طرحت ورقة بحثية لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أسباب انتصار تنظيم الدولة في
سوريا والعراق بعد تعرضه لهزيمة في 2011، ساعية لإيجاد "استراتيجية قابلة للتطبيق" لمواجهة التنظيم.
وقال الباحث مايكل آيزنشتات، مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في المعهد"، إن "المكاسب الأخيرة التي حققها تنظيم الدولة في
العراق وسوريا تظهر حدوث انتكاسات كبرى في الحملة المستمرة ضد الجماعة منذ ما يقرب من عام"، مشيرا إلى أن هذه التطورات "تقوض ادعاءات الإدارة الأمريكية بتحقيق تقدم في الحرب، وتسلّط الضوء على عيوب جوهرية في الاستراتيجية التي تتبعها، والتي تحتاج إلى تعديل لكي تتمكن الولايات المتحدة ودول التحالف -الذي يضم أكثر من ستين دولة- من النجاح في حملتها".
وحول أسباب عودة التنظيم بعد هزائمه في 2011 -إذ كان حينها تنظيم القاعدة في العراق- أشار آيزنشتات إلى أن ذلك يرجع إلى "تبني أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلام "الحقيقي" الذي لا تشوبه شائبة من متطلبات المنافسة السياسية، أو قلق لا مبرر له من رأي الكافرين"، مضيفا أن مؤيدي التنظيم "لا ينزعجون من الانتقادات التي يوجهها إليهم رجال الدين المسلمين الرسميين، إذ يعتبرونهم خداماً لنظام دولة غير شرعي. لهذا السبب، يصعب تجريد داعش من شرعيته بناءً على أسس دينية"، على حد تعبيره.
وتابع الباحث بأن التنظيم نجح باتخاذه شكل شبكة إرهابية سرية، ويمكن أن ينجح من جديد بالاعتماد على المهارات التي طورها أثناء عيشه في الظل، بالإضافة للاحتياط الذي يمتلكه من الموارد والأموال والقوى البشرية، وتبني سمات شبكة غير مركزية، وبيعة التنظيمات الجهادية في العالم له.
وتابع الباحث بأن البيئة الإقليمي مواتية كذلك لاستمرار التنظيم، إذ إنه "منذ الانتفاضات الشعبية في عام 2011، تتسم المنطقة على نحو متزايد بدول ضعيفة وفاشلة تفتقر إلى القدرة على استئصال الشبكات الإرهابية أو هزيمة الجماعات المتمردة، وبروز مناطق لا تخضع للسيطرة، والتي تُعد بمثابة ملاذات آمنة لمثل هذه المنظمات (مثل شرقي سوريا). وقد ساعدت سياسات المجموع الصفري التي تسود في المنطقة على خلق هذا الوضع الراهن وستضمن بقاء جماعات مثل تنظيم «داعش»، التي تتغذى على شكاوى وتطلعات السكان السنة في المنطقة"، على حد قوله.
أما حول نقاط ضعف التنظيم، فقد قالت ورقة المعهد إن منها: "قوات مفرطة الانتشار، والميل إلى إبعاد قاعدته الشعبية، والانقسامات الداخلية بين العراقيين، العرب، وغير العرب، وتدفقات مالية لا يمكن الاعتماد عليها؛ وموقعه غير الساحلي".
وأوضح الباحث أنه "في حين من المحتمل أن تتمكن الولايات المتحدة وشركاءها من إضعاف تنظيم «داعش»، فإنهم لن يكونوا قادرين على تدميره، على الأقل في الوقت القريب. أما على المدى الطويل، فدون التصدي لتلك العوامل التي تساهم في عامل الجذب الذي تتمتع به جماعات مثل تنظيمي «
الدولة الإسلامية» و «القاعدة»، فإن أفضل ما يمكن أن تأمله الولايات المتحدة هو القضاء على التشكيلات العسكرية العلنية لهذه الجماعات، وتفكيك الجهاز الإداري لتنظيمها، ودفعها للعمل بصورة خفية - على الأقل في العراق".
استراتيجية التحالف
واعتبر الباحث أن سياسة الولايات المتحدة وشركائها ساهمت بتعزيز "الجماعات السلفية الجهادية مثل تنظيم الدولة وإضعاف حملة الولايات المتحدة"، إذ إن مضاعفة الاعتماد على النهج الحالي في العراق وسوريا -كما وعد نائب وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن قبل أسبوعين في باريس- دون تغيير السياسات التي تؤدي إلى أهداف متضاربة للجهود العسكرية للتحالف لن تؤدي سوى إلى تفاقم هذا الخطأ".
