لا يحارب
الحوثيون وحدهم في
اليمن، هذا تبسيط مخل للأزمة التي تعصف بهذا البلد، فمشروع الحوثيين قديم، يتصل بالإمامة الزيدية المقبورة.
وحدث أن التقى مشروع الإمامة الذي أحياه حسين بدر الدين الحوثي، اضطراريا مع المشروع الانتهازي للمخلوع صالح وإيران، ونقطة الالتقاء الوحيدة لثلاثي الشر الذي يتوجب هزيمته، هو السعي لتثبيت سلطة جهوية مذهبية في اليمن يمكنها أن تستمر في التحكم بمقدرات هذا الوطن الكبير ردحا طويلا من الزمن، وتحويله إلى ساحة نفوذ إقليمي لإيران بأجندتها المثقلة بالأحقاد الطائفية التي لا يحدها زمان ولا مكان..
يخطئ من يعتقد أن المعركة التي يقودها التحالف العربي في اليمن سوف تتوقف عند منتصف الطريق، فالتكاليف التي أُنفقت حتى الآن من الأرواح والأموال والعتاد، لا يعوضها إلا شعور المملكة وحلفاؤها في مجلس التعاون الخليجي بأنهم في مأمن من خطر نمو البذرة الطائفية الخطرة في اليمن وتغولها، وعدم تحولها إلى مصدر تهديد استراتيجي لأمن المنطقة.
إيران تحارب بأسلحتها وإعلامها وبحقدها الطائفي، وتقف محرضا خطيرا على العنف في اليمن، ولم تكف عن إرسال الأسلحة، ولولا قوة الحصار الذي يفرضه التحالف العربي لكانت أفرغت كل مخازنها من السلاح في الجبهات المشتعلة باليمن.
في هذ المنعطف الحاد من مسار الأزمة اليمنية، يوجد في طهران بضعة أشخاص ممن يعتبرون أنفسهم أعضاء فيما تسمى بـ: "اللجنة الثورية العليا"، وهي الصيغة التي ابتكرتها إيران لإظهار أن تطورا سياسيا حدث في اليمن أبقاها سيدة قراره وأبعد عنه نفوذ أصدقائه التقليديين وعلى رأسهم السعودية.
لا ترمز هذه "اللجنة الثورية" سوى إلى التجربة الإيرانية التي لطالما تحدث عنها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وأريد لها أن تكون وصية على القرار السياسي في اليمن في حال نجح الانقلاب، من خلال الإشراف على حكومة تمثيل صورية، كما يحدث في لبنان، وهو مالم يستطيع تحقيقه، الانقلاب الفاشل الذي خطط له المخلوع صالح ودعمته إيران وأعلن عنه في حفل مثير للشفقة بإحدى قاعات القصر الجمهوري بصنعاء في السادس من شباط/ فبراير 2015.
لا تخلو الاستعراضات السياسية لهذه الحفنة من الفاشلين والمتحولين سياسيا، من دلالات على رغبة طهران في بث الروح المعنوية لدى أنصارها في اليمن، عبر منح قادة الصف الرابع في الثورة المضادة منبرا للحديث ولتسويق الأوهام والأكاذيب بشأن ما يحدث في اليمن، من قبيل الزعم بأن مليشيات المخلوع صالح والحوثي تمكنت من تدمير بارجة سعودية في باب المندب.
الحقيقة هي أن التحالف العربي يقترب جدا من العاصمة صنعاء، وأنه ما من ضمانات لصمود الانقلابيين في مدينة غالبية سكانها يمقتونهم، بعد أن تلقوا أفدح النكبات في أمنهم واستقرارهم واقتصادهم ومعيشتهم.
تمثل حركة النزوح الجماعية من صنعاء دليلا قويا على فشل الانقلابيين، ومثلما عجزوا عن أن يقدموا بديلا لغياب السلطة الشرعية، سيفشلون في الدفاع عن صنعاء، ولن يفلعوا أكثر من إطالة أمد معاناتها حتى يتمكن الجيش الوطني والمقاومة ومن خلفهما التحالف العربي من إحكام السيطرة على العاصمة واستعادة الدولة.
وفيما يمضي المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ قدما في محاولاته إعادة الأطراف اليمنية إلى خط الحل السياسي، بأدوات الأمم المتحدة وخطابها الخشبي الذي يتحدث عن أطراف للصراع، ولا يكف عن مساواة الضحية بالجلاد، يسابق الجيش الوطني والتحالف العربي الزمن لحسم الأزمة عسكريا وسط مؤشرات قوية على نجاحه في تحقيق سريع لهذا الهدف.
كل المؤشرات تدل على إخفاق هذ المبعوث منذ اللحظات الأولى لتسلمه مهامه، لأنه ببساطة ومن خلفه بالتأكيد، الأمم المتحدة والقوى الكبرى، لم يرد التوقف كثيرا عند قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، بل أراد إنجاز تسوية جديدة، تعيد تمكين الطرف الانقلابي من التأثير في مجريات الأحداث على الساحة اليمنية، وهو ما لا يتفق تماما مع تطلعات اليمنيين إلى السلام، ولا يرتقي إلى مستوى طمأنة دول الجوار بأن إيران لن تعاود إحياء ورقتها الحوثية الطائفية في اليمن، سعيا وراء نفوذ يتغذى من حقد عقائدي دفين.