تقارير

جميل البحري.. أسس المسرح ليكون في خدمة تكريس الهوية الفلسطينية

رغم أن شخصيات عديدة قبله أو عاصرته أو جاءت بعده تخصصت في المسرح إلا أن جميل البحري لقب بـ" أبو المسرح".
مؤلف وكاتب مسرحي قام بكتابة 12 مسرحية، وله قرابة الـ20 رواية، وكتب عديدة في الترجمة. ورغم أن شخصيات عديدة قبله أو عاصرته أو جاءت بعده تخصصت في المسرح إلا أنه لقب بـ"أبي المسرح".

ولد جميل حبيب عفارة (البحري) عام 1895 في مدينة حيفا، ولقبت العائلة بالبحري منذ منتصف القرن الثامن عشر وتحديدا أيام الشيخ ظاهر العمر الزيداني شيخ الجليل وحاكم حيفا في ذلك الزمن.

كان جده الأول صاحب أسطول بحري تجاري يجوب البحر المتوسط بين حيفا وعكا وطرابلس، ومن هنا جاءت كنية عائلته بالبحري. وكان والده وكيل أوقاف كنسي، أما أبناء عائلته التي ما زالت تقيم في حيفا فكانوا يمتلكون مساحات من الأراضي على سفوح جبل الكرمل وحيفا، وعملوا في الزراعة والتجارة البحرية.

التحق جميل البحري بمدرسة الروم الكاثوليك في البلدة القديمة، وتلقى تعليمه الابتدائي على يد رجال دين كاثوليك، وتعلم اللغة التركية كونها اللغة الرسمية للبلاد التي كانت خاضعة لحكم الأتراك، واللغة الفرنسية كون المدرسة تابعة لطائفة الروم الكاثوليك التي كانت ترعى من الحكومة الفرنسية.

عمل بعد تخرجه في المدرسة الوطنية الأسقفية، وبعد الحرب العالمية الأولى انتسب إلى طاقم معلمي المدرسة الأسقفية الكاثوليكية بحيفا وكان معلما للغة العربية.

ظهرت عليه علامات الاهتمام بالأدب والكتابة، فنشر سلسلة من الروايات التي ألفها أو قام بترجمتها من الفرنسية إلى العربية في مجلة "المسرة" التي كانت تصدر عن الجمعية البولسية في بيروت.

وكان هو وشقيقه حنا مهتمين بتنشيط الحركة الأدبية والفكرية في حيفا خاصة بعد زوال الحكم التركي ومجيء الاستعمار البريطاني فقاما بافتتاح المكتبة الوطنية في حيفا عام 1922، وساهم مع مجموعة من المثقفين في تأسيس "حلقة الأدب" في حيفا للتشجيع على فن الخطابة واللغة العربية، وشاركه بالتأسيس عدد من الكتاب.

أصدر مجلة "زهرة الجميل" في عام 1921 ثم اقتصر اسمها على "مجلة الزهرة" وهي مجلة أدبية روائية أخلاقية فكاهية تصدر مرتين في الشهر واستمرت حتى عام 1927. ثم أصدر مجلة تحت عنوان "الزهرة" وكانت مجلة أسبوعية ثم تحولت إلى مرتين في الأسبوع وبقيت تصدر بعد وفاته بحوالي تسعة شهور في عام 1931.



وجاء في تظهيرة المجلة صفحة دعائية وترويجية لها على النحو الآتي:

"تصدر مرتين في الشهر في 50 صفحة كل مرة وهي تحوي أرق ما تكتب أقلام أدباء العصر في مواضيع أدبية واجتماعية ومباحث تاريخية وعلمية فضلا عن قصائد لأكابر الشعراء المعروفين ورواية مستقلة تنشر في كل عدد وتنتخب بين أبدع الروايات الأدبية الأخلاقية الجديرة بمطالعة الشبان والشابات على السواء".

