أثارت الحلقة الأولى من برنامج "كلام كبير"، الذي يقدمه الإعلامي
المصري محمد ناصر، جدلا واسعا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض لفكرة "
المصالحة"، التي تناولها البرنامج، أو من البرنامج ذاته.
ورأى المؤيدون أن البرنامج، الذي يعرض يومي الجمعة والسبت على قناتي "مكملين" و"الحوار"، بمثابة بداية جيدة نحو إعلام تقبل الرأي الآخر، وطرح بدائل وأفكار جديدة، ومناقشة الشباب عن الوضع الراهن، وكيفة الخروج من الأزمة.
بينما كانت معظم الانتقادات قد اتهمت قناة "مكملين" ومقدم البرنامج محمد ناصر وبعض المشاركين في الحلقة الأولى؛ المحامي منتصر الزيات، والباحث ياسر الغرباوي، بالانقلاب على الثورة، والتخلي عنها وعن حق الشهداء والمعتقلين وأسرهم.
انتقادات لـ"مكملين" وناصر
واقترح بعضهم، ساخرين، تغيير اسم القناة من "مكملين" إلى "متصالحين" أو "مستسلمين" أو "مهزومين"، وقام بعض الرواد بنشر صور ذويهم المعتقلين والشهداء للتذكير بالقضية، وأنهم لم ولن يفرطوا أو يتنازلوا عن حقهم، مشدّدين على أنه لا تصالح مع من وصفوهم بالخونة والقتلة.
ووجهت الكاتبة آيات عرابي رسالة إلى الإعلامي محمد ناصر، قائلة: "صحيح أن الإعلامي يمكن أن يتبنى وجهة النظر المقابلة، لكننا هنا لسنا بصدد برنامج (الاتجاه المعاكس) مثلا، ولا أظن أن
قناة مكملين قالت لمشاهديها منذ البداية إنها قناة الجزيرة أو أنها سوف تقدم برامج (توك شو). الناس في مصر تسمي القنوات التي تبث من تركيا (إعلام الشرعية)، وهذا يعني أن تتبنى وجهات نظر معسكر الشرعية، تماما كبرنامجك المميز على قناة 'مصر الآن' قبل أن يغلقوها".
وسألت عرابي، في تدوينة على موقع "فيسبوك"، إدارة قناة مكملين: "لماذا تروجون للمصالحة؟ وهل لهذا علاقة بتمويل القناة؟"، متابعة أن "الإعلام الحالي لا يمكن أن يشعل ثورة، ولا أن يشعل موقدا لتسخين حساء".
وطالبت الكاتبة قناة مكملين بأن تعتذر عن بث حلقة كهذه، وألا تعود لاستضافة من "تلوثت أيديهم بالدماء وتورطوا في
الانقلاب، وألا تعود لاستضافة من يروجون للمصالحة والهزيمة"، مضيفة: "أما إن كانت القناة ستصر على نفس الخط فلتعلن هذا صراحة للجميع حتى يقرر المشاهدون أن يستمروا في مشاهدتها أو يقاطعوها".
وشن الصحفي صابر مشهور هجوما شرسا على قناة "مكملين" ومحمد ناصر، قائلا: "قناة مكملين انقلابية، ومحمد ناصر هو الوجه الآخر لأحمد موسى، وبرنامج (كلام كبير) دعا وروّج للخيانة تحت مسمى المصالحة"، مؤكدا أن نائب رئيس ومدير قسم السياسة الخارجية في مؤسسة بروكنجز مارتن إنديك هو من يقف وراء مبادرة "منتصر الزيات" الرامية للاستسلام للسيسي، بحسب قوله.
وذكر، في فيديو مصور له، أن القناة أصبحت منبرا لكل الشخصيات التي وصفها بالانقلابية، مضيفا أن القنوات الفضائية داخل مصر الداعمة للانقلاب تقول إنه لابد من الحفاظ على العسكر ومؤسسات الدولة، و"هو نفس الخطاب والهدف الذي تتبناه قناة مكملين ومحمد ناصر".
وشن المفكر الإسلامي محمد عباس هجوما حادا على القناة ذاتها، قائلا: "ما حدث في قناة مكملين يعتبر نكسة خطيرة لمسيرة القناة ولمحمد ناصر شخصيا. وما يدفع للعار والخزي أن جل المناقشين في برنامج (كلام كبير) لم يكن لديهم أي مرجعية تستطيع أن تحتكم إليها فتدينهم أو تنصفهم أو تحكم عليهم بها".
وتابع، في تدوينة على "فيسبوك": "ما آلمني أن الجل كان يخفي ما في نفسه، ولا يسمي الأشياء بأسمائها، فالاستسلام صلح والكفر مرونة والتاريخ عاهرة تمنح نفسها لكل ذرب اللسان فيستشهدون به على المتناقضات"، مضيفا: "حزني خاص جدا على اثنين أحببتهما: منتصر الزيات ومحمد ناصر".
ووصف البرنامج بـ"حوار غوغائي"، متابعا: "سبح بي الخيال فتخيلت بدلا من الحوار وحوشا تتصارع على فريسة: وحش واحد هو الذي سيفوز بها ويفرض سطوته على الآخرين. المعيار الوحيد لانتصاره ليس الحجة والمنطق بل القوة، والمرجعية الوحيدة هي المخالب والأنياب"، معلنا مقاطعة القناة.
