تعرض الحكومة الفرنسية الخميس مشروع قانون يعزز الوسائل المتاحة لأجهزة الاستخبارات للتصدي للمخاطر الجهادية، ولو أدى ذلك إلى فرض قيود على
الحريات الفردية في بلد لا يزال تحت صدمة اعتداءات كانون الثاني/ يناير الماضي.
وسيسمح هذا القانون لأجهزة الاستخبارات باختراق "
الإرهابيين" المحتملين ومراقبتهم من خلال أذونات إدارية، دون الموافقة المسبقة من قاض.
واستبقت السلطات الانتقادات في مجال الحريات العامة والحياة الخاصة، وقالت إن كل هذه التدابير ستخضع للإشراف، وإن المراقبة ستقتصر حصرا على الحالات المتعلقة بالإرهاب.
وأوضح مكتب رئيس الوزراء أن "
فرنسا هي إحدى الديموقراطيات الغربية الأخيرة التي لا تملك إطارا قانونيا متماسكا ومتكاملا" يضبط عمل أجهزة الاستخبارات الستة.
وعلى أثر اعتداءات كانون الثاني/ يناير التي أوقعت 17 قتيلا في فرنسا، تحدثت الحكومة الفرنسية عن ضرورة سن قوانين من أجل "وضع إطار لعمل (أجهزة مكافحة الإرهاب) ومنحها" الوسائل "المناسبة للتصدي للتهديد" الجهادي. وأقرت الحكومة في هذا السياق بوجود "ثغرات" في
الأمن في فرنسا.
وأوضح مستشارو الوزارات المعنية (الداخلية والعدل والدفاع) الثلاثاء أن مشروع القانون يهدف إلى منح الأجهزة الوسائل المناسبة في مواجهة التقنيات الجديدة، وإدراج ضمن "إطار قانوني" ما كان يتم خارج مراقبة القضاء وخارج أي إطار بصورة عامة.
وسيكون بالإمكان بموجب القانون الجديد القيام بعمليات "اعتراض أمني" لمحتوى الرسائل الالكترونية والاتصالات الهاتفية، ولكن فقط إذا كانت على ارتباط مباشر بالتحقيق.
كما سينص القانون على "اللجوء إلى أجهزة لتسجيل كلام أشخاص وصورهم، أو لبرامج معلوماتية تلتقط البيانات المعلوماتية" ما سيسمح لعناصر الاستخبارات بوضع ميكروفونات وكاميرات تجسس وغيرها أينما يرون ذلك ضروريا، بما في ذلك إقامة مراكز تتبع هواتف المشتركين التي تسمح باعتراض الاتصالات في مربع معين، سواء اتصالات مشتبه بهم أو المقربين منهم.
وينص القانون على سبيل المثال على التقاط ما يتم نقره على مفاتيح هاتف معين بشكل آني. كما يُلزم القانون مشغلي خطوط الهاتف ومزودي الانترنت بتسليم السلطات كل ما يمكن أن يجمعوه من بيانات.
وتؤكد السلطات أن هذا القانون لا يمت بصلة إلى قانون "باتريوت آكت" الأمريكي لمكافحة الإرهاب، الذي أُقر إثر اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر 2011.
وأفادت رئاسة الوزراء الفرنسية أن الإجراءات "ستحدد بشكل دقيق"، وأن أي طلب سيكون "مبررا"، وأن القرارات تبقى من صلاحية رئيس الوزراء نفسه، وستكون محدودة في الزمن.
وتعهدت رئاسة الوزراء بأنه "لن يكون هناك غموض" بالنسبة لعناصر الاستخبارات الذين لا يودون أن يكونوا في "وضع حرج"، مشددة على أن "المشروع يوفق بين حرية المواطنين وضمان وضع عناصر الاستخبارات.. ويرسي رسميا مبدأ الإخطار المسبق".
وسيعرض مشروع القانون الخميس على مجلس الوزراء، وتأمل الحكومة في التصويت عليه هذا الصيف.
وقال بيار تارتاكوفسكي، رئيس رابطة حقوق الإنسان، منتقدا: "أخشى في حالة الصدمة المسيطرة على البلد أن يتم تمرير مثل هذا القانون بدون جدل كبير".
وأظهر استطلاع للرأي أُجري في نهاية كانون الثاني/ يناير، بعد الاعتداءات التي نفذها ثلاثة مسلحين، أن الفرنسيين لن يعارضوا إجراءات لمكافحة "التطرف الديني" حتى لو كانت تتضمن تعديا على الحريات الفردية.
