مضت أكثر من أربع وعشرين ساعة بعد تحرير
إدلب وعائلة
الجندي "ف.ح" تنتظر على أحر من الجمر أيّة إشارة من ابنهم تدلّ على بقائه حيا، فجميع الاتصالات في محافظة إدلب كانت مقطوعة قبل تحريرها بيومين ولم يكن هناك سبيل للتواصل مع أي شخص خارج المحافظة.
في ساعة متأخرة من الليل وردتهم مكالمة هاتفية مقتضبة مفادها أن ابنهم بخير وأنّه سيأتي قريباً، وبعد وصوله كان لـ "عربي 21" لقاء خاص معه شرح فيه تفاصيل الساعات الأخيرة في إدلب والساعات التي تلتها واصفا إياها بـ"مسير يوم القيامة"، حسب تعبيره.
قال الجندي "ف.ح" في حديثه لـ "عربي 21": "استيقظنا صباح يوم الاثنين في 30 من شهر آذار/ مارس الماضي، وقد تفاجأ الجميع باختفاء وسائل التواصل، من شبكة الخلوي والانترنت والهاتف الثابت، وظن الجميع يومها أن هناك عطلا ما".
وتابع قائلا: "انقضى ذلك اليوم بهدوء تام دون أن يطرأ أي تغيير على مسار خدمتنا الروتينية، وفي اليوم التالي كان خبر رحيل محافظ إدلب ورؤساء الأفرع الأمنيّة مدويا، ولم نكن نعلم ماذا نفعل ولماذا حصل هذا الفرار، إلا أنّ فصائل من الدفاع الوطني المحلّي قد توجهت للجهة الشمالية من المدينة، وفي فترة الظهيرة وصلتنا أخبار الهجوم على المدينة مع تأكيدات بأنّ
النصرة قد سيطرت على أجزاء واسعة منها، وكان الجميع عليهم أن يتصرّفوا من تلقاء أنفسهم، ففرَّ في البداية عناصر الأمن العسكري وتبعته الحواجز العسكريّة وبعض المسئولين والكثير من المدنيين، حيث تمّ الخروج من المدينة سيراً على الأقدام، وتابعنا سيرنا حتّى وصلنا إلى ريف حماة الذي يقع تحت سيطرة النظام، فقطعنا قرابة الخمسين كيلو متراً في يوم ونصف.
ووصف "ف.ح" مشهد الخروج الجماعي بقوله: "كان العسكر والمدنيون يسيرون جنباً إلى جنب، حيث توارينا بين المدنيين وكان الطريق مكتظاً بالناس ولمسافات طويلة أي حوالي العشرة كيلو متر، كما أن قذائف الهاون كانت تقع هنا وهناك مردية العديد من الناس بين قتلى وجرحى، لكنّ لا وقت ولا فرصة لنا لإسعاف أو دفن أحد فمن يقع سيواجه المصير ذاته".
وعن ردّة الفعل المتوقعة للنظام بين "ف.ح"، أنه بدأ الحشد في مدينة حلفايا الواقعة بريف حماة منذ اليوم الأول ووصلتنا أخبار عن مشاركة قوّات سهيل حسن، لكنّ حشد القوّات مازال ضئيلاً وعلى ما يبدو أن الأمر سيقتصر على القصف الجوّي.
وأضاف أن القوى الأمنية وقوى
الجيش التابعة لنظام بشار الأسد منعت النازحين من مدينة إدلب الدخول إلى مدن الساحل السوري بقرار من قياداتهم، وخصصت لهم مخيمات للنزوح على أطراف إدلب، حتّى أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة لم يستطيعوا الدخول إلا باستثناء من محافظ طرطوس لدخولهم شخصيّاً من دون عائلاتهم.
واعتبر الجندي (ف.ح) أن الغريب في الأمر هذه المرّة أنّ عدد القتلى في صفوف الجيش والأمن بعد تحرير إدلب لم يتجاوز الخمسة من أصل عشرات الآلاف الذين كانوا يتمركزون في المحافظة قبل التحرير بيوم.