وإلى جانب المجلة كان البحري حريصا على إقامة سلسلة من المحاضرات والحفلات والمسابقات للتأليف المسرحي والقصصي، ذلك لتشجيع الشباب على إتقان فنون الخطابة والنظر في كل نقيصة من نقائص مجتمع حيفا الأدبي، كما شهد المسرح الفلسطيني في عهده، تعاونا بين الدول العربية منها سوريا ولبنان ومصر، إذ استقطب مثقفي وفناني العالم إلى حيفا والعكس، جاعلا منها مدينة عربية رائدة في مجال الثقافة.

كان جميل يعمل متطوعا لدى المطران غريغوريوس الحجار وكيلا للأوقاف في حيفا، ووقعت خلافات كبيرة بين مسلمي ومسيحيي المدينة حول ملكية مقبرة في حي محطة الكرمل، وأثناء قيامه بتفحص أحوال المقبرة انقض عليه شابان مأجوران من حيفا وضربه أحدهما بأداة حادة أدت إلى مقتله وذلك في 6 أيلول/ سبتمبر عام 1930، وكادت أن تندلع حرب طائفية بين أهالي حيفا لولا تدخل المفتي الحاج أمين الحسيني والمطران الحجار.

وكان آخر ما كتبه الراحل تحقيقا صحفيا حول إعدام الشهداء الثلاثة محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير في مدينة عكا عام 1930، كما أنه سخر طاقته وصحيفته في ذلك اليوم لأرواح الشهداء الثلاثة إذ كتب في افتتاحية مقال له: "الساعة الرهيبة في حيفا وسائر فلسطين أحيوا ذكراهم لمن قضوا للوطن".



وأقيمت له جنازة ضخمة وألقيت قصائد شعرية رثائية وكلمات تأبينية نشرتها صحافة فلسطين مثل صحيفة "الكرمل" وصحيفة "فلسطين".

منحت دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية اسمه وسام القدس للثقافة والفنون عام 1990، وأعادت وزارة الثقافة الفلسطينية طباعة كتابه الأول "تاريخ حيفا" عام 2022.

قال صديقه الشاعر وديع البستاني في رثائه:

قف بي على قبر (الجميل) الدامي        واقرأ عليه تحيتي وسلامي
هل فيك غير فتى حديث بعده            للعيسوية كان والإسلام
يا ناكرين على الجميل جميله             وممرغين جماله برغام
يا قائمين إلى التباعد بعده                يا حاجبين ضياءه بظلام
لا الدين قاتله ولا أصحابه                  يا ضاربين لجفوة بسهام
لا تلبسوا الدين الحنيف جريمة          يا آثمين كبيرة الآثام
قم يا جميل لظالميك وظلمهم       واطلب أخاك تجده في الظلام
قم يا جميل لكاتبين محطما            ما في أكفهم من الأقلام

ومن مؤلفاته وترجماته العديدة: مسرحية قاتل أخيه، رواية وفاء العرب، الوطن المحبوب، مسرحية حصار طبريا، مسرحية مأساة الخائن، مجموعة قصصية بعنوان الكرمليات، مسرحية أبو مسلم الخرساني، مسرحية مأساة في سبيل الشرف.

و ترجم العديد من الأعمال مثل: الأصم الأبكم، الإخفاء الغريب، الهجوم على بلجيكا، مصائب المسيحية، العاشق الروماني، مائدة الزعيم، الماسة الزرقاء، الخرساء.

المصادر

ـ جميل البحري: أبو المسرح الذي جعل حيفا رائدة في مجال الثقافة، صحيفة الحدث الفلسطينية، 16/2/2023.
ـ مجلة الزهرة 1922 -1923 جميل البحري، دار الوثائق الرقمية التاريخية.
ـ جميل البحري، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ( وفا).
ـ أحمد مروات، جميل البحري منشأ مسرح الرابطة الأدبية.. وحيفا فلسطين، ديوان العرب، أرشيف الناصرة الفلسطيني، 2/12/2007.
ـ جميل البحري: باعث النهضة الأدبية والثقافية في حيفا، موقع حيفا نت،22/10/2010.