نشرت
صحيفة "
وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرًا، تحدثت فيه عن تمديد المملكة
العربية
السعودية لخفض إنتاج
النفط قدره مليون برميل يوميًا.
وقالت
الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن السعودية تقود بشكل متزايد استراتيجية لإنتاج النفط تتعارض مع الأعضاء الآخرين في منظمة البلدان المصدرة للبترول
"
أوبك"، وذلك لتعزيز الأسعار في محاولة لتمويل مشاريع التنمية الطموحة في
المملكة.
وبحسب
الصحيفة؛ فإنها وإن كانت هذه الاستراتيجية تعمل في الوقت الحالي، حيث ارتفعت أسعار النفط
بشكل مطرد في الأسابيع الأخيرة، فإن تحركات السعودية الأحادية لخفض الإنتاج تحمل مخاطر
كبيرة على المدى الطويل بتقسيم المنظمة إذا استدرجت الرياض منتجين أصغر آخرين إلى الانضمام
إلى قرار التخفيض، وفقًا لمحللين في الصناعة وآخرين على دراية بالشؤون الداخلية لـ"أوبك".
وأشارت
الصحيفة إلى أن أعضاء "أوبك" وحلفاءها بقيادة روسيا اجتمعوا بشكل افتراضي
يوم الجمعة 4 آب/ أغسطس لمناقشة آفاق الطلب على النفط، ما سيساعد المنظمة على التخطيط
لاستراتيجيتها الإنتاجية في الأشهر المقبلة.
في هذا
الشأن؛ قالت الرياض يوم الخميس الماضي إن المملكة ستمدد خفض إنتاج مليون برميل نفط
يوميًا حتى أيلول/ سبتمبر بعد خفض الإنتاج بنفس الكمية في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس،
في محاولة لدعم الأسعار. وهو القرار الذي يُظهر مدى استعداد السعودية لاتخاذ إجراءات
أحادية الجانب يمكن أن تفيدها.
وعلى
هذا الأساس؛ أعلنت السعودية الخفض الطوعي للإنتاج بعد اجتماع ناري في مقر "أوبك"
في فيينا في حزيران/ يونيو المنصرم. وقال مندوبون في "أوبك" إن العديد من
المنتجين - وخاصة من أفريقيا - رفضوا إصرار السعودية على خفض حصصهم وسط مخاوف من تباطؤ
الطلب العالمي على الطاقة.
ووفق
الصحيفة؛ تريد السعودية - أكبر مصدر في "أوبك" - إبقاء أسعار النفط عند المستويات
التي تحتاجها لتمويل خطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة
المعتمد على النفط، إذْ إن مبيعات النفط هي أكبر مصدر دخل للحكومة السعودية.
وأضافت
الصحيفة أن المجموعة الأوسع المكونة من 23 عضوًا أو "أوبك+"، تمثل ما يقرب
من نصف إنتاج النفط في العالم، ويتم تخصيص حصة إنتاج لكل عضو في هذه الكارتل. ويقول
بعض أعضاء "أوبك" ومحللون إن خفض الحصص يمكن أن يضغط على المدى الطويل على
إيرادات المنتجين الصغار الذين كثيرًا ما يواجهون تحديات في زيادة الإنتاج مرة أخرى.
حيال
ذلك؛ قال مندوبون إن قرار السعودية بخفض الإنتاج طوعًا ساعد في منع اجتماع حزيران/
يونيو من الانهيار التام؛ حيث وافق آخرون في المجموعة على التمسك بأهداف الإنتاج الحالية،
في حين يقول بعض أعضاء المنظمة ومحللون إن ارتفاع أسعار النفط في تموز/ يوليو يعني
أن أعضاء الكارتل ينسّقون معًا في الوقت الحالي.
ويشرح
هومايون فلكشاهي، كبير محللي النفط في شركة بيانات السلع "كبلر" قائلًا:
"اجتماع حزيران/ يونيو كان نقطة تحول. هذه الاستراتيجية تعمل في الوقت الحالي
لأن الأسعار مرتفعة".
ولفتت
الصحيفة إلى أن خام برنت - معيار النفط الدولي - ارتفع بقوة مرة أخرى فوق الـ80 دولارًا
للبرميل بعد أن قفزت أسعاره بنسبة 13 بالمئة في تموز/ يوليو الفائت، وهو أكبر مكسب
شهري له في عام ونصف. وارتفع بنسبة 0.5 بالمئة إلى 85.61 دولار للبرميل في وقت مبكر
من يوم الجمعة، مستفيدًا من المكاسب الأخيرة بعد أن قالت السعودية وروسيا إنهما ستواصلان
جهودهما للإبقاء على إمدادات الخام شحيحة.
وبحسب
الصحيفة؛ فلطالما كانت السعودية رائدة "أوبك" "بحكم الواقع" بفضل
الاستثمارات الكبيرة في الطاقة والقدرة على إبقاء كميات كبيرة من الإنتاج مخزنة وإعادة
فتحها بسلاسة. وقد بدأ هذا الأمر في السبعينيات، وعلى مر العقود، أبقى السعوديون المجموعة
متماسكة إلى حد كبير من خلال التأكد من أن كل عضو يشعر بأن له كلمته، لكن في عهد وزير
الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان فيبدو أن هذا الأمر يتغير الآن.
وبينت
الصحيفة أن مسؤولي "أوبك" من العديد من الدول الأعضاء يقولون إن التوترات
لا تزال مرتفعة بشأن الأساليب الاستبدادية في المملكة، وليس فقط بشأن خطط الإنتاج.
وتثير
تكتيكات السعودية القلق بين بعض الأعضاء، الذين لا يوافقون على نهجها الصارم، ما قد
يمهد الطريق أمام المجموعة للانقسام أو أن يتحدى آخرون قيادة المملكة علنا.
وقال
بعض الأعضاء إنهم أعربوا بالفعل عن استيائهم من قرار المنظمة غير المعتاد بقيادة الأمير
عبد العزيز، برفض دعوة المراسلين من "بلومبيرغ" و"رويترز" لحضور
اجتماع حزيران/ يونيو، كما أنه تم أيضًا استبعاد مراسلي "وول ستريت جورنال" الذين
يعملون لصالح "أوبك" بينما مراسلوها الآخرين تلقوا دعوات.
وأشارت
الصحيفة إلى أن وزارة الطاقة السعودية تضغط على "أوبك" لتعيين المتحدث باسمها
الحالي كرئيس للعلاقات الإعلامية للمنظمة، كما يقول أشخاص مطّلعون على الأمر، وهو ما
سيمنح الرياض - في نظرهم - سيطرة أكبر على المنظمة.
وتسيطر
المملكة بالفعل على قسم الأبحاث في منظمة "أوبك"، والذي يقوده سعودي يحدد
تقييمها للسوق ومقدار ما يجب ضخه. وقالت مصادر مطّلعة إن الرياض ضغطت أيضا على المنافذ
التجارية التي تتعقب إنتاج "أوبك" وصادراتها للامتثال لتقديراتها الخاصة،
فيما لم ترد وزارة الطاقة السعودية والمتحدث باسم "أوبك" على طلبات للتعليق.
وتابعت
الصحيفة قائلة إن الأمير عبد العزيز، بصفته وزير الطاقة السعودي، يرسم مسارًا لإبقاء
الأسعار فوق مستوى الـ80 دولارًا للبرميل، والذي يرى المحللون أن المملكة بحاجة إليه لتمويل
خطط الإصلاح الاقتصادي لأخيه غير الشقيق، ولي العهد محمد بن سلمان.
وشرع
الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة، في حملة تنموية موسعة في الداخل، حيث أطلق مشاريع
كبيرة لدرجة أن السعوديين أطلقوا عليها اسم المشاريع الضخمة. ومع وصول أسعار النفط
إلى 100 دولار للبرميل العام الماضي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد عجّلت المملكة
من تلك الجهود.
في غضون
ذلك؛ قام مستشارون اقتصاديون سعوديون في الأشهر الأخيرة عبر جلسات خاصة، بتحذير كبار
صانعي السياسات من أن المملكة بحاجة إلى ارتفاع أسعار النفط للسنوات الخمس المقبلة
لمواصلة إنفاق مليارات الدولارات على مشاريعها. لكن من غير الواضح كيف ستؤثر تخفيضات
الإنتاج أحادية الجانب في نهاية المطاف على الإيرادات السعودية. فبينما ارتفعت أسعار
النفط إلى أعلى مستوى لها في ثلاثة أشهر، وضع الخفض إنتاج المملكة العربية السعودية
عند تسعة ملايين برميل يوميًا، وهو المستوى الأدنى منذ حزيران/ يونيو 2021.
وأظهرت
بيانات حديثة من الهيئة العامة للإحصاء أن صادرات النفط السعودية تراجعت بالفعل بنحو
40