كشف تقرير منشور في موقع صحيفة "لوموند"، عما اعتبره أحد المراكز العصبية للاقتصاد
السوداني، وهو
مستودع بسيط يقع في المنطقة الصناعية بالخرطوم، يديره شخص يُدعى
حسين حسان الفاضل، ويحتوي على ثالث أكبر مصفاة للذهب في القارة الأفريقية.
وقال التقرير إن الشاحنات المغبرة التي تأتي غالباً من مناطق النزاع، مثل دارفور وجنوب كردفان، تفرغ في هذا المستودع حمولاتها من
الذهب الخام، مشيراً إلى أن الجزء الأكبر من إنتاج الذهب يتم استخراجه يدوياً - نظراً لغياب المعدات اللازمة - بفضل جهود 52 عاملاً، بالإضافة إلى أجود وأحدث الآلات ذات الأشعة السينية والفصل المغناطيسي.
وقد ساهم هذا المستودع في رفع إنتاج السودان من الذهب إلى 60 طناً في عام 2014، مقابل 34 طناً في عام 2013، ويتم تصدير الجزء الأكبر من السبائك التي ينتجها هذا المصنع إلى الإمارات العربية المتحدة.
وأكد التقرير أن 70 بالمئة من رأس مال هذه "الآلة النقدية" يعود للبنك المركزي، بينما ينقسم الباقي بالتساوي بين وزارات المالية ووزارة المناجم، نقلاً عن مدير المستودع حسين الفاضل قوله إن "الذهب هو نفطنا الجديد"، كما قال وهو يداعب سبيكة ذهبية، إن هذه الصناعة الجديدة توفر العملة الصعبة، كما أنها تساهم في الانتعاش
الاقتصادي للبلاد.
ونقل التقرير عن إحصائيات حكومية أن ما يقارب مليون شخص يعملون في هذا القطاع الذي لا يزال فوضوياً، والذي يهدف إلى تعويض قطاع
النفط، وأن انفصال جنوب السودان واستقلاله عام 2011 مثّل نقطة نهاية فجائية لعقد من الازدهار الاقتصادي الذي شهدته السودان بفضل إنتاجه لـ500 ألف برميل نفط يومياً، حيث كان النفط يمثل 92 بالمئة من عائدات الصادرات السودانية، وهو ما مكّن السودان من مجابهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليه الولايات المتحدة الأمريكية عام 1997، إلا أن قيام الدولة رقم 54 في أفريقيا (جنوب السودان) حَرَم الخرطوم من عائداتها النفطية السخية.
وأضاف أن النمو الذي كان يبلغ 10 بالمئة سنوياً قد تحول منذ ذلك الحين إلى حالة من الركود، حيث بلغ (ـ 3، 3) بالمئة في عام 2012. وأدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى نقص حاد في العملة الصعبة؛ ما أدى بدوره إلى تفشي حالة من التضخم المالي الخارج عن السيطرة (أكثر من 45 بالمئة في عام 2013 حسب مصادر حكومية)، وقد كان هذا سبباً في اندلاع عدد من التحركات الاجتماعية والأحداث المأساوية، مثلما حصل في أيلول/ سبتمبر 2013 عندما قتلت قوات الأمن في الخرطوم 185 متظاهراً خرجوا في مسيرات تندد بارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن المحروقات.
أما اليوم؛ فأكد التقرير أن أسعار العملة في السوق السوداء تشهد ارتفاعاً كبيراً (أكثر من 9 جنيهات سودانية للدولار، مقابل السعر الرسمي المحدد بـ5.7)، ولم يعد بإمكان السودانيين والمغتربين في السودان منذ شهر شباط/ فبراير أن يسحبوا دولارات من البنوك، ولذلك فقد لجأوا إلى ما أسماه أحد المغتربين في الخرطوم "خدعة للتحايل على هذا الإجراء الجذري" تتمثل في القيام بتحويلات مالية لشركات تبدي استعدادها لمدّهم بقيمة هذه الأموال مصرفة بالعملة الصعبة.
وبيّن أن القطاع البنكي في السودان هو "قطاع قاحل تقريباً"، إذ تشير تقارير حكومية إلى أن الخسائر التي تسبب فيها الحصار الاقتصادي الأمريكي بين عامي 1997 و2014 بلغت ما يقارب تسعة مليارات دولار. وبسبب إقصائها من القنوات المالية الدولية؛ فإن الخرطوم تلجأ إلى الوسطاء والاعتماد على السوق السوداء للعملة، فيما يقول أحد رجال الأعمال إن "مشكلة الشركات الأجنبية لا تتمثل في تحقيق الربح بالسودان، بل في إخراج الأرباح من البلاد، وهو أمر مُضنٍ".
ولفت التقرير إلى أن الحكومة تسعى إلى تعويض البترول عبر تركيزها بشكل خاص على صناعة الذهب التي تمثل الآن أكثر من 70 بالمئة من الصادرات، مقابل 10 بالمئة قبل عام 2011. وقد قال وزير المالية مجدي حسن ياسين من مكتبه المطل على المدينة إن "الذهب عوّض كل خسائر عائدات النفط تقريباً، كما وفر مليارَي دولار سنة 2014، ما يسمح لنا باستعادة العملة الصعبة".
ويمثل هذا المعدن أملاً في انتعاش اقتصادي، بحسب وزير المالية الذي أضاف: "حتى نتمكن من رفع احتياطينا من العملة الصعبة، وتعزيز اقتصادنا؛ فإن أولويتنا الآن هي زيادة صادراتنا من الذهب والسكر والصمغ العربي، وتحديث الزراعة لدينا بهدف زيادة إنتاجية القمح والقطن على وجه الخصوص، دون أن ننسى الماشية".
واختتم التقرير بالإشارة إلى اعتزام الخرطوم الاعتماد على المؤسسات المالية العربية وشريكها الصيني، وبدرجة أقل البنك الأفريقي للتنمية، لافتاً إلى أن عدم الاستقرار الاقتصادي يثير القلق في بلد يعيش ما يقرب من نصف سكانه تحت خط الفقر.