نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول مساعي الحكومة لتمرير "قانون الاستعلامات"، ورد فيه أن إحباط الأجهزة
الأمنية لهجوم إرهابي، استهدف كنيسة في مدينة "فيل جويف"، في 19 نيسان/ أبريل الجاري، لم يسفر عن جدل كبير حول القدرات الاستباقية للأجهزة الأمنية، بقدر ما أثار جدلا حول سعي السلطات لاستثمار هذا الهجوم الفاشل لتحقيق مكاسب سياسية.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن الحكومة كانت تواجه صعوبات كبيرة في تمرير القانون الذي يجيز التنصت على المواطنين بدون إذن قضائي، والذي يعتبره المعارضون اعتداءا صارخا على الحقوق والحريات في الجمهورية الفرنسية، ولكنها كثفت من حملاتها للضغط على النواب للقبول به في جلسة التصويت المزمع عقدها في الخامس من أيار/ مايو المقبل.
ونقلت عن هنري غويانو، النائب عن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، الذي كان يشغل منصب مستشار للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، قوله إنه لن يصوت لقانون الاستعلامات، ووصف تصريحات أعضاء الحكومة بأنها "استغلال فاحش وتهويل للتهديد
الإرهابي، لخلق حالة رعب عامة".
وأضافت الصحيفة أن رئيس الحكومة الفرنسية، مانويل فالس، أجاب على هذه الاتهامات بالقول: "لقد فقد شخص حياته في الهجوم الأخير، بسبب الخطر الإرهابي، والبعض يريد منعنا من التعليق على هذه الأحداث. لو أننا التزمنا الصمت لتم اتهامنا بالتقصير وإخفاء المعلومات. نحن لا نحاول إقحام الحوار حول قانون الاستعلامات في هذه القضية".
ولاحظت الصحيفة أن الحكومة الفرنسية ظلت منذ أشهر تردد نفس الخطاب حول أن "
فرنسا تمثل هدفا مفضلا للإرهابيين، ويمكن وقوع هجمات إرهابية في أي لحظة على الأراضي الفرنسية".
كما أشارت إلى أن مانويل فالس شن هجوما لاذعا على أولئك الذين يرفضون هذا القانون لأنهم يرون فيه انتهاكا للحريات، وحاول هو ومقربوه تقديم خطاب إعلامي "موجّه" لاستثمار الهجوم الفاشل على مدينة فيل جويف.
كما نقلت الصحيفة تغريدة على التويتر لديديي غيوم، رئيس الكتلة الاشتراكية في مجلس الشيوخ، عبر فيها عن غضبه من "الذين لا يزالون مترددين حيال قانون الاستعلامات رغم الهجوم الأخير".
وأضافت أن رئيس الوزراء فالس ظهر يوم الخميس الماضي على القناة الفرنسية الدولية وأكد أن "هذا القانون سيكون فعالا جدا في مكافحة الإرهاب، لأنه سيعطي الصلاحيات اللازمة للأجهزة الأمنية لتنفيذ عمليات المراقبة وجمع المعلومات".
واتهمت الصحيفة رئيس الوزراء بالسعي للتلاعب بالوقائع، بسبب تغافله عن معطى مهم جدا، وهو أن الأجهزة الأمنية تمكنت منذ مطلع هذه السنة من إجهاض عدة مخططات إرهابية، بما فيها عملية فيل جويف، رغم عدم وجود "قانون الاستعلامات" الذي يدور حوله الجدال.
كما أوردت أن الرئيس فرنسوا هولاند بدوره أعلن مؤخرا عن إعداده لنص مقترح "لمواجهة التهديدات الإرهابية"، سيقوم بعرضه أمام المجلس الدستوري، بعد أن يمر تحت قبة البرلمان، آملا أن يحظى هذا المقترح بالقبول.
وبحسب الصحيفة، فقد أدت هجمات صحيفة شارلي إيبدو، في كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى تأجيج النقاشات حول القضايا الأمنية، ما دفع بالحكومة للتخلي عن التحفظ، وتبني خطاب أكثر جرأة، بعد أن كانت حتى نهاية السنة الماضية تفضل التقليل من تصريحاتها، بحجة أن كثرة الحديث في هذا الموضوع لا يخدم الجهود المبذولة.
وقالت الصحيفة إن هذه "الحكومة اليسارية" كانت تريد من خلال هذه السياسات تمييز نفسها عن الحكومات اليمينية السابقة، التي لطالما اتُهمت باللعب على عامل الخوف وصياغة خطاب إعلامي يهول الأخطار لتبرير سياساتها الأمنية، ولكنها سقطت في نفس هذه السياسات في الفترة الأخيرة.
من جهة أخرى، ذكرت الصحيفة أنه بعد وصول أولى الأخبار حول الهجوم الفاشل في مدينة فيل جويف، قام وزير الداخلية برنار كازينيف بإرسال رسائل قصيرة لمجموعة من الصحفيين بشكل مفاجئ لدعوتهم للحضور، ثم بدأت المعلومات تتسرب عبر قناتي RTL و M6.
وأفادت هذه المعلومات بأن شابا يبلغ من العمر 24 سنة، وهو طالب من أصل جزائري، وهو رهن الاحتجاز منذ 19 نيسان/ أبريل في قضية متعلقة بالإرهاب، حيث كان يشتبه في ضلوعه في قتل امرأة في مدينة فيل جويف، اسمها أوريلي شاتلان، في ظروف كانت حينها لا تزال غامضة.
وأضافت الصحيفة أن هذا الشاب يدعى سيدي أحمد غلام، وهو يواجه الآن تهمة "القتل، والتخطيط للقتل، والمشاركة في مخطط إجرامي على علاقة بمنظمة إرهابية"، بعد أن كان يخطط بحسب المحققين لشن هجوم دموي واستعراضي من الوزن الثقيل.
وتساءلت الصحيفة: "هل قانون الاستعلامات الذي ينتظر أن يدخل حيز التنفيذ في الأشهر القادمة، إذا وافق عليه المجلس الدستوري، كان سيساعد على إجهاض الهجوم لو كان موجودا سلفا؟".
وفي الختام قالت الصحيفة إن استغلال الأحداث المأساوية لتبرير قرارات سياسية ليس أمرا جديدا على فرنسا، فقد عمد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى مراجعة عدة قوانين قائمة على إثر أحداث هزت فرنسا، وقبل ذلك قام جاك شيراك في سنة 2002 باستثمار اعتداء تعرض له مواطن قبل أيام من الدور الأول للانتخابات الرئاسية، للتشكيك في السياسات الأمنية لحكومة منافسه ليونيل جوسبان.