تقارير

قصة "بِغ بِن" والمحرك "الفلسطيني العثماني" الذي أخذته بريطانيا قبل قرن

"ساعة الدقاق" في القدس والمستولى عليها من قبل بريطانيا قبل أكثر من قرن من الزمان موجودة في متحف الرسم في بريطانيا..
يتداول الفلسطينيون قصة مفادها أن البريطانيين أقدموا قبل أكثر من قرن من الزمان على واحدة من كبرى عمليات السطو والسرقة للتاريخ والهوية والحضارة العربية والفلسطينية؛ وذلك حينما استولوا على "الساعة الدقاقة" التي كانت تزين قلب مدينة القدس آنذاك، واستفادوا من محركها العثماني.

ومع أن ساعة "Big Ben" الموجودة وسط لندن وفخر بريطانيا ورمزها الوطني؛ وجدت منذ منتصف القرن التاسع عشر، فإن بعض الفلسطينيين والعرب، يعتقدون أن هذه الساعة تعمل بمحرك "فلسطيني عثماني" أخذته بريطانيا منذ أكثر من قرن من الزمان.

وأكد الشيخ ناجح بكيرات، نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس، ورئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث، أن "الساعة الدقاقة" في القدس والمستولى عليها من قبل بريطانيا قبل أكثر من قرن من الزمان موجودة في متحف الرسم في بريطانيا.

وقال لـ"عربي21": "ساعة بغ بن المنصوبة وسط لندن ليست نفس ساعة الدقاق إنما استفاد البريطانيون منها ومن خبرة الساعة لأن الساعات لم تكن معروفة عندهم ".

وأضاف: "اشتهر المسلمون بالساعات منذ زمن هارون الرشيد قبل 1000 سنة، حيث أبدع العرب والمسلمون في موضوع الساعات.. أما بريطانيا فاستفادت من الساعة ووضعتها هناك بعد ما هدمت البرجو أخذت الساعة ووضعتها في متحف الرسم في بريطانيا في متحف لندن".


ناجح بكيرات.. رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث ونائب مدير عام أوقاف القدس 

وأكد بكيرات أن الاحتلال البريطاني منذ الاستيلاء على مدينة القدس أحدث تغييرات كثيرة على المدينة المقدسة إلى جانب موضوع الساعة.

وقال نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس: "أحدث البريطانيون تغيرات على سكة الحديد العثمانية، وعلى البوابات على الجدران، وذلك بعد أن تمت إزالة الساعة من باب الخليل من عند القلعة وهدمه بين عامي 1900 و 1917م".

وأضاف: "كانت الساعة موجودة بعد دخول القوات البريطانية إلى القدس من العام 1917 إلى العام 1920، وبعدها تمت إزالتها لأنها كانت تعبر عن شعار الدولة العثمانية وهي شبيهة نفس الساعة الموجودة في عدة مدن فلسطينية، مثل نابلس ويافا وعكا".

وتابع: "تمت إزالة الساعة ورفعت العلم البريطاني فوقها وعلى القلعة والأسوار وعلى مداخل المدينة المقدسة".

وأوضح بكيرات أن بريطانيا في كثير من الأحيان حاولت أن تدخل اللغة العبرية، وفعلا أدخلت اللغة العبرية وطبعت على عملة فلسطين التي كانت تعرف باسم "الفلس" والجنيه الفلسطيني إضافة إلى اللغة العربية والإنجليزية، مشيرا إلى أن ذلك كان تمهيدا لبسط اللغة العبرية وكان تمهيدا للاحتلال الإسرائيلي.

وقال: "الانتداب البريطاني منذ أن دخل إلى فلسطين وإلى القدس وخروج مفتي القدس الحاج أمين الحسيني إلى باب الخليل لاستلام مفاتيح القدس بدأت بريطانيا تخطط لثلاثة مسارات".

وأضاف: "المسار الأول محاولة صبغة المدينة المقدسة بغير الصبغة الإسلامية البحتة فسهلت للجماعات المتطرفة الإسرائيلية أن تسكن المدينة وأيضا أتت بالجاليات الغربية الألمانية والفرنسية ومهدت للغرب أيضا أن يكون له مدارس خاصة مثل (شميت) و(الفرير) وغيرها في المدينة وساعدت على بناء كنائس كثيرة كما أنها ساعدت على وجود اليهود وطقوس اليهود في المدينة".

