منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، وهو يشغل الأخبار بتصريحاته وتغريداته، أو بتعليقات فريقه المثيرة للجدل؛ من حظر السفر على سبع دول إسلامية إلى موقفهم من العملة الأوربية "اليورو"، وموقفهم السلبي من الاتحاد الأوروبي.
ابتداء، فإن الرئيس ترامب يعدّ نموذجا مختلفا عن الرؤساء الأمريكيين السابقين، من جوانب عدة، نذكر منها أولا:
أنه لم يأت من المجمع الصناعي الذي ما فتئ يؤّثر بالسياسة الأمريكية، وهذا المجمع يشمل بشكل رئيس قطاعي السلاح والنفط. بينما جاء ترامب من قطاع العقارات والفنادق والترفيه.
وبالتالي، فإن ترامب لا ينتمي إلى هذا المجمع المؤثر تاريخيا في الإدارة الأمريكية، ولا يحمل همومهم، ولا أطماعهم، وهم كذلك لا يؤثرون عليه، ولا يحمل فكرهم أو توجهاتهم.
ثانيا: الرئيس ترامب لا ينتمي إلى النخبة التقليدية الأمريكية، فهو لم يكن يوما حاكما لولاية أو عضوا في الكونغرس، أو مجلس الشيوخ، بالتالي لا ينتمي إلى هذه الفئة المؤثرة أيضا، وهو لا يحمل توجهاتها ولا همومها.
ثالثا: لا يعد ترامب عضوا أصيلا في
الحزب الجمهوري، بل وجد في هذا الحزب وسيلة للوصول للحكم، فتبنى النهج المتطرف ليكسب الفئة الغالبة من الأمريكيين العاملين.
بالتالي، فهو لا يحمل أجندة ولا توجهات الحزب الجمهوري وأفكاره، أي أنه خارج التغطية الحزبية.
رابعا: ترامب ليس رجلا عاديا يبحث عن وظيفة مرموقة، بل هو رجل أعمال وملياردير، ولا تنقصه الأموال ولا راتب الرئيس الأمريكي.
إذن، فترامب خارج كل الحسابات الأربعة المذكورة، فهو خارج دائرة المجمع الصناعي، ولا يحمل أجندة أو عقلية حزبية، ولا يتبنى ديبلوماسية بعينها، ولا أفكارَ النخبة، ولا ينقصه المال.
إذن، فهو رجل سيتصرف بعيدا عن كل الأطر الأربعة، وهذا يجعل التنبؤ بأفعاله حاليا صعبا إلى حد ما.
وعليه فإنه يمكن وصف الرئيس ترامب بأنه:
- رئيس متمرد بامتياز. فهو متمرد على الطبقة النخبوية التقليدية الحاكمة، ومتمرد على المجمع الصناعي المتنفذ والحاكم في الولايات المتحدة، ومتمرد على الحزب الجمهوري، ومتمرد على النخبة السياسية التي لا ينتمي إليها.
- يصعب التنبؤ بما سيفعله، إذ من الصعوبة ليّ ذراعه، فهو جاء من خارج الصندوق التقليدي، سواء النخبة الحاكمة أو المجمع الصناعي.
- شعبوي عنصري، خاطب الشعب الأمريكي الأبيض باللغة التي يفهمها، فقد كان في كل خطاباته عفويا وصريحا، ويذهب إلى الموضوع مباشرة دون أي اعتبارات ديبلوماسية أو تحفظات -بريستيج- أو اعتبار لأي بروتوكولات، كما أنه استطاع أن يتملص من كل الفضائح بالطريقة الشعبية التي تفهمها هذه الطبقة.
وأثبت ترامب أهمية الطبقة الوسطى في حسم الأمور إذا ما تم مخاطبتها بالطريقة الصحيحة.
وطرح ترامب شعارات تتناسب مع آلام ومعاناة طبقة البيض الوسطى، ودغدغ مشاعرهم، واستفز غضبهم وخوفهم من فقدان الوظائف، فطرح طرد المهاجرين والمسلمين والملونين وذوي الأصول الإسبانية.
بالتالي، تحول إلى رجل شعبي (populist)، والغريب أن هموم هذه الطبقة -الأصل فيها- أن تُستقطب من قبل اليسار، وليس من قبل اليمين المتطرف. لكن يبدو أن
الشعبوية (populism) في أمريكا لها طريق مختلف، استطاع ترامب أن يشق طريقه فيه، ويكسب هذه الفئة بعد أن أيقظها بطريقته العنصرية.
ومن الملفت أن اختيار فريقه لم يتم بمشورة حزبه كما هي العادة ولا مشورة المجمع الصناعي ولا النخبة، بل كانت تبدو بمشورة عائلته من ابنته وابنه وصهره والعديد من المقابلات تمت في برج ترامب.
ومن الملفت أيضا، أنه على الرغم من أن هناك صفات مشتركة بين من تم تعيينهم إلى الآن، إلا أن هناك بعض الاختلافات في الرؤى بينهم. فهناك مجموعة منهم من رجال الأعمال وأصحاب الملايين والمليارات مثل وزير الخارجية والمستشار الاستراتيجي ووزيرة التربية ووزير الطاقة. والعديد منهم من العنصرين البيض والمحافظين المتشددين.
فمايكل بانون مواليد 1953، المستشار الاستراتيجي لترامب، من رجال الأعمال وعسكري سابق، دعا لحربين كبيرتين إحداهما مع الصين والثانية في الشرق الأوسط.
وهو معاد للإسلام وللمهاجرين، بينما ترامب أكد قبل أيام دعمه لصين واحدة!!
في حين أن وزير الأمن القومي الجنرال فلين، المستقيل، يعدّ الإسلام والإسلاميين الراديكاليين عدوا استراتيجيا.
على أية حال، فقد استقال من منصبه بسبب اتصالاته مع الروس.
في حين أن وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، المولود عام 1950، يعدّ إيران عدوا رئيسا باعتبارها داعمة للإرهاب، ويعتبرها أخطر من تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقال إنه يؤيد حل الدولتين، ولا يؤيد الاستيطان.
أما وزير الطاقة، جيمس بيري، المولود عام 1950، فهو من المحافظين ومدعوم من حزب الشاي، وضد الإجهاض وزاوج المثليين، ومؤيد لصناعة النفط والغاز، وضد الاتفاقية النووية مع إيران.
ويشارك مايك بومبيو مواليد 1963 رئيسا لوكالة الاستخبارات الأمريكية، وهو عضو في حزب الشاي اليميني المحافظ، ويؤيد برامج المراقبة ويعارض إغلاق سجن غوانتنامو، ومعارض للاتفاقية مع إيران، ورجل أعمال.
بينما وزير الخارجية تيليرسون، من مواليد 1952، وهو رجل أعمال والمدير التنفيذي السابق لشركة النفط العالمية اكسون موبيل، وليس لديه خبرة سابقة في العمل السياسي، وله علاقة مميزة مع الرئيس الروسي بوتن وغير مؤيد لمقاطعة روسيا.
والسؤال هنا، كيف ستكون استراتيجية ترمب وفريقه؟
من الملاحظ أن الفريق المُعتمد حاليا يحتاج إلى أمور عدة منها: أنه نفسه بحاجة إلى أن يتكيف مع نفسه، حتى يستطيع أن يرسم معالم استراتيجيته القادمة، وهذا بالتأكيد سيستغرق بضعة أشهر، حتى يستطيع الفريق تحقيق وفاق معقول بينهم.
كما أن الفريق يحتاج إلى أن يتلاءم مع المؤسسات الأمريكية الرئيسة ذات العلاقة برسم الاستراتيجية الأمريكية العليا، وهذا سيُدخل الفريق في صراع مع بعض هذه المؤسسات، فإما أن يتناغموا كليا أو جزئيا، أو قد يختلفوا وتبدأ المشادات بينهم.
بالتالي، فإن استراتيجية ترامب وفريقه ستأخذ أشهرا عدة حتى تظهر ملامحها، وتستبين خطوطها الرئيسة، حتى يمكن التعامل معها تنبؤا وتوقعا لمسارات الأحداث القادمة.
وعموما، هل ستكون هذه الاستراتيجية المفترضة هي الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة، أم أنها ستتنافر مع الأطر المؤسسية الأمريكية العريقة، وتصبح عندها استراتيجية ترامب و"شلّته"؟
*استراتيجي وباحث