في الاتجاه ذاته ذهب عضو جبهة الضمير محمد شرف، قائلا: "ما دار ليس إلا كلام وهري لا يجيب ولا يودي - وكأننا نقوم بدور قنوات الانقلاب - لا يوجد لدينا أعز علينا من الشهداء الذين قدموا أرواحهم، ولكن الحلقة (كلام كبير) والطرح جعل دماءهم محل وجهه نظر للتشاور حول التنازل عنها، وهذه هي الهزيمة النفسية بعينها التي يتم الترويج لها ولتقبلها بمنتهى الخباثة باستخدام أحط أساليب الحرب النفسية على قنوات ما يسمى بوأد الشرعية".
وقال البرلماني السابق ممدوح إسماعيل إن "حديث المصالحة في توك شو أمام الكاميرات ليس (كلام كبير)، ولكن كلام فاضي، القوي يفرض ما يريد على الضعيف المستسلم، لكن يهمني أنه يوجد شخص اسمه ياسر الغرباوي قال كلمة خطيرة لو مزجت بماء البحار كلها لأفسدتها، قال إنه في عهد النبي لم يوجد حل عادل بل حل عاقل! كبرت كلمة خرجت من فمك، وهل جاء النبي - صلى الله عليه وسلم- إلا لكل حل عادل.. للأسف لم يوقف أحد هرتلته".
من جهته قال رئيس حزب الفضيلة محمود فتحي: "بمناسبة حلقة قناة مكملين عن (المصالحة) هو حد عارض عليكم مصالحة أصلا؟ لو كان فيه حاجة معروضة - وده مستبعد - حيبقى اسمها (الاستسلام)"، مضيفا: "العسكر مش عاوزين منكم لا مصالحة ولا استسلام أنتم كده مفيدين أكتر بكتير، بتتكلموا بس وهو متحجج بيكم في فشله وفي كل الإجرام والخراب اللي بيعمله، عموما اللي شغلتهم الكلام وبس حيعملوا أكتر من كده".
"نقد سخيف"
بينما دافع الحقوقي هيثم أبو خليل عن محمد ناصر وبرنامجه "كلام كبير"، متسائلا: "هل وصل بعضنا لمرحلة من التسطيح والغباء أن يهيل التراب على مجهود قناة محترمة وعلى إعلامي رائع من الطراز الثقيل من أجل مناقشة موضوع لا يروق للبعض؟ وكيف سيتم التغيير والتطوير طالما لا يوجد نقاش مجرد نقاش لأفكار متنوعة ربما بعضها غير قابل للتطبيق؟".
وقال، في تدوينة له على "الفيسبوك": "ربما لا أكون مندهشا مثل البعض من الهجوم على قناة مكملين والصديق الإعلامي محمد ناصر عقب حلقة المصالحة من برنامجه الجديد كلام كبير، فالأجواء التي يحياها معسكر الشرعية والمناهضين للانقلاب جعلت الحليم حيران وتشي باقتراب الساعة، ففيها يصدق الكاذب ويكذب الصادق".
كما تساءل: "هل أصبنا بالزهايمر، فننسى قناة مكملين وجهد محترم ومتميز ودورها في تسريبات فضحت العسكر وكشفت تآمرهم وشكل العصابة الذين يتحركون به؟ هل هذه هي المكافأة التي نعطيها لإعلامي رائع مثل محمد ناصر صدر عليه حتى الآن أحكام بعشرات السنوات لموقفه المحترم من هذا الانقلاب؟".
وقال مدير مركز التنوع لفض النزاعات وأحد ضيوف "كلام كبير"، ياسر الغرباوي، إن "هناك ثلاثة يرفضون المصالحة الوطنية: أمير حرب مستفيد من استمرار الصراع، وقاتل يخشى من العقاب، وقائد فاشل يخاف من المساءلة، لافتا إلى أن أغرب ما سمعه من رافضي المصالحة الوطنية هو "احيوا الشهداء من أول الثورة وحتى الآن".
وردا على هجوم البعض على حلقة "المصالحة" وما تطرق إليه المشاركين فيها، قال المحامي منتصر الزيات – في تدوينة على صفحته الشخصية على "الفيسبوك"-: "افعل ما هو صحيح وأدر ظهرك لكل نقد سخيف".
ورأى الناشط محمد علي أن برنامج "كلام كبير" بمثابة بداية مقبولة نحو إعلام يتسم بالمهنية ويسمح بعرض الرأي والرأي الآخر، مشدّدا على ضرورة فتح نقاش موسع ومفتوح مع الشباب، والبحث عن سبل مختلفة لكيفية الخروج من الأزمة الراهنة.
وذكر محسن رفعت أن أي نزاع مهما طال ومهما اشتد سينتهي في النهاية إلى جلوس الأطراف المختلفة أو المتصارعة على مائدة واحدة لبحث آليات الخروج من الأزمة، وهو ما سيحدث مع الأزمة المصرية إما عاجلا أو آجلا، وذلك بغض النظر عن المواقف الرسمية المعلنة من الأطراف المختلفة.