مقالات مختارة

هليكوبترات واستخبارات ومناورات

1300x600
كتب سرمد الطائي: على شاشة احدى القنوات الاميركية، حاول ضابطان عراقيان كبيران تلخيص العجز الامني الفادح رغم "الوفرة الاستخبارية" في منطقة الفرات الاوسط وحزام بغداد الجنوبي، لكنهما تورطا بما يشبه "فلتة اللسان" التي يمكن ان يدفع خصوم المالكي مليار دولار، دون ان يحصلوا على اعتراف من طرازها، هو إقرار بمدى التخبط والاستسهال في ادارة دمائنا ومصائرنا.

الضابط الاول تعرفونه، وهو قائد عمليات منطقة الفرات الاوسط عثمان الغانمي، الذي قال، اننا عانينا في السابق نقص المعلومات، وحين اوشكنا على استكمال الجهد الاستخباري و"طورناه"، واجهنا نقص القطعات العسكرية، بسبب نقل الجيش الى الانبار، اي اننا اصبحنا نعلم بوجود الارهابيين في هذه المنطقة او تلك، ولا نملك قوات كافية لملاحقتهم. السيد الغانمي يقول: نحاول المناورة حول بابل بالقطعات القليلة المتبقية!

الارهاب يهجم بقوة، ونحن "نناور"!

اما الضابط الاخر الذي تحدث لمراسل المحطة الاميركية، فكشف عن نقص التدريب ونقص الهليكوبترات. يقول: مروحياتنا لا تطير ليلاً، بسبب نقص تدريب طيارينا، كما ان عددها قليل، وكثيراً ما نطلب اسناداً من طيران الجيش، ولا نحصل على شيء!

نتذكر هنا وحسب، ان بلداً جميلاً مثل المغرب سكانه 38 مليوناً، وموازنته المدنية والعسكرية 40 مليار دولار، اما ميزانيتنا الدفاعية لوحدها فتصل الى 20 مليار دولار، ومع ذلك لدينا نقص في الجيش! وفي التدريب! وفي المروحيات! نتعرض لهجمات ونرد عليها ب"مناورة".

ولذلك تشعر "داعش" بالسعادة، وتتسبب في نزوح 600 عائلة من قره تبة، ومثلها من بهرز، فضلاً عن نصف مليون نازح من الانبار، ومليوني مهجر داخل البلاد. ويبدو ان العراق ليس بلداً بعد، بل مخيم لاجئين عملاق، ومدير المخيم مصاب بالدوار لا يكفيه مليون جندي ولا عشرات المليارات النفطية، لتحصين حتى بغداد!

الصيف الماضي كتبت بضعة ملاحظات حاولت عبرها ان اتخيل الحديث الذي يدور في مكتب القائد العام للقوات المسلحة، بين المالكي وجنرالاته. وها انا بعد الاستماع للافادات النادرة التي ادلى بها الضابطان الكبيران، اكرر تعليقي الموجه إليه:

معالي القائد العام، لسنا سعداء بفشلك لأنه كان بثمن موت احبتنا. لكننا حين نخاف من العقليات الانتحارية، فإننا نخاف اكثر من بعض الجنرالات، لأنهم حين يفشلون، يشجعونك على ضرب المزيد من "الأهداف الوهمية". لم يعثروا على القاتل، فراحوا يملأون غرف الاستجواب بمعتقلين لا على التعيين. وأنت تعلم بأن السجون تحولت الى مصانع انتحاريين، وأن نمط عدالتك البدائي قد حول ذوي الضحايا الى مشاريع تتعاطف مع داعش، وجعل الإرهابيين اكثر جرأة على السخرية منك ومنا.

انت مكتوف الايدي ولا تعترف بالفشل وتتجنب التعليق، لانك لم تعد تمتلك حكاية جديدة تصلح لتنويم الجمهور. مثل رجل يمسك بمقود سفينة تحترق، ويرفض الانصات لاحد، مختبئا تحت عباءة الصمت بينما يغطس الجميع ويغرقون.

انت تعلم اننا نكره صدام والقاعدة، ونكره عجزك وهدر المليارات وشراء الكثير من السلاح وتجنيد المزيد من العساكر، وهو جيش كبير تبدده سوء الادارة وموت السياسة.

ويبدو انك صرت متعايشا مع حقيقة ان عددا منا لا بد ان يموت كل يوم كي يمنحك فرصة اكبر "لإكمال طريق الحق". لكن لا تنس ان سلاطيننا الغابرين كانوا يعتقدون ذلك أيضا، فضيعوا انفسهم وضيعونا، لانهم غرقوا في الوهم وانفصلوا عن الواقع.

حقاً، ماذا يقول لك حلفاؤك الكبار الشرقيون والغربيون، حين تطلب معونة استخباراتهم لتفسير ما يجري؟ ام انهم فشلوا حتى في مساعدتك على تنظيم المروحيات وعدم تشتيت القطعات؟ ام تراهم يمتنعون عن مصارحتك ومنحك المعلومة والخبرة الحاسمة، لأنك خيبت ظنونهم حين اضعت حبل التوازنات؟

معالي القائد العام، لقد اردت انت فعل كل شيء، وأوشكنا نحن ان نخسر كل شيء.

(عن صحيفة المدى الإماراتية 30 آذار/ مارس 2014)