نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، تقول فيه إن الحكومة الروسية ستحظر جماعات
شهود يهوه، التي يراها الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين معادية للكنيسة
الأرثوذكسية المسيحية، محاولا توحيد الروس وراء دين واحد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن أندريه سيفاك، الذي يعد مسالما، ولم يحمل بندقية في حياته، اكتشف أن حكومته عدته متطرفا خطيرا، حيث أنه عندما حاول تغيير المال في محل صرافة، فإن مسؤول الصندوق نظر إليه بوجه يملؤه الخوف.
وتبين الصحيفة أن سيفاك ظهر اسمه في قائمة الأسماء الممنوعة في محل الصرافة إلى جانب أعضاء في تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة وغيرهم من الجماعات المتطرفة المتهمين بارتكاب أعمال عنف.
ويستدرك التقرير بأن الجماعة الوحيدة التي انتمى إليها سيفاك، الأب لثلاثة أولاد، هي جماعة "شهود يهوه"، وهي جماعة مسيحية تؤمن بأهمية التعامل مع الإنجيل بطريقة حرفية.
وتقول الصحيفة إنه في تذكير بالأيام التي كان فيها أعضاء "شهود يهوه" يلاحقون في عهد الاتحاد السوفييتي بصفتهم جواسيس ومصدر خطر، من المخابرات "كي جي بي"، فإنها تعاني اليوم من حملة تقوم بها السلطات للحد من الجماعات التي تتنافس مع الكنيسة الأرثوذكسية، التي تتحدى جهود بوتين لتعبئة البلاد خلف التقاليد والقيم الدينية الوطنية العسكرية، مشيرة إلى أن وزارة العدل الروسية قامت يوم الخميس بوضع مقرات الجماعة في
روسيا، وهو مجمع كبير في سانت بطرسبرغ، على قائمة الجمعيات المحظورة؛ "لعلاقتها بممارسة نشاطات متطرفة".
ويلفت التقرير إلى أن الوزارة طلبت الشهر الماضي من المحكمة العليا منع المنظمة الدينية في روسيا، ووقف أتباعها، البالغ عددهم 170 ألف عنصر، عن نشر النصوص "المتطرفة"، مشيرا إلى أن المحكمة ستصدر قرارها اليوم.
وتقول الصحيفة إن التطرف يعرف بحسب قانون جرى تمريره عام 2002، لكن جرت عليه تعديلات وإضافات عدة مرات، وأصبح مصطلحا جامعا يمكن أن يرفع ضد أي شخص، كما حدث مع الذين شاركوا في التظاهرات المعادية للفساد.
وينوه التقرير إلى أن عددا من الذين شاركوا في التظاهرات في المدينة السيبيرية تومسك، تعرضوا للتحقيق من وحدة مكافحة التطرف، مشيرا إلى قول ليونيد فولكوف، المساعد لزعيم المتظاهرين أليكسي نافلني، إنه اعتقل الأسبوع الماضي بموجب قانون التطرف.
وتبين الصحيفة أنه "في حالة شهود يهوه، فإن التطرف المزعوم نابع من معارضة الجماعة للعنف، وهو موقف عادة ما أزعج السلطات السوفييتية والروسية اليوم، التي تقيم شرعيتها بشكل عام على الانتصارات العسكرية، خاصة النازية في أوروبا، وفي الفترة الأخيرة على المعارضة السورية".
ويفيد التقرير بأن نشأة جماعة شهود يهوه تعود إلى الولايات المتحدة، حيث ظهرت هناك في القرن التاسع عشر، وهي ناشطة في روسيا منذ مئة عام، ويرفض أبناؤها الخدمة العسكرية، ولا يشاركون في الانتخابات، حيث يرون أن الرب هو الحاكم الحقيقي، ويتبعد أفرادها عن الاحتفالات العسكرية بالانتصارات التي يقوم الكرملين بتنظيمها، مثل الاحتفال السنوي بالانتصار في الحرب العالمية الثانية عام 1945، والاحتفالات التي نظمت عام 2014 لضم شبه جزيرة القرم.
وتنقل الصحيفة عن سيفاك، الذي فقد وظيفته مدرسا للتربية الرياضية؛ لدوره في مجموعة حكماء شهود يهوه، قوله إنه صوت لصالح بوتين عام 2000 قبل ثلاث سنوات من انضمامه للمجموعة، ويضيف أنه لم يصوت منذ ذلك الوقت، ولم يدعم أي نشاطات معادية للكرملين، التي تجذب عادة اهتمام المخابرات الفيدرالية "أف أس بي"، وقال: "لست مهتما بالسياسة"، وذلك أثناء صلاة للجماعة يوم الجمعة في بيت خشبي في فورخوبينو في شمال موسكو.
ويورد التقرير نقلا عن جير الدين فاغان، مؤلفة كتاب "الإيمان في روسيا: السياسة الدينية فيما بعد الشيوعية"، قولها: "من منظور الدولة الروسية تعد شهود يهوه منفصلة، فهي لا تشارك في السياسة، وهذا في حد ذاته انحراف سياسي مثير للشبهة"، وتضيف أن "فكرة وجود نشاط ديني مستقل لجماعة تعمل كليا خارج سيطرة -وغير مهتمة- الدولة، تؤدي إلى قرع أجراس الحذر في داخل الكنيسة الأرثوذكسية والخدمات الاستخباراتية".
وتتابع فاغان قائلة إن حقيقة كون الولايات المتحدة مركزا لجماعة شهود يهوه، حيث يتم إعداد الكتب كلها، تعزز "نظريات المؤامرة".
وتنقل الصحيفة عن سيفاك، قوله إن الكابوس القانوني الذي عاشه بدأ عندما قام ضباط مخابرات سريون بتصوير صلوات ساعد في تنظيمها، واتهم "بإثارة الكراهية والحط من الكرامة الإنسانية للمواطنين"، وقدم للمحاكمة بتهمة التطرف مع عضو ثان بارز اسمه فيتشاسلاف ستبانوف، لافتة إلى أن الادعاء لم يقدم للمحاكمة، التي عقدت في مركز تابع للكنيسة الأرثوذكسية، أي دليل باستثناء التركيز على وطنية شهود يهوه، وقال تقرير أعده الادعاء إن "قلة احترامهما للدولة يمحو لديهما أي حس من الانتماء المدني، حيث يروجان لتدمير الأمن الوطني والدولة".
وبحسب التقرير، فإن المحكمة أصدرت حكما ضدهما العام الماضي، ولم تدن أيا منهما، واعتقدا أن معاناتهما قد انتهت، إلا أنه تم إخبار سيفاك أن اسمه "على قائمة الإرهابيين والمتطرفين"، عندما حاول صرف العملة، حيث يواجه هو وستبانوف تهما بالتطرف، وقال ستبانوف إن "هناك موجة قمع كبيرة قادمة".
وتورد الصحيفة نقلا عن وزارة العدل الروسية، قولها في أجوبة مكتوبة إن تحقيقها، الذي استمر عاما، كشف عن مواد في مراكز شهود يهوه تخرق القانون الذي يحرم التطرف في روسيا، ونتيجة لهذا فإنه يجب تجميد عمل المركز الرئيسي في سانت بطرسبرغ، بالإضافة إلى 400 فرع مسجل.
ويذكر التقرير أن المسؤولين عن المنظمة في روسيا يرون أن حملة الملاحقة والقمع والتصعيد، التي دفع بها بشكل محدد المسؤولون المحليون، ذكرتهم بقمع الشيوعية لهم، حيث يتذكر مسؤول الفرع الروسي لشهود يهوه فاسيلي كالين، كيف تم ترحيل عائلته عندما كان صغيرا إلى سيبيريا، قائلا إنه "أمر محزن ومثير للوم أن يعاني أولادي وأحفادي المصير ذاته"، ويضيف: "لم أكن أتوقع أن نواجه التهديد بالقمع الديني ذاته في روسيا الحديثة".
وتذهب الصحيفة إلى أنه عادة ما تثير الدعوة والطرق على الأبواب ضيق الناس في روسيا وغيرها من الدول، بالإضافة إلى أن تمحورهم الديني حول الذات يثير ضيق الجماعات المسيحية الأخرى، حيث تم انتقاد الجماعة التي قالت إن الإنجيل يحرم التبرع بالدم، ومع ذلك لم تدع إلى عنف حتى في سياق المقاومة السياسية السلمية.
وينقل التقرير عن الباحث في مركز المعلومات والتحليل "سوفا"، الذي يراقب النشاطات المتطرفة في روسيا، ألكسندر فيرخوسفكي، قوله: "لا أصدق أن أحدا يعتقد أنهم تهديد، لكنهم هدف جيد، فهم مسالمون، ولا يمكن دفعهم للتشدد مهما حاولت معهم، ويمكن استخدامهم لتوصيل الرسالة".
وتوضح الصحيفة أن الرسالة هي أن على الجميع اتباع برنامج بوتين وإلا فإنه سيعد متطرفا، حيث تقول فاغان: "السبب الرئيسي لاستهدافهم هو أنهم هدف بسيط، فهم لا يصوتون، ولهذا لن يخسر أحد بسبب عدم مشاركتهم".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن ملاحقة شهود يهوه ترسل رسالة أخرى، مفادها أن أي انحراف عن النظام العام سيكون جزاؤه العقاب بناء على قانون مكافحة التطرف، الذي مرر بعد حرب الشيشان الثانية وهجمات 11/ 9.