ملفات وتقارير

العرجاني يخاطب الدول ويستقبل وفودا ويعقد صفقات.. هل شكل دولة موازية في مصر؟

زار وفد من دولة قطر رئيس اتحاد القبائل والعائلات إبراهيم العرجاني وقدم له التهنئة لرئاسته للاتحاد- منصة "إكس"
يتعاظم بشكل مثير للمخاوف دور رئيس اتحاد القبائل والعائلات العربية، المصري السيناوي إبراهيم العرجاني، منذ تأسيس الاتحاد مطلع أيار/ مايو الجاري، حيث يصدر الكيان الباعث للجدل بيانات موجهة للمجتمع الدولي حول أحداث إقليمية ودولية جارية، ويستقبل وفودا خارجية، ويعقد صفقات مع شركات أجنبية، ما دفع البعض لوصفه بأنه "دولة داخل الدولة".

ومطلع أيار/ مايو الجاري، وخلال مؤتمر شعبي بقرية "العجرة"، جنوبي مدينة رفح في شمال شبه جزيرة سيناء، تم تدشين "اتحاد القبائل العربية"، برئاسة رجل الأعمال العرجاني، صاحب السجل الإجرامي السابق في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، والرجل القريب من رأس النظام عبدالفتاح السيسي.

والخميس، زار وفد من دولة قطر، رئيس اتحاد القبائل والعائلات إبراهيم العرجاني، وذكر البيان الصادر عنه أن الوفد القطري قدم التهنئة للعرجاني لرئاسته للاتحاد، وهو تقليد التهنئة الذي يجري مع رؤساء حكومات الدول وبرلماناتها، وفق مراقبين.

وجاء في البيان أنه تم خلال الزيارة بحث سبل التعاون المشترك في المجالات الصناعية والزراعية والتجارية، وإنشاء عدة شركات مشتركة بكافة المجالات، وتوقيع بروتوكول تعاون بين الشركات الخاصة باتحاد القبائل والعائلات ومجموعة شركات "الشيخ جاسم"، التي يبدو من اسمها المذكور بالبيان أنها تابعة لأحد أفراد الأسرة الحاكمة القطرية.



"جدل بالتزامن"
ودفع ذلك مراقبين للقول إن عرض صور اللقاء عبر جميع المواقع المحلية، وكتابة هذه الصيغة من الأخبار في الصحافة المصرية لا تُكتب بهذه الطريقة إلا عند توقيع رئيس الدولة أو رئيس وزرائه أو أحد الوزراء صفقات اقتصادية واتفاقيات تجارية إثر لقاءاتهم مع الوفود الأجنبية.


واللافت أيضا هنا، أن زيارة الوفد القطري للعرجاني، تأتي بعد حديث مثار نقلته بعض المواقع بينها "مونت كارلو الدولية" عن صدور قرار سيادي يقضي بتجميد مؤقت لاتحاد القبائل العربية في مصر لتلافي حالة الغضب الشعبية وفي الشارع السياسي من ذلك الاتحاد.

وقال موقع الإذاعة الفرنسية: "يبدو أن تصاعد الجدل في المجتمع المصري حول هذه القضية، وحالة الغضب التي أثارها الاتحاد الجديد، والمخاوف الحقيقية من تحوله إلى كيان مواز للدولة في سيناء، دفعت بجهات سيادية – وهي التسمية التي تطلق على أجهزة المخابرات في مصر – إلى نصح القيادة السياسية بتجميد هذا الكيان الجديد.

وأضافت: "لكن السؤال ما زال مطروحا عن المصير النهائي لاتحاد القبائل العربية، وهل سيتم إلغاؤه أم إن صداقات وتحالفات العرجاني القوية في قمة السلطة المصرية، ستؤدي لتجميد اتحاده مؤقتا فقط؟".

واستغل العرجاني الزيارة القطرية لنفي تلك الأنباء، والتأكيد على قوة دوره ودور الاتحاد، لكنه رغم أن الموقع الإلكتروني لإذاعة مونت كارلو الدولية فرنسي وجرى تأسيسه منذ العام 1972، ولا علاقة له بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن العرجاني اتهم التنظيم الدولي للجماعة بترويج هذا الخبر.


