هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أغلقت الأبواب وظهرت التحالفات وتجلت اللوائح الانتخابية على كثرتها والجموح لحب المناصب وفقدان روح الفريق لدى أكثر من فريق في معارك تشتت الأصوات وضياع البوصلة وأمانة الناس، وبحسب هذا القانون الأعوج بكل المقاييس، فلا هو القانون الأرثوذكسي ولا قانون الستين على علله. إنه قانون على السكين يا بطيخ، حيث يطعن كل فريق بفريق ضمن اللائحة والكل يريد الكل لا لشيء إلا لشيء واحد، هو أن يكون موطئا وممرا لوصوله إلى قبة البرلمان، ولا أحد حتى الساعة يدرك ماذا ستحمل الصناديق في 15 أيار (مايو) المقبل، إن على صعيد الفائزين والخاسرين مع إدراكنا مسبقا أن عدد العائدين سيكون رقما مفاجئا".
لذلك وعلى أنقاض جوع الناس وعوزهم في رمضان المبارك، خرجت ورقة التفاهم الأولية بين لبنان وصندوق النقد الدولي. ولكن، هل لبنان واللبنانيون يستطيعون تلبية شروط هذه الورقة؟ ثم هل وصل صندوق النقد إلى قناعة أن هؤلاء الحكام عائدون لا محالة؟ وبكل الأحوال هل المليارات الثلاثة الموعودة كافية لانتشال لبنان من موته السريري وإفلاسه الكارثي السيادي القادم بفعل سياسات الإصلاحات التي لم تبصر النور منذ ما قبل مؤتمر سيدر 2018، الذي حضره الجميع ووافق عليه الجميع وطعنه الجميع، ثم تراهم اليوم يتباكون على وطن عزيز بات في خطر الإفلاس؟
وعلى سيرة الإفلاس وشبحه القادم، فإن أغلب التعريفات العلمية تشير إلى أن الإفلاس هو وضع مالي تترتب عنه موجبات قانونية يخضع له التجار من الأفراد والشركات، في حال عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه الدائنين. وقد اختلفت الآراء حول إفلاس الدولة، حيث يعتبر البعض أن الدول لا تفلس، وإنما تعجز عن السداد. فلا يصح الحديث عن الإفلاس بالنسبة للدول، إذ لا توجد محكمة أو هيئة دولية يمكن أن تضع اليد على ممتلكات الدول وبيعها من أجل سداد مستحقات الدائنين، لما تتمتع به الدول من سيادة يُحرم التعدي عليها.
وبدلا من الإفلاس، يمكن الحديث عن تخلّف الدول وعجزها عن السداد. ويوصف هذا العجز بأنه عجز سيادي إذا تعلّق الأمر بدين خارجي. فيما يرى البعض الآخر أن الدول تتعرض للإفلاس حال الأفراد، عند عدم قدرتها على الوفاء بديونها أو دفع مستحقاتها المالية الداخلية والخارجية أو دفع رواتب موظفيها، سواء أعلنت عن ذلك أم لا.. فكيف بلبنان الذي أعلن بالفم الملآن تمنعه عن الدفع منذ 9/3/2020 إبان حكومة الرئيس حسان دياب في ذلك اليوم الغريب بكل ما فيه!
ويحمل الإفلاس للبنان عواقب وخيمة على مختلف الصعد، تبدأ من تخفيض التصنيف الائتماني للبلد، وقد صُنف لبنان تحت (التخلف الإرادي) بحسب كبرى الوكالات الدولية للتصنيف من جهة، وتاليا زعزعة ثقة الدائنين في اقتصاده وفي أوراقه المالية من جهة أخرى، وعليه أضحى لبنان أسير صعوبة بالغة في الحصول على التمويل مجددا من المؤسسات والمصارف المالية وأسواق الأوراق المالية.
