تدرك موسكو أن بقاء بشار
الأسد في الحكم "مؤقت"، وأنه سينتهي بالنسبة لها بمجرد ضمان مصالحها، وانه سيكون هناك في نهاية المطاف حل سياسي للأزمة.
هذه الرؤية اتفق على ملامحها العامة ثلاثة خبراء روس، مقربين من الحكومة الروسية، وخبيرة أمريكية استطلعت الأناضول آراءهم عبر الهاتف، غير أن أحد الخبراء الروس توقع أن يكون
بديل موسكو للأسد "جنرالا من داخل الجيش السوري"، يجري البحث عنه من جانب موسكو لكي يتم تصعيده الفترة المقبلة بما يضمن مصالحها مستقبلا، فيما شككت الخبيرة الأمريكية في وضوح "الرؤية الروسية" لمرحلة ما بعد بشار، مشيرة إلى إمكانية سقوط
روسيا في "المستنقع" السوري، على غرار ما حدث لها من قبل في أفغانستان.
نيكولاي سوركوف، أستاذ مشارك بمعهد موسكو للعلاقات الدولية (حكومي روسي):
يقول سوركوف إن "خطوة رحيل الأسد متوقعة من جانب الكرملين، والسيناريو المتوقع هُنا إما أن يكون هناك حكومة انتقالية أو انتخابات رئاسية جديدة فورية، لكن تخميني هو أن بديل الأسد سيتم اختياره من بين الجيش".
ولم يحدد سوركوف دائرة الأسماء السورية المرشحة من موسكو لقيادة مرحلة ما بعد الأسد، لكنه تابع: "سيكون أحد هؤلاء الرتب العسكرية التي سيذاع صيتها خلال الفترة المقبلة عبر العمليات العسكرية على الأرض. وفي هذه الحال سيتم حماية مصالح روسيا مستقبلا في
سوريا"، مستطردا: " لكن هذا التصور لا يعني تنحي الأسد فورا، فهذا يستغرق على الأقل سنة".
وأشار إلى ضرورة قبول القطبين الأمريكي والروسي لخليفة الأسد، فقال سوركوف: "خليفة الأسد في مستقبل سوريا سيكون منتخبا، والأمريكان والروس حريصون على حد سواء على إيجاد حل للأزمة يقبلان به، لأنه حينها سيحفظ ماء وجه الطرفين، ومصالحهما أيضا".
وأكد أن "موسكو لديها تأثير على العلويين (الطائفة التي ينتمي إليها بشار الأسد)، بما يسمح لها بالمساهمة في التوصل إلى سلام من خلال تفاهمات بين جميع الأطراف، لكن الأهم التوافق حول مرحلة ما بعد رحيل الأسد، قبل رحيله، بما يضمن المصالح الاستراتيجية لموسكو في سوريا والمنطقة".
دميتري أوفيتسيروف، المحلل السياسي، ومحاضر في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو (من أكبر مراكز الأبحاث الروسية المستقلة):
في نفس الاتجاه تقريبا قال أوفيتسيروف: "موسكو تدرك أنه لا مكان لسوريا بشكلها القديم في المستقبل، ونحن لا نستبعد احتمالية تفكيك سوريا إلى ثلاث دول، فهذا يحدث بالفعل"، مضيفا: "رحيل الأسد فورا" ليس أمرا حتميا، ولست متشائما بشأن مستقبل سوريا، لكن لا يوجد من هو علي استعداد لتمثيل العلوين حاليا، وهذا يبرر وجود الأسد على طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق"، بحسب تقديره.
وأشار أوفيتسيروف في حديثه إلى تمسك روسيا بالأسد لحين إيجاد ما تعده من وجهة نظرها "البديل الشرعي"، له غير أنه شدد في الوقت على تمسك روسيا بالأسد في المرحلة الراهنة لحماية مصالحها، قائلا: "أي خليفة للأسد سيكون أقل شرعية منه، حيث ترى موسكو أن وجود الأسد على طاولة المفاوضات مهم؛ لأنه يمثل رسميا سوريا لذا إذا تنحى الأسد أو حدث معه أي أمر، فسيكون ذلك مشكلة، وفي هذه المرحلة ستمنع روسيا من أداء دورها بشكل أكبر".
و تابع مدافعا عن الرؤية الروسية الرسمية: "من المهم أن يمثل الأسد العلويين لفترة لكننا في روسيا أيضا لا نستبعد السيناريوهات الأخرى حيث يجب أن نكون على استعداد لها جميعا".
وفاتحا الباب حول إمكانية سيناريو التفاوض حول بديل للأسد، قال أوفيتسيروف: "ليس لدى الأسد بديل واضح يحكم سوريا في الوقت الراهن، لكن حل
الأزمة يعتمد على متى وكيف يتنحى الأسد، وهي مسألة وقت، ونحن ندرك ذلك، لكن هذا لن يكون قبل المفاوضات".
فلاديمير أفانكوف الخبير السياسي الروسي في الأكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي والمحاضر في معهد موسكو للعلاقات الدولية (حكومي):
يرى أفانكوف أنه "بالنسبة لروسيا، الأزمة الراهنة ليست في بقاء الأسد أو رحيله، بقدر ما تتلخص فيما يمثله تنظيم داعش من تهديدات لروسيا"، كما تدعي موسكو، وإن أي تغيير مستقبلي لصالح كفة التنظيم قد يهدد تواجد موسكو في البحر المتوسط (من خلال قاعدتها في ميناء طرطوس السوري)، وهي المسألة الأهم من وجهة نظر روسيا للحفاظ على مصالحها".
وأضاف أفانكوف: "من الصعب ضمان هذه المصالح (الروسية) في حال سقوط نظام بشار الأسد، لكن إذا حدث، فسيكون لكل حادث حديث".
مارينا أوتاواي، الباحثة الأمريكية في مركز ودرو ويلسون الدولي:
تتحدث أوتاواي عن "غموض" الرؤية الروسية بشأن مرحلة ما بعد الأسد وقالت: "لا أستطيع فعليا معرفة رؤية روسيا في مرحلة ما بعد الأسد. فهي عير واضحة وموسكو لم تعط أي إشارة متكاملة حول رؤيتها للحل النهائي".
وحول ما ستؤول إليه الغارات الجوية الروسية الحالية في سوريا بدعوى "محاربة تنظيم داعش"، رأت أوتاواي أن "روسيا تقوم حاليا باستراتيجية عالية المخاطر والتي يمكن أن تتحول بسهولة إلى مستنقع، مضيفة: "قد يستغرق الأمر أكثر من عمليات قصف لمساعدة الأسد على استعادة السيطرة على الأراضي السورية بأكملها، فقد يتطلب الأمر قوات برية أيضا وهذا يعني أن روسيا قد تتورط على غرار تدخل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الثمانينيات" من القرن الماضي.
وتابعت أوتاوي: "نية روسيا قد تتضح أكثر عندما نرى بمزيد من الوضوح الأماكن التي اختارت قصفها، فمن الممكن أن الاستراتيجية الروسية لا تزال تتطور، وأنها لم تقرر بعد إلى أي مدى ستبقى على دعم الأسد، الذي هو في الوقت الحالي مؤقت لضمان مصالحها".
وتجمع تصريحات لقادة المعارضة السورية ومسؤولين غربيين وحقوقيين دوليين، فضلا عن إفادات شهود عيان على الأرض، على أن الغارات التي بدأت روسيا في شنها على سوريا بدعوى محاربة تنظيم داعش، أسفرت بشكل رئيسي عن مقتل بضع عشرات من المدنيين، ولم تستهدف بشكل رئيسي معاقل داعش.