وفي السياق، صدر عن اتحاد القبائل والعرجاني، بيانات مثيرة للجدل ولاستغراب السياسيين، إحداها في 6 أيار/ مايو الجاري، والتي خاطب فيه المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية يحذر من خطورة اجتياح "إسرائيل" لمدينة رفح الفلسطينية، وذلك رغم أنه ليس حزبا سياسا أو كيانا رسميا تابعا للحكومة المصرية يمارس دوره في مخاطبة جهات دولية وعربية.


ومع ما يثار عن السجل الإجرامي للعرجاني، ودوره في قتل مجندين مصريين في سيناء خلال مواجهات مسلحة أثناء عمليات تهريب للمخدرات في عهد حسني مبارك، والحكم عليه بالسجن، ثم ظهوره كمقرب من نظام السيسي في سيناء، ودوره في قيادة مليشيات قبائل سيناء، يظل ظهور اسم العرجاني تاجر السلاح والمخدرات في أية فاعليات أو اتفاقيات تجارية مقلقا للكثيرين.

بل إن بعض المراقبين ذهبوا في توقعاتهم حد احتمال أن يقود العرجاني، انقلابا مسلحا على الدولة والجيش المصري كما فعلها من قبل تاجر الجمال السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) مؤسس قوات "الدعم السريع"، والذي تقود مليشياته حربا بمواجهة الجيش السوداني منذ نيسان/ أبريل 2023، اقتطعت خلالها نحو نصف السودان.

"أفعى الخراب"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أثار استقبال العرجاني الوفد القطري، والإعلان عن صفقات تجارية وشراكات خارجية مع شركاته حفيظة المعلقين على بيان اتحاد العرجاني، مؤكدين أنها بوادر على تأسيس رسمي لدولة "اتحاد القبائل" الجديدة، أو "جمهورية سيناء".

وتساءل البعض ساخرا بقوله: "هل الاتحاد دولة مستقلة عن مصر بيعمل اتفاقيات دولية؟"، و"لماذا لم يتم تبادل السفراء، وإعلان مجلس العلاقات الخارجية، والتعاون الدبلوماسي والعسكري والتبادل التجاري؟"، و"هل العرجاني بمنصب رسمى لكي نلغي منصب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي؟".


وفي تعليقهم وضع البعض صورا لأفعى، واعتبروا الخبر خبرا "كارثيا"، محذرين بقولهم: "السوسة بدأت بالخراب، انتبهوا يا مصريين"، فيما أشار آخرون إلى منح العرجاني تجمع قبلي مسلح يسيطر على أراض مصرية ما هو محظور على الأحزاب السياسية الشعبية، فيما دعا البعض العرجاني للترشح للانتخابات الرئاسية.

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، تحدث الإعلامي المصري المعارض أسامة جاويش عن علاقات العرجاني الاقتصادية ببعض الدول العربية الأخرى، منها السعودية والإمارات والكويت وليبيا.



والسؤال: هل أصبح اتحاد العرجاني دولة موازية داخل الدولة المصرية يخاطب المجتمع الدولي، ويصدر بيانات سياسية حول قضايا إقليمية، ويستقبل وفودا خارجية، ويعقد صفقات مع جهات أجنبية؟

"مقدمات تصعيد العرجاني"
وفي إجابته، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدي الحداد: "ينبغي أن ننتبه إلى توقيت تصعيد العرجاني، المواطن العادي، والذي كان ينتمي، وباختصار، إلى ما دون حتى الطبقة المتوسطة؛ بهذا التوقيت بالذات من عمر ما يسمى بالجمهورية الجديدة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى الحداد أنه "لتصعيد العرجاني إذن أكثر من هدف، أحدهما: يخدم نظام السيسي، ويُخدّم عليه، والآخر: يخدم دولة الكيان على المدى الطويل، أو حتى المتوسط".

