قضايا وآراء

تونس ورئاسية 2024: "بقاء أو فناء"؟.. و"ظاهرة" منذر زنايدي (2-2)

قررت جبهة الخلاص عدم تقديم مرشح للانتخابات- عربي21
يبدو أن قيس سعيد تفاجأ بوجود مرشحين جديين للرئاسة، وقد كان مطمئنا إلى كون المعارضين مقاطعين لكل استحقاقات 25 تموز/ يوليو الانتخابية بما فيها الرئاسية، لذلك بدا حاسما وحازما معتبرا الأمر "قضية بقاء أو فناء". ولعل أكثر ما جعل سعيد ينتبه لوجود منافس جدي هو ظهور الوزير السابق في زمن حكم الرئيس الراحل بن علي، وهو منذر الزنايدي الذي برز في زمن "الذروة السياسية" بخطاب اعتبره متابعون جاذبا ومُبشّرا ومطمئنا.

لقد بات واضحا أن البلاد دخلت مرحلة الترتيبات للمرحلة القادمة، أي مرحلة ما بعد نهاية عُهدة قيس سعيد الحالية، سواء فاز هو بالانتخابات القادمة أو فاز غيره.

هذه الترتيبات يتداخل فيها السياسي والقضائي والإعلامي والداخل والخارج، وهي ترتيبات خاضعة لموازين قوى تتحددّ على أساسها حظوظ المنافسة وفرص التفاوض ضمن تقاليد العمل السياسي وقاعدة الشدّ والجذب ونظرية "فن الممكن"، حيث المواءمة بين السيادة الوطنية وبين الأمن الإقليمي، وهنا علينا فهم دوافع بعث "الكيان المغاربي" الثلاثي بين تونس والجزائر وليبيا.
الترتيبات يتداخل فيها السياسي والقضائي والإعلامي والداخل والخارج، وهي ترتيبات خاضعة لموازين قوى تتحددّ على أساسها حظوظ المنافسة وفرص التفاوض ضمن تقاليد العمل السياسي وقاعدة الشدّ والجذب ونظرية "فن الممكن"، حيث المواءمة بين السيادة الوطنية وبين الأمن الإقليمي

5- ما موقع حركة النهضة في هذه الترتيبات؟

تظل حركة النهضة دائما هي محور كل عملية سياسية وكل مناسبة انتخابية،لكونها الحزب الأكثر "خزانا انتخابيا" كما يصفها المحللون وكما ينظر إليها الفاعلون السياسيون، وهي محل متابعة دقيقة لكون مواقفها محددة بشكل كبير لنتائج كل انتخابات وخاصة منها الرئاسية.

فهل تشارك الحركة بمرشح للرئاسة؟ أم هل تدعم مرشحا ضمن تحالفها السياسي في جبهة الخلاص الوطني؟ أم هل تعلن دعمها لمرشح آخر ترى لديه مشروع خروج من الأزمة السياسية والاجتماعية؟

في حوارات إعلامية سابقة، ظل أمين عام الحركة العجمي الوريمي يؤكد أن "جبهة الخلاص الوطني" ليست تحالفا انتخابيا إنما هي تحالف سياسي هدفه إسقاط الانقلاب، وعن سؤال حول إمكانية دعم مرشح من بين عدة أسماء مترشحة، أجاب الوريمي بأن الحركة مستعدة للجلوس مع أي مرشح بمن فيهم الرئيس الحالي قيس سعيد للاطلاع على برامج مختلف الأسماء وما يمكن أن يقدموه من حلول للأزمة. وكان يربط دائما موقف الحركة من الانتخابات بتنقية المناخ السياسي وبتوفير شروط ممارسة الناخبين لإرادتهم الحرة في اختيار رئيسهم القادم.

يبدو أن تلك الرسائل الإيجابية لم تتفاعل معها السلطة بأي شكل من الأشكال، بل زادت مواقفها تصلبا بتجاهلها نداءات الحقوقيين وعائلات المساجين، فلم يتغير موقفها في ملف "التآمر على أمن الدولة" ولم تطلق سراح أي سجين ولم "تنزعج" من دخول بعضهم إضراب جوع وحشي.

قد يكون هذا "التصلب" هو الذي سيدفع رئيس جبهة الخلاص الوطني الأستاذ نجيب إلى إعلانه في آخر ندوة صحفية منذ خمسة أيام بأن الجبهة لن تشارك في انتخابات هي "مهزلة"، وأن الظروف الحالية لا تسمح بانتخابات رئاسية، وأن موقف الجبهة هو النضال من أجل "تغيير الشروط"، مع تحميل السلطة مسؤولية الأزمة السياسية.

أمين عام حركة النهضة أعلن أيضا أن "جبهة الخلاص ترفض أن تكون ديكورا في مسرحية انتخابية"، وعدّد شروط المشاركة وأبرزها: إطلاق سراح المعتقلين، واستقلالية هيئة الانتخابات، وعدم "التحرش" بالمترشحين، مع حياد الإدارة وإلغاء المرسوم 54، وضمان مصالحة التونسيين مع الصندوق برفع الوصاية الانتخابية عن التونسيين.

هذه الأجواء "الساخنة" سمحت بطرح سؤال حول إمكانية حصول انتخابات رئاسية في موعدها، خاصة وأن هيئة الانتخابات لم تُعلن حتى الآن عن تاريخ محدد، وأعلنت في بيانها الأخير أن "تحديد تاريخ الانتخابات راجع لرئيس الجمهورية قيس سعيد"
وفي هذه الأجواء "الساخنة" تتراكم مظاهر الاحتجاج وترتفع أصوات جديدة مطالبة بالكف عن ملاحقة المعارضين من سياسيين وإعلاميين وقضاة ومحامين، وقد أعلن عميد المحامين السابق شوقي الطبيب عن دخوله في إضراب جوع في مقر هيئة المحامين، كما بدأ المحامون منذ ثلاثة أيام إضرابا داخل قصر العدالة، وقد منعت السلطة وسائل الاعلام من تغطية الإضراب مما تسبب في احتجاج عدد من الصحفيين ورفعهم شعارات تطالب بحرية الصحافة.

هذه الأجواء "الساخنة" سمحت بطرح سؤال حول إمكانية حصول انتخابات رئاسية في موعدها، خاصة وأن هيئة الانتخابات لم تُعلن حتى الآن عن تاريخ محدد، وأعلنت في بيانها الأخير أن "تحديد تاريخ الانتخابات راجع لرئيس الجمهورية قيس سعيد".

ولما كانت "حادثة" 25 تموز/ يوليو 2021 هي من فعل "الغالب"، فليس مُستبعَدا أن يتصرف هذا "الغالب" وفق تقديرات "علمية" تكشف له نسبة حظوظ فوزه إذا حصلت الانتخابات في موعدها، أو نسبة فوز أحد منافسيه.

وعلينا أن نتذكر دائما قول قيس سعيد عند زيارته السنة الماضي لضريح الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في ذكرى وفاته، حيث أكد أنه لن يُسلم "الأمانة" إلا لـ"الوطنيين"، كما علينا أن نستحضر ما قاله هذه السنة في نفس المناسبة وفي نفس المكان بأنها ّقضية "بقاء أو فناء".

فهل تشهد تونس في الأيام القادمة تطوراتٍ تدفع باتجاه "قرار" حاسم يتخذه قيس سعيد في موضوع الانتخابات الرئاسية القادمة؟

twitter.com/bahriarfaoui1