وعليه، منذ أواخر العام 2019 هربت الرساميل المحلية والأجنبية وشلّت قدرة البلد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، حتى وصل الناتج القومي المحلي إلى ما دون 18 مليار! وعليه ستبدأ مسلسلات لبنان نحو الإجراءات التقشفية في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، تخفيض الأجور، زيادة الضرائب والرسوم، الإحجام عن التوظيف الحكومي، وهي تمس بمعظمها الطبقات الفقيرة، فتزداد حالات الفقر ويتعمّق التفاوت الاجتماعي، وتنتشر الجريمة والانتحار، وتفقد الدولة هيبتها كسلطة فقدت قدرتها على تأمين الانتظام العام وتحقيق الصالح العام.
وعليه، الخوف كل الخوف من أن قادم الأيام قد تعمّ التظاهرات جميع المدن وتنتشر الفوضى وتتوقف جميع الإدارات العامة عن القيام بمهامها، حتى الشرطة تعجز عن أداء واجباتها وكل تلكم الظواهر تجلت في العديد من العواصم التي عجزت عن ترتيب أمورها كالأرجنتين واليونان وسواها. من هنا، الخوف كل الخوف على الانتخابات في حال تمنع الأساتذة وموظفي الدولة عن السير بالعملية الانتخابية لألف سبب وسبب.
يحمل الإفلاس للبنان عواقب وخيمة على مختلف الصعد، تبدأ من تخفيض التصنيف الائتماني للبلد، وقد صُنف لبنان تحت (التخلف الإرادي) بحسب كبرى الوكالات الدولية للتصنيف من جهة، ومن ثم زعزعة ثقة الدائنين في اقتصاده وفي أوراقه المالية من جهة أخرى.
إن لبنان بالمعنى القريب ليس دولة مفلسة، ولكن ترغب جهات في الداخل والخارج لإفلاسها، علما أن المؤشرات الاقتصادية ضاربة في السواد، ولا أدل من ذلك أن الدين العام تخطى عتبة 97 مليار دولار بحسب الكثيرين، ومن المتوقع أن تصل نسبته إلى الناتج المحلي مع نهاية العام 2022 إلى ما يفوق 193%. وقد ارتفعت تكلفة التأمين على الديون اللبنانية إلى مستوى لم يسبق له مثيل في ظل قرارات التمنع عن الدفع.
أما العجز المالي، فقد بلغ 6.3 مليارات دولار في العام 2021، وبلغت نسبته إلى الناتج المحلي 16.5%. وسجّل عجز الميزان التجاري في العام 2021 حوالي 10مليار دولار، بينما عجز ميزان المدفوعات 6.04 مليارات دولار، وسجّل ميزان المدفوعات عجوزات متتالية، مضافا إليها عجز الموازنات المتلاحقة في سنين كوفيد19 (19 ـ 22) القاحلة. وفي ظل غياب أي نمو اقتصادي، الذي بات يلامس المعدلات السلبية بحسب الأسكوا والبنك الدولي، إضافة إلى هبوط كارثي على الإيرادات العامة وتحصيلها، مضافا إليها انهيار الليرة وارتفاع البطالة وضعف القدرة الشرائية والتضخم المخي،فوالتي كلها مجتمعة باتت أكبر من قدرة أي حكومة وأي شعب على المواجهة.
ببساطة، ما قاله نائب رئيس الحكومة ليس جديدا بحديثه عن الإفلاس، إنما الجديد والأكيد هو إفلاس الكثير من الضمائر لضرب ودائع اللبنانيين والسعي إلى صك براءة من الجرائم باسم القانون، أكانت تسميته قانون كابيتال كونترول أم غيره. وعليه، ورقة صندوق النقد بداية تنتظر الانتخابات لتكون اتفاقا حقيقيا لبداية الانتشال مع الكثير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية الأخرى، ولكن يبدو وحش الجوع يُسرع بقوة لهلاك الجميع للأسف.. سلمَ الله البلاد والعباد.
*أكاديمي وباحث في الاقتصاد السياسي