ليست حادثة وفاة الرئيس الشرعي المنتخب في مصر من قبل نظام الانقلاب العسكري حدثا فرديا يستهدف شخصية سياسية رفيعة فحسب، بل هو أعمق من ذلك دلالة وأبعادا. الحدث ليس وفاة طبيعية بل هو أقرب إلى الاغتيال المدبر بعد أن حرم السجين من الرعاية الطبية اللازمة ومن العناية التي تمنع تدهور حالته الصحية بسبب الأوضاع الكارثية في سجون الانقلاب. الحادث الأليم الذي هزّ أركان الرأي العام العربي من المحيط إلى الخليج يشكل أيضا حدثا رمزيا يؤكد الطابع الإجرامي للنظام الانقلابي الذي يضيف إلى سجلاته الدامية جريمة جديدة في حق مصر والأمة .
اغتيال الديمقراطية
لم تنطلق ثورات الربيع العربي التي لا تزال تتفاعل اليوم على الساحة في موجتها الثانية إلا طلبا للحرية والتحرر ومطالبة بدولة مدنية تضمن الحقوق والحريات وتحارب الفساد والظلم. إنها شكل من أشكال المطالبة بالديمقراطية التي تتأسس على الاختيار الحر الذي تعبر عنه الانتخابات والاحتكام للصندوق كما هو الحال في كل الدول المتقدمة.
كانت الثورات إذن فرصة نادرة لتحقيق هذا المطلب العزيز وقد كان قادرا على تحقيق نقلة نوعية في واقع الأمة من واقع استبداد الفرد الواحد والحزب الواحد والفكرة الواحدة إلى رحابة الاختلاف والتنوع وقبول الآخر. لكن الأنظمة العربية وجيوشها المدججة بالسلاح كان لها رأي آخر إذ سرعان ما تحركت آلة الموت لتذبح أحلام الشعوب وتحول ربيع الثورات إلى حمام من الدماء وساحات من الجثث والأشلاء.
ليس اغتيال محمد مرسي برمزيته كأول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية إلا اغتيالا لصفحة مفصلية من تاريخ الأمة
بلغ النظام الرسمي العربي اليوم أقصى مراحل التوحش في تعامله مع مطالب الشعوب بالحرية والعدالة
من العسير جدا أن نحصي في هذا المقام أسماء الضحايا الذين حصدهم آلة الاستبداد العربي التي تؤكد أن الاغتيالات والقتل والتعذيب والتهجير القسري هي مبادئ أساسية يقوم عليها جوهر النظام القمعي العربي منذ نشأته. وهي نفس المبادئ التي تنسف كل المساحيق التي يعمل هذا النظام على استعمالها من أجل إيهام العالم بأنه يحارب الارهاب والتطرف. بل إن التطرف والإرهاب ليسا في الحقيقة إلا صنيعة من صنائع السلطة السياسية العربية في مواجهة معارضيها.
لقد بلغ النظام الرسمي العربي اليوم أقصى مراحل التوحش في تعامله مع مطالب الشعوب بالحرية والعدالة ولم يتوان عن ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر من أجل التمسك بالسلطة والثروة. وهو سلوك يكشف من جهة أخرى أنه نظام استوفي كل شروط وجوده الممكنة. فليست حالة الحرب المفتوحة التي تقودها أجهزة الدولة الاستبدادية العربية ضد شعوبها إلا عنوان المرحلة الأخيرة من عمر هذه الدولة نفسها. فسياسة الأرض المحروقة المتبعة اليوم في سوريا وليبيا ومصر وغيرها من الأقطار العربية هي دليل قاطع على استنفاذ النظام كل الوسائل السياسية والسلمية الممكنة لمنع السقوط الحتمي.
المرحلة الجديدة
لم يبق لدى الجماهير العربية ذرة شك اليوم في طبيعة النظام الحاكم الذي بدد الثروات ومنع النهضة وحكم على الأمة بالهزيمة والتخلف والفقر. هذا الوعي الجديد بأن النظام السياسي غير قابل للإصلاح هو الذي يفسر في جزء كبير منه انطلاق الموجة الثورية الثانية في السودان والجزائر بنفس المطالب والشعارات والسلمية التي عرفتها الموجة الثورية الأولى.
من جهة مقابلة يجتهد الاستبداد العربي في تقديم التنازلات الواحدة تلو الأخرى للقوى الاستعمارية الخارجية سواء عبر التسريع بصفقة القرن وبيع القدس أو عبر صفقات التسليح الضخمة التي يبرمها مع الشركات الدولية ومقايضتها بالصمت عن جرائمه في حق شعبه.
يجتهد الاستبداد العربي في تقديم التنازلات الواحدة تلو الأخرى للقوى الاستعمارية الخارجية
محمد مرسي.. رحيل الفارس الفتّان
ونجح العصيان المدني.. السودان ليست مصر!