وأيد 71 في المئة من المستطلعة آراؤهم في هذا التحقيق، الذي أجرته مؤسسة "إيبسوس" لحساب صحيفة "لوموند" وإذاعة "أوروبا 1"، تعميم التنصت على الاتصالات الهاتفية دون إذن مسبق من القضاء.
وقال تارتاكوفسكي: "يتم اعتماد نظام يمكن أن يتعدى على الحريات"، مضيفا: "إننا نضحي بالحريات الفردية بحجة تعزيز الاستخبارات".
من جهتها نددت "لا كوادراتور دو نيت"، الجمعية الفرنسية الرئيسية للدفاع عن الحريات على الإنترنت، بـ"التسييس الأمني لأحداث كانون الثاني/ يناير الدامية" الأمر الذي "قد يؤدي إلى تجاوزات هائلة للحكومة على صعيد مراقبة المواطنين"، حسب بيان للمنظمة.
قيود مالية:
وفي سياق متصل، أعلن وزير المالية الفرنسي، ميشال سابان، الأربعاء، عن عدة تدابير جديدة، في إطار "مكافحة تمويل الإرهاب"، جاء ذلك في في مقابلة للوزير الفرنسي مع صحيفة "لو باريزيان/ اوجوردوي آن فرانس".
وكتبت الصحيفة: "باسم مكافحة تمويل الإرهاب يطلق ميشال سابان حملة حقيقية لمطاردة المبالغ النقدية"، مضيفة أن "وزير المال يعلن عن تدابير للحد بأقصى ما أمكن من استخدام المال نقدا".
وذكرت "لو باريزيان" أن أول إجراء يقضي بـ"منع دفع أكثر من ألف يورو نقدا"، موضحة أنه "حتى الآن كان بوسع المستهلكين الفرنسيين تسديد ثمن مشتريات بحدود ثلاثة آلاف يورو نقدا. وهذا السقف سيخفض إلى ألف يورو. أما بالنسبة لغير المقيمين، أي بالنسبة للسياح الأجانب، فتم تخفيض السقف أيضا من 15 ألفا إلى عشرة آلاف يورو". وأشارت إلى أن "الدفع نقدا يسمح في الواقع بإعادة تدوير أموال من مصادر مشبوهة".
وقال ميشال سابان للصحيفة إن هذا الإجراء "سيطبق اعتبارا من 1 أيلول/ سبتمبر 2015".
وذكرت الصحيفة أن "عمليات سحب مبالغ كبيرة ستتم مراقبتها بشكل تلقائي"، مشيرة إلى أنه "سيترتب على المصارف أن تبلغ عن أي حركة أموال أو سلوك يبدو لها مشبوها إلى "تراكفين"، جهاز وزارة الاقتصاد المكلف بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، "في حين لم يكن هناك حتى الآن أي عتبة للإبلاغ التلقائي".
وقال سابان للصحيفة إنه اعتبارا من الآن "سيترتب عليها (المصارف) إبلاغ تراكفين تلقائيا عن أي عملية إيداع أو سحب مبلغ نقدي يزيد عن عشرة آلاف يورو في الشهر" اعتبارا من الأول من كانون الثاني/ يناير 2016، موضحا أن "هذه المهلة ضرورية حتى يتسنى للهيئات المصرفية تحديث أنظمتها المعلوماتية".
وتابعت الصحيفة أنه "اعتبارا من الأول من كانون الثاني/ يناير سيترتب على مكاتب الصرف طلب أوراق ثبوتية حين يطلب شخص ما تبديل ما يزيد عن ألف يورو من العملات الأجنبية".
ومن التدابير أيضا "وجوب الإبلاغ عن الرساميل التي تمر عبر الشحن". وكتبت الصحيفة أن "التصريح عند الجمارك إلزامي في حال الدخول إلى الأراضي (الفرنسية) بحقيبة تحمل أوراقا مالية أو بضائع قيّمة، مثل الذهب".
وأوضحت أن "الوضع لم يكن كذلك حتى الآن في حال التسليم عبر البريد. واعتبارا من الأول من كانون الثاني/ يناير 2016، سيتحتم إلزاميا إبلاغ الجمارك مسبقا عن هذه التحويلات المادية للرساميل عبر الشحن والشحن السريع".
وأشارت أيضا إلى أن "الحسابات الثمانين ألفا من نوع "نيكيل" التي يمكن فتحها في مكاتب التبغ، سيترتب حفظ مراجعها في قائمة "فيكوبا" التي تخضع لها كل الحسابات المصرفية الأخرى"، كما "سيتم تعزيز واجب التيقظ المفروض على المؤسسات المالية، ولا سيما في منح القروض الاستهلاكية".