وأشار الباحث إلى أن واشنطن تحتاج إلى الاعتراف بأن سياساتها ساهمت في نهوض جماعات، مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة، مضيفا أن هذه السياسة تجاه سوريا كانت وما زالت رهن سياستها تجاه إيران، مشيرا إلى أن الاختلاف بين توجهات أمريكا وحلفائها في برنامج تدريب المعارضة السورية المعتدلة "يشكل صيغة لكارثة ليست بالبعيدة جدا"، على حد قوله.
واعتبر الباحث أن هذه الاستراتيجية لن تنجح في العراق ما لم تنجح في سوريا، إذ إن تنظيم الدولة يسعى لزعزعة استقرار العراق من شرق سوريا، ولذلك تحتاج إلى استبدال استراتيجية "العراق أولا" باستراتيجية تخوض معركة على جبهتين في آن واحد.
تعديلات جوهرية
وحول تعديل الاستراتيجية الذي يقترحه الباحث، دعت الورقة إلى تعديلات مرتبطة بسوريا والعراق.
ففي العراق "سيعني ذلك إرسال: المزيد من طائرات الاستطلاع بدون طيار (معظمها يَدعم الآن العمليات العسكرية في أفغانستان)، والمزيد من القوات الخاصة ومن أجهزة السيطرة على الهجمات المشتركة - مع قواعد الاشتباك التي تمكنها من مرافقة الوحدات العراقية في القتال، والمزيد من القوة الجوية، والمزيد من العناصر المكرسة لجهد تدريب "قوات الأمن العراقية" وقوات "البيشمركة" الكردية وتجهيزها.
وأضاف الباحث بأن ذلك "سيستلزم ذلك ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة العراقية للسماح بتسليح رجال القبائل العربية السنية كميليشيات وتدريبها، من أجل كسب أهل السنة لصفها وإنشاء قوة (على أمل أن) يمكنها محاكاة إنجازات ميليشيات شرق أوسطية أخرى ناجحة. والأهم من ذلك، سيستوجب الأمر تجنب الوقوع في المزيد من النكسات، كما حدث في الرمادي.
إن التصور بأن الزخم قد تحول ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» يشكل مفتاح النجاح في العراق (وسوريا). فتحقيق «داعش» لانتصارات جديدة، حتى ولو كانت زائلة، سيكون قاتلاً للجهود الرامية إلى إعادة بناء مصداقية الولايات المتحدة وإقناع العرب السنة الذين يقفون على الحياد إلى الانضمام إلى التحالف ضد تنظيم الدولة"، على حد قوله.
أما في سوريا "فينبغي على الولايات المتحدة أيضاً أن تعزز من جهودها لتدريب جماعات المعارضة "المعتدلة" وتجهيزها، بينما تتخلى عن إصرارها المسبق بأن تقوم هذه الجماعات بمحاربة «داعش» فقط"، موضحا أنه " قد تم تدمير هذه الجماعات في العام إلى العامين الماضيين ويرجع ذلك جزئياً إلى افتراقها للدعم الأمريكي".
كما دعت ورقة المعهد إلى التعامل مع "تهديد البراميل المتفجرة الذي يطرحه نظام الأسد، يتعين على الولايات المتحدة العمل على تشكيل قدرات مدفعية حقيقية مضادة للطائرات في صفوف جماعات المعارضة التي تدعمها"، مستدركا بأنه "يجب عدم تقديم أنظمة الدفاع الجوي المحمولة بأعداد كبيرة، نظراً للمخاوف من انتشار الأسلحة. ورغم أنها ليست تقنية متطورة، إلا أن المدفعية المضادة للطائرات فتّاكة للغاية. وحتى عندما لا تنجح في إسقاط الطائرات، فإنها تجبر طياري قوات العدو على إطلاق ذخيرتهم غير الموجهة من ارتفاعات عالية، وبالتالي تفقد دقتها. وهذا أمر مفيد في المعارك البرية".
واختتم الباحث بالدعوة إلى الحد من جاذبية تنظيم الدولة، وذلك بإظهار أنه مجرد حركة أيديولوجية فاشلة، لم تجلب سوى الخراب لمن تبناها، معتبرا أن باستطاعة الولايات المتحدة هزيمة الجهود الإعلامية التي يبذلها تنظيم الدولة الإسلامية عن طريق إثبات أن التيار يتحول ضده، وأن أيامه باتت معدودة".