وشدد رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث على أنها ركزت في المسار الثاني على البلدة القديمة ومحيطها المسجد الأقصى وركزت على الأوقاف الإسلامية في كل فلسطين، حيث حاولت أن تتدخل في الأوقاف التي يشرف عليها المجلس الإسلامي.

وأشار إلى أنها بنت على جبل المكبر مقرا للمندوب السامي البريطاني، واستولت على بعض البيوت في منطقة الشيخ جراح وبنت هناك.

وقال بكيرات: "حاولت بريطانيا أن تنشئ مدرسة سمتها مدرسة الآثار البريطانية وهذه المدرسة كانت من أخطر ما يكون أنها لم تدرس الآثار على أنها آثار مستقلة بقدر ما قدمت معلومات كبيرة عن فلسطين واكتشاف فلسطين".

وأضاف: "رغم أنها كانت محايدة وبعض علماء الآثار كانوا يكتبون تقارير جيدة عن الوضع في محيط المسجد الأقصى ولا يوجد هيكل؛ إلا أنه في الغالب كانت هذه المدرسة معنية برسم خرائط لكل فلسطين وقدمتها من تحت الطاولة للجانب الإسرائيلي في موضوع الرواية".

وتابع: "استطاعت إسرائيل بالاستعانة بهذه التقارير أن توجد كثيرا من القضايا التي عليها خلاف ثم تقول إن هناك تحكيما دوليا فيها".

وشدد بكيرات على أن بريطانيا سلكت في هذا الموضوع وركزت بشكل كبير جدا على البلدة القديمة ومحيط البلدة القديمة وكان عندها هدف مخبأ وخطير في هذا الموضوع.

وأشار إلى أنها ركزت على الأوقاف الإسلامية، مؤكدا أن كثيرا من الأوقاف الإسلامية ذهبت هدرا وسيطرت عليها حكومة الاحتلال البريطاني.

وقال نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس: "عمدت بريطانيا إلى تحويل كثير من المناطق إلى مناطق أثرية وأزالت عنها موضوع الوقف وبالتالي كان هذا اعتداء على الأوقاف الموقوفة وسلمتها سرا إلى الجماعات المتطرفة وسربت العديد من الأراضي الفلسطينية في مرج ابن عامر للاحتلال الإسرائيلي وكانت تشجع اليهود على شراء الأرض".

 وشدد رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث على أن بريطانيا شجعت عل الهجرة وشجعت على تسليح اليهود وأوجدت لهم كيانا وكانت تشجعهم أيضا على المجيء إلى القدس وفي نفس الوقت كانت تقوم بالقمع للمقدسيين والفلسطينيين مما أضعفهم أمام قوة الاحتلال الإسرائيلي.

ومن جهتها قالت الباحثة في التاريخ والآثار نريمان خلة: "إن ساعة القدس كانت تسمى (ساعة القدس الدقاقة) تدق اليوم في قلب ساعة (بغ بن) في لندن، بعد أن كانت تزين باب الخليل في العاصمة الفلسطينية القدس وتطلق أجراسها في كل ساعة".


                                                 نريمان خلة.. باحثة في التاريخ والآثار

وأضافت خلة لـ "عربي21": "تعرضت ساعة (القدس الدقاقة) المخبأة اليوم في لندن بعد أن كانت تزين باب الخليل في القدس وتطلق أجراسها في كل ساعة، في العام 1922م لعملية سرقة من قبل الجنرال البريطاني إدموند اللنبي (1861- 1936) قائد القوات البريطانية التي احتلت مدينة القدس بعد انتصارها على الجيش العثماني عام 1917م؛ ليؤمر بتفكيكها وسرقتها ووضعها في متحف لندن ليتم لاحقا نقل محرك الساعة إلى ساعة "Big Ben " الشهيرة وسط لندن".

وأضافت: "شيد العثمانيون برج الساعة فوق باب الخليل بجوار القلعة على بناء مربع بلغ ارتفاعه 13 مترا، واستغرق بناؤه سبع سنوات وتم الفراغ منه في ذكرى اليوبيل الفضي لاعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني عرش الخلافة عام 1909م".

