شهدت
سوريا في العام 2023، ارتفاعات قياسية في أسعار المواد الغذائية، لتواجه شريحة واسعة من السوريين مخاطر انعدام الأمن الغذائي، وسط ضعف الأجور واستمرار تدهور قيمة
الليرة السورية، فضلا عن تراجع الإنتاج الزراعي.
وخلال العام الماضي الذي يطوي أيامه الأخيرة، فقد تراوحت نسبة أسعار المواد الغذائية بين 150 و200 في المئة.
وبعد أن كان كيلو السكر يباع في بدايات العام 2023 بـ4600 ليرة، فقد تجاوز سعره الآن الـ14 ألف ليرة، والأرز كان عند 4500 ليرة ووصل حاليا إلى 15 ألف ليرة، أما كيلو البن فارتفع من 40 ألف ليرة إلى 125 ألف ليرة.
الغلاء "الجامح" يضرب الأسواق
وفي حين تُقدر مراكز بحثية متوسط تكاليف معيشة العائلة السورية بما يزيد على الـ 6.5 مليون ليرة سورية، لتأمين الاحتياجات الأساسية، فإن متوسط الدخل لا يتجاوز الربع مليون ليرة سورية.
ويؤكد الباحث والخبير الاقتصادي خيرو العبود لـ"عربي21"، أن غالبية السوريين باتت عاجزة تماما عن تأمين أدنى متطلبات المعيشة، معتبرا أنه "بالإمكان تسمية العام 2023، بعام الفقر والجوع في سوريا".
ويقول إن السوريين "على وشك الهاوية"، معتبرا أن رفع الأجور لن يُسهم في كبح التضخم الجامح الذي يسود الأسواق، لأن "رفع الرواتب يعني زيادة الكتلة النقدية وبالتالي المزيد من رفع الأسعار بسبب شح المنتجات والسلع".
ويوضح العبود أن "الأسعار زادت بعد علاوة الرواتب التي أقرها النظام بنسبة 100 في المئة في آب/أغسطس الماضي بنسبة أكبر من الزيادة على الرواتب".
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى استقرار سعر صرف الليرة "نسبيا" بعد الزيادة (نحو 14 ألف ليرة للدولار الأمريكي)، ويقول إن "ارتفاع أسعار المواد الغذائية يستمر رغم استقرار الليرة، وهذا يعني أن الليرة تفقد قيمتها الشرائية، وأن التسعيرة الحالية ليست حقيقية، بل هي نتيجة سياسات النظام الأمنية، والقوانين الصارمة".
ما أسباب ارتفاع أسعار الغذاء؟
وإلى جانب تدهور قيمة الليرة، يشير العبود إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي المحلي، وهجرة الأموال والشباب من سوريا، نتيجة فقدان الأمل وحالة عدم الاستقرار.
أما الخبير الاقتصادي سمير طويل فيقول لـ"عربي21"، إن "الاقتصاد السوري لم يتعاف منذ العام 2011، وحتى الآن"، ويضيف أن "النظام لم ينجح في جذب استثمارات خارجية، بل فشل أيضا في الحفاظ على الاستثمارات المحلية، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال هجرة الصناعيين والمزارعين".
ويحمل الخبير النظام مسؤولية هجرة أصحاب رؤوس الأموال، مؤكدا أن "دعم النظام لأمراء الحرب وطبقة أثرياء الحرب، أدى إلى تحكم هذه الطبقة بالحالة الاقتصادية، وتراجع القدرة الشرائية للسوريين".
من جانب آخر لفت طويل إلى التضخم الذي يسود العالم بأثره، وقال: "لكن ما نشاهده في سوريا أن نسبة التضخم فيها مرتفعة جداً، بسبب عدم قدرة النظام على دعم أسعار المواد الأساسية، وأيضاً بسبب تحكم طبقة "أثرياء الحرب" بالاقتصاد، دون رقابة".
وبالفعل، أشارت محامية من مدينة حلب لـ"عربي21" إلى عدم وجود أي ضوابط للأسعار، متحدثة عن فروقات كبيرة في الأسعار في المنطقة ذاتها وعن غلاء دائم، وقالت: "يستحيل أن تشتري أي سلعة بالسعر السابق، حتى لو كان فارق عملية الشراء أقل من أسبوع".
وتابعت المحامية التي فضلت عدم نشر اسمها، بالإشارة إلى "عجز وحرمان" غالبية السوريين عن تأمين الغذاء، وقالت: "حتى سندويشة الفلافل ارتفعت من 3 إلى 7 آلاف ليرة سورية، وهذا يعني أن العائلة الكبيرة تحتاج إلى أكثر من نصف راتب الشهر لتناول وجبة فلافل واحدة في اليوم".
ووصفت أسعار الخضار بـ"النار"، موضحة أن سعر كيلو البندورة ارتفع في غضون الأيام الأخيرة إلى أكثر من 7 آلاف ليرة بعد أن كان سعرها في بداية العام لا يتجاوز الـ1500 ليرة، وقالت: "إن الطبخة الواحدة صارت تُكلف أكثر من 125 ألف ليرة سورية، أكثر من نص راتب، ولذلك الغالبية يشترون الخضار بالحبة الواحدة".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أكد تقرير أممي صادر عن برنامج الأغذية العالمي ارتفاع سلة الغذاء المرجعية في سوريا بنسبة تزيد على الـ100 في المئة منذ مطلع العام الحالي 2023، وثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي.
يذكر أن برنامج الغذاء العالمي كان قد حذر في وقت سابق من العام الجاري، من أن 70 في المئة من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم، مؤكدا أنه "بعد 12 عاما من الصراع، فإن هناك 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، وإن 2.9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع".