حتى التواصل معه، ومعلوم انعكاسات مثل هذه الخطوة على السياسة الباكستانية وتحديداً الساحة الاقتصادية، التي هي بحاجة بشكل رئيسي وأساسي للدعم الأمريكي، والغربي تحديداً.

ما يُقلق أوساطا عسكرية وسياسية باكستانية هو أن تُفضي سياسة عمران خان بالقطع مع أمريكا، والذهاب باتجاه الصين وروسيا، المراهنة على أحصنة خاسرة، ما يعني وقوع البلد في أحضان محور الاستبداد الروسي ـ الصيني ـ الإيراني، لينقطع عن المحور الغربي، وهو ما يترتب عنه إعادة توجيه خطيرة للسياسة الباكستانية بكل أنواعها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى النفسية، وهو ما لا يقوى عليه أحد في ظل هذه الظروف، الأمر الذي دعا الجيش إلى التدخل، ليقنع الأطراف كلها بحل البرلمان والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وبالتأكيد لن يكون الفائز فيها عمران خان، ومثل هذا الحل أراح الولايات المتحدة الأمريكية التي كان مندوبها زلماي خليل زادة في إسلام آباد لحظة الإعلان عنه، كون الخيار الآخر وهو حجب الثقة عنه في البرلمان، سيثبت نظرية عمران خان بأن أمريكا هي من أسقطته، ولكن الآن ظهر أن الحل الذي وافق عليه عمران خان، بحل البرلمان كاملاً، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، حيث إن هزيمته المؤكدة في الانتخابات المقبلة ستكون بفعل الشعب وليس بفعل أمريكا، وكلنا يعلم شفافية الانتخابات في هكذا ظروف.


التعليقات (3)
م.ش
الجمعة، 08-04-2022 02:19 ص
قرار المحكمة الأخير بعدم دستورية حل البرلمان يبين ان تحليلك غير صائب و أنه لم يتم التوافق على حل البرلمان والانتخابات المبكره كما ذكرت بل يؤكد أن المعارضه و الجيش يخشون من نتيجة هذه الإنتخابات أن تصب في صالح عمران خان
واحد فقط
الأربعاء، 06-04-2022 08:24 ص
نختلف معك استاذ ايمن بأن هزيمة عمران خان مؤكدة فشعبيته هذه الأيام مرتفعة اكثر من اي وقت مضى خاصة اذا ما سمح للمغتربين بالمشاركة في الإنتخابات
استعماران لا استعمار واحد
الثلاثاء، 05-04-2022 09:38 م
لأ أحد يطلب من الدول أو أشباه الدول العربية و الإسلامية الإختراع و الإبداع فقط نريد منهم قراءة التاريخ و تطبيق ما فعلته تركيا و السيد أردوغان العسكر في الثكنات أو السجون أصبح من البديهي و المنطقي تحقيق هذه الخطوة إذا أردنا التحول من شبه دولة إلى دولة