وعما يخدم السيسي، أكد الحداد، أنه "استخدام العرجاني لتعزيز تمكينه من سلطة الحكم وسيطرته على كل شبر بمصر، وفي القلب منها وبأطرافها، ومن ثم تمكين الحاكم من حكم مصر، وبشتى السبل، الشرعية وغير الشرعية أو حتى الإجرامية، بالتوازي مع تصعيد المجرم الجنائي الذي أعفى عنه بالمخالفة للدستور، صبري نخنوخ".

وتساءل: "ثم أليس هو من قال يوما وفي بداية تصدره للمشهد الذي ابتليت به مصر: (اللي ما يرضيش ربنا احنا هنبقى موجودين معاه بندعمه بنأيده)، ثم عاد وأكد على هذا المعنى مرة أخرى وبطريقة أكثر فجاجة عندما قال: (كنت بكلم مجلس القضاء الأعلى وقلت لهم أنا ممكن أهد مصر بـملياري جنيه.. أنزل 100 ألف إنسان ظروفه صعبة.. وأديهم باكتة و20 جنيه وشريط ترامادول... ".

أما ما يخدم دولة الكيان وفق رؤية الحداد، فهو "تقسيم مصر، واستقلال سيناء على المدى البعيد أو حتى المتوسط، وإذا ما استمر السيسي بالحكم وفصلها تماما عن مصر حتى يسهل بعدئذ لدولة الكيان الصهيوني ضمها بعدئذ، ومرة أخرى، إلى أراضي فلسطين المحتلة، أو ما يشبه تماما، وكأنها صورة كربونية بالفعل مما حدث بالنسبة لجزيرتي (تيران وصنافير) من الناحية الجيوسياسية".


ويعتقد أنه "ربما هذا يفسر ما ظهر بمقطع فيديو شهير يرقص فيه وبشكل هستيري مجموعة من الحاخامات الصهانية، وبعض الصبية من اليمين المتطرف الصهيوني، رقصة تلمودية على أنغام أغنية: (الحاج إبراهيم العرجاني يا فخر السيناوية)".

ويرى أيضا أن "ما سبق يفسر أيضا، حالة السكون والسكوت والصمت المخزي والمذل، إزاء احتلال دولة الكيان الصهيوني لمحور صلاح الدين (فيلادليفيا) وبما يتعارض مع اتفاقية (كامب ديفيد) وينتهكها تماما، ودون أن يحرك العرجاني، وقواته واتحاد قبائله العربية الذي يرأسه، ساكنا".

وأشار إلى أنه "رغم ما قيل من أن من أهداف إنشاء اتحاد مثل هذه القبائل هو ضرب دور الجيش أو التقليل من شأنه، وخاصة وبعد أن صرح المتحدث باسم الاتحاد مصطفى بكري، قائلا إن (مليشيا العرجاني فصيل من الجيش المصري)، وبما يخالف الدستور أيضا".

"ليست موازية.. بل مستقلة وذات سيادة"
وخلص الحداد إلى القول إن "ما سبق يجيب على السؤال المطروح: هل أصبح اتحاد العرجاني دولة موازية داخل الدولة المصرية؟"، ولفت إلى أن "الإجابة صارت واضحة الآن وهي: كلا"، مؤكدا أن "دولة العرجاني أصبحت مستقلة تماما، وذات سيادة ومنفصلة عن مصر، وليست موازية، كما بينا".

وعن دلالات زيادة الوفد القطري، قال الكاتب والمحلل السياسي، إنها "تؤكد أيضا وتدعم، وباختصار، فرضيتنا السابقة"، مضيفا أنه "لا محل هنا للحديث عن أن تطلب منه المخابرات المصرية تجميد نشاطه لخفض الغضب الشعبي، وحيث إن دولة العرجاني، خرجت عن سيطرة النظام، وصار أمرها موكلا الآن لدولة الكيان وبدعم أمريكي طبعا".

وختم مؤكدا أن "هذا ما يجعل النظام في حالة استسلام تام وتسليم بالأمر الواقع، أو بالأحرى الذي صار واقعا، وحيث لا يملك أن يعترض على كل ما تمليه دولة الكيان، وخاصة عندما يضعونه، أو يخيرونه بين الحفاظ على الكرسي بتنفيذ كل ما يطلبونه، أو المجازفة به إذا اعترض أو حتى عرقل مطالبهم".

"نتائج وخيمة"

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور سعيد عفيفي: "اتحاد القبائل كيان غير دستوري، لأسباب كثيرة، ونتائج تدشينه ستكون وخيمة على تماسك الأمة المصرية".

وأوضح أنه "منذ اللحظة الأولى حذر الشعب المصري من تبعات تدشين هذا الكيان الذي يهدد وحدة الشعب، وسيصبح يوما ذراعا سياسية ثم ذراعا عسكرية لمن خلفه من شخصيات وكيانات لديها أموال طائلة، ناهيك عن أنه قام على يد أشخاص مجرمين تم إخراجهم من السجن بعفو رئاسي ليقوموا بمهام أمنية".

وطالب عفيفي، "الشعب المصري بكافة طوائفه للوقوف ضد هذا الكيان"، محذرا من "خطورة توسع أعماله الاقتصادية والمالية، ومما يقوم به من تصرفات مثل مناشدته الأمين العام للأمم المتحدة في بيان رسمي، أذاعه التلفزيون المصري الذي تمتلكه المخابرات العامة".

"من العرجاني؟"
مولود في "الشيخ زويد" بمحافظة شمال سيناء، ويعد أبرز أفراد قبيلة الترابين، ورئيس اتحاد قبائل سيناء، وأحد الوجوه المؤثرة على الساحة السيناوية، والذي توغل لاحقا في الساحة الاقتصادية والسياسية والرياضية في البلاد، فيما يمتلك مجموعة اقتصادية تتصاعد أسهمها بشكل مطرد منذ سنوات.

ويترأس العرجاني الذي يحمل لقب مهندس، إدارة مجموعة "العرجاني غروب" العاملة بمجالات البناء والخدمات الأمنية، والتطوير العقاري، والسياحة، والصرافة، والزراعة، والاستيراد والتصدير، والإعلان والتسويق.

وتحتها شركات "أبناء سيناء"، و"مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار"، و"أبناء سيناء للتجارة والمقاولات العامة"، و"غلوبال أوتو" للسيارات، الشركة المصرية الخليجية، ومجلس أمناء مؤسسة "سيناء للخير والتنمية الاقتصادية".


وخلال مواجهات الجيش المصري في سيناء مع عناصر إجرامية وإرهابية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2014، دعا العرجاني قبائل سيناء في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، إلى تشكيل اتحاد للقبائل لمعاونة الجيش والشرطة ضد الإرهاب.

حينها كون مجموعة قتالية من قبائل الترابين، والسواركة، والأرميلات، والبياضية، والأخارسة، والدواغرة، تقدر بنحو 1000 عنصر مقاتل كان لها دور حاسم في المعارك ضد "تنظيم الدولة" أو "ولاية سيناء"، كون مليشياته خبيرة بطبوغرافية الأرض وتضاريس سيناء، وهو الدور الذي نجح فيه العرجاني ومجموعته.

وقام الجيش المصري بتسليح تلك المليشيات بـ600 قطعة سلاح خفيفة، و100 قطعة متوسطة المدى، و50 سيارة جيب مصفحة، وفق تأكيد وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية في 28 أيلول/ سبتمبر 2018.

وكان لافتا إسناد الجهات الأمنية المصرية أعمال إعادة إعمار غزة بعد معركة "سيف القدس" عام 2020، لشركات العرجاني، "أبناء سيناء" التي دخلت القطاع بالفعل في 2021، وتحكمت كذلك في تمرير البضائع للقطاع عبر معبر رفح، وسط مخاوف من قيام عناصر العرجاني بدور استخباراتي على المقاومة الفلسطينية.

وتثار الكثير من علامات الاستفهام حول العرجاني وأدواره في عمليات دموية كثيرة في سيناء بحق باقي القبائل، وفي تجارة السلاح والمخدرات، وفي أزمة طائرة زامبيا في الفضيحة المعروفة بـ"طائرة الذهب"، وفي تحصيل الرسوم والرشا والاتاوات من الغزيين المرضى والمصابين والعالقين الراغبين في عبور معبر رفح البري إلى مصر.