وبلغت تكاليف إنشاء البرج بحسب خلة 20 ألف فرنك فرنسي، وكان يمثل تحفة معمارية تستقبل القادمين إلى المدينة من جهة يافا والخليل، وكان يشمل أربع ساعات يراها السكان من مختلف الجهات.

وأكدت أنه بعد سقوط فلسطين تحت الحكم البريطاني أصدرت جمعية يهودية قراراً بإزالة برج الساعة عام 1922 تارة بحجة شبهها ومنافستها لساعة "بغ بن" اللندنية، وتارة بحجة بشاعة البرج، بينما كان الهدف الحقيقي إزالة التراث العظيم.

وقالت الباحثة في التاريخ: "قاوم الأهالي ذلك القرار بعنف، إلى أن سرت شائعة بأن ستورس الحاكم العسكري البريطاني عدل عنه بسبب اعتراض مصطفى كمال أتاتورك باعتباره من الآثار العثمانية".

وأضافت: "لكن ستورس نقل الساعة ونصبها على برج صغير بُني على الساحة المقابلة لمبنى بلدية القدس خارج الباب الجديد، وبحجة أنها لم تكن فكرة جميلة وتحت هذه الحجة أمر ستورس بهدم البرج وسرقة الساعة بحجة نقلها إلى المتحف البريطاني، حيث تم تفكيك المحرك وتركيبه ليصبح قلب ساعة بغ بن".

ومن جهتها اتهمت تمارا حداد، الباحثة في الشأن السياسي والإقليمي بريطانيا بسرقة التاريخ الفلسطيني من أجل تهويده مطالبة بالعمل على استعادة ذلك.


                        تمارا حداد.. باحثة فلسطيني في الشأن السياسي والإقليمي

وقالت حداد لـ "عربي21": "ما حدث قديما هو ذاته ما يحدث في الواقع والمستقبل القريب من سرقة ممنهجة للأوطان".

وأضافت: "ما يحدث على الأرض الفلسطينية والأرض العربية هي سرقة الهوية وهذا يعني سرقة الأرض من قبل، سواء كان على مستوى الثروات أو على مستوى الآثار أو على مستوى سرقة التاريخ".

وتساءلت حداد لماذا الاحتلال يركز دائما على طبيعة التاريخ؟، وأجابت: لأن التاريخ هو الأساس والدليل الذي يثبت الهوية الفلسطينية العربية الذي يثبت حضارة الفلسطينيين على أرضهم".

وقالت: "عندما يسرقون التاريخ فإن ذلك إشارة لسرقة كل ما يثبت الهوية الحضارية وقدرة الفلسطينيين على التفكير والإبداع".

وأضافت: "ما قام به البريطانيون هو سرقة الإبداع، فبريطانيا التي سلمت فلسطين لليهود وقالت سوف نبني وطنا قوميا لليهود فبالتالي هم سلموا الأرض وسرقوا التاريخ والهوية والآثار والحضارة".

ودعت الباحثة في الشأن السياسي والإقليمي إلى ضرورة أن يكون مستقبلا إعادة الحق لمستحقيه. وقالت: "هناك إشارة في القانون الدولي أن من يسرق أي شيء له علاقة بالحضارة والآثار فيجب إعادته وهذا الأمر لا يسقط بالتقادم".

وأضافت أن "الاحتلال لم يسرق الآثار والساعة فقط فهناك سرقة على المستوى المادي للمأكولات الشعبية التراثية الفلسطينية ومحاولة نسبها لهم زورا وبهتانا".

وأضافت: "سرقة الواقع التاريخي والموروث الثقافي والمادي أمر ليس جديدا ومن المهم جدا إعادة هذا الحق وإعادة الأرض الفلسطينية".

وطالبت حداد بريطانيا بالتراجع عن هذا الموقف وهذا القرار المشؤوم الذي سلم الأرض الفلسطينية للاحتلال، وقالت: "مهم جدا التركيز على الآثار والتاريخ والرواية، كون هذه المبادئ الثلاثة هي أساس تاريخ الحضارة".

وأضافت: "هذه السرقة يجب أن تدون ويجب أن توثق لأن هناك سرقات عديدة وهي ليست سرقة شيء بسيط إنما سرقة هوية".