سياسة عربية

جدل في مصر حول نية الحكومة إحياء "مسار خروج بني إسرائيل" في سيناء

جدل بين المؤرخين وخبراء الآثار حول صحة مسار الخروج- CC0
أثار إعلان رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، عن إحياء ما أسماه "مسار خروج بني إسرائيل في سيناء"، من أجل تنظيم رحلات سياحية إلى المنطقة وتطوير موقع "التجلي الأعظم" بمدينة سانت كاترين جنوب سيناء، جدلا وتساؤلات حول صحة هذا الأمر وحقيقته التاريخية.

وجاء إعلان الحكومة المصرية بدون تحديد واضح لمعالم مسار خروج "بني إسرائيل" في سيناء، ما أثار جدلا تحديدا بين الأثريين والمؤرخين، إذ يعتبر البعض أن هذا الحدث لا صحة لوجوده نظرا لعدم ظهور ما يثبته تاريخيا حتى الآن.

وقال أستاذ علم المصريات والخبير الأثري بجامعة القاهرة، أمجد عبدالكريم، إن مسار خروج "بني إسرائيل" في سيناء، كما جاء في القرآن، يرمز إلى قصة خروج بني إسرائيل، التي قادها النبي موسى عليه السلام عبر البحر الأحمر بعد أن أغرق الله فرعون وقومه، ثم مكوث بني إسرائيل 40 عاما والمعروفة بسنوات التيه في صحراء سيناء، وحديث الله مع موسى على جبل طور سيناء، ثم بلوغ أرض الميعاد وهي كنعان أي فلسطين حاليا، وفق وصفه.

وأضاف أن "الكتب السماوية تجمع على وجود بني إسرائيل في أرض ما، والمرجح بشكل كبير أنها سيناء، يجوبونها تائهين عن الأرض التي أمرهم الله بدخولها والعيش فيها وهي كنعان".

وتابع بأن "خروج بني إسرائيل من مصر يُعتبر من أكثر المواضيع التي يتم بحثها في الآثار المصرية القديمة، وبالفعل تم نشر آلاف الأبحاث والمؤلفات حول تاريخ هذا الخروج والطريق الذي سلكه موسى وقومه هربا من فرعون مصر، والمدة الزمنية التي استغرقها هذا الخروج، ومن هو فرعون الخروج".

لكنه أوضح أنه توجد "آراء مختلفة حول تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر القديمة، وكذلك فرعون الخروج، لكن هذا لا ينفي وقوع هذه الأحداث من الأساس كما يزعم البعض".

وأشار إلى أن "البعض رجح أن فرعون موسى هو رمسيس الثاني، ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة من الدولة الحديثة، الذي يعتبر أشهر ملوك الفراعنة، لكن هذا الطرح ثبُت عدم صحته بعدما سافرت مومياء رمسيس الثاني إلى فرنسا، حيث تم فحصها فحصا دقيقا، ولم يسفر ذلك عن كشف أي دليل، ولو بسيط، على أن رمسيس الثاني قد مات غريقا".

وقال إن أحد "الدلالات التاريخية الأخرى على وقوع هذه الرحلة ظهر عام 1896 ميلاديا عندما تم اكتشاف (لوحة مرنبتاح) التي تتحدث عن إنجازات الفرعون (مرنبتاح)، الابن الثالث عشر لرمسيس الثاني وخليفته في الحكم، والذي اعتبر عدد من الأثريين أنه فرعون موسى"، موضحا أن "هذه اللوحة منقوش عليها عبارة (هرب بنو إسرائيل ولم يعد لهم بذور)".

لكنه أيضا أشار إلى أن "فترة حكم مرنبتاح، التي لم تتجاوز التسع عشرة سنة، لا تتحمل كل هذه الأحداث، أي منذ مولد موسى عليه السلام، وهروبه من مصر، ثم عودته إليها بعد نحو عشر سنوات، حتى خروج بني إسرائيل من مصر، وغرق فرعون".

ولذلك يعتقد البعض أن "الخروج قد وقع في عهد سيتي الثاني، خليفة مرنبتاح، أو حتى فرعون آخر تال له".

وقال الأمين السابق للمجلس الأعلى للآثار، محمد عبدالمقصود، إن "مصر حاليا تهتم بإحياء المسارات الدينية بشكل عام في إطار تشجيع السياحة الدينية، مثل مسار العائلة المقدسة، ومسار آل البيت، ومسار الخروج".

وتابع بأنه "توجد عدد من التفسيرات والدلالات التاريخية المتضاربة بشأن تفاصيل قصة خروج بني إسرائيل من مصر والتي ظلت بدون دليل لعلماء الآثار"، موضحا أن "مسار الخروج تم ذكره في الكتب السماوية الثلاث لكن ببعض الاختلافات".

وقال إنه "يجب التفريق بين ثلاث مراحل، وهي واقعة الخروج وطريق الخروج وما قبل الخروج".

لكنه أوضح أنه "بعيدا عن الجانب الديني، فلا يوجد حتى الآن آثار تاريخية أو دلائل علمية واضحة لمسار الخروج"، مشيرا إلى أن "المثبت حتى الآن هو آخر نقطة في هذا المسار هو مكان التجلي في سيناء، والذي توجهوا بعده إلى الأرض المقدسة في فلسطين ومن ثم استكمال الطرق".

وفي ما يتعلق بالمسار في سيناء والذي تسعى الحكومة المصرية لإحيائه، قال عبدالمقصود إنه "لا يوجد أي دليل واضح للطريق الذي سلكه بنو إسرائيل وقتها".

وأضاف أنه "وقت احتلال الإسرائيلين لسيناء، أرسلوا العديد من البعثات الاستكشافية من مختلف الجامعات الإسرائيلية لمسح سيناء من أجل البحث عن مسار الخروج، ولم يعثروا على أي دليل".

وتابع بأن "البعثات التي جاءت لمسح سيناء إما كانت تبحث عن مسار خروج بني إسرائيل، أو مكان التيه، وهي المرحلة التي استغرقت 40 سنة، وتركزت تلك الأبحاث في جنوب سيناء".

وأوضح الخبير الأثري أن "بعض هذه البعثات توصلت إلى أن كل ما يتعلق بمسار الخروج ليس له وجود ولم يحدث في المطلق أو على الأقل في هذه المنطقة، فيما فسر آخرون أن سبب عدم وجود أي بصمات أو آثار لـ بني إسرائيل يعود إلى أنهم كانوا مثل الرحالة يتعمدون عدم ترك أي آثار خلفهم لأنهم كانوا يهربون من فرعون مصر وقتها".

وتابع بأنهم إما "اتخذوا طريق الشمال الذي يمر عبر القنطرة شرقا ثم غزة، أو عبروا سيناء من منتصفها، أو سلكوا الطريق الجنوبي بعدما عبروا الإسماعيلية، لكن حتى الآن لا يوجد ما يُثبت صحة أي من هذه المقترحات".

ويرجح الخبير الأثري أن "بني إسرائيل ربما اختاروا طريقا وعرا غير مأهول بالسكان حتى يتمكنوا من الهروب من فرعون، ولذلك فإن من الممكن أنهم قد تجنبوا أغلب المسارات المعروفة لدى العلماء حاليا"، بحسب الحرة.

ولذلك أشار إلى أنه "من المستبعد أن يكونوا سلكوا طريق الشمال الموازي للبحر المتوسط لأن هذا الطريق كان مليئا بالقلاع والحصون المصرية ولم يكن من الممكن أن يتعداها أحد".

وأوضح أنه "من المرجح أن يكونوا سلكوا طريق الجنوب، لكن ستظل هذه مجرد تكهنات بدون دلائل علمية"، مشيرا إلى أن "ما يزيد من صعوبة الأمر هو عدم معرفة إلى أي عصر بالتحديد ينتمي بنو إسرائيل وقت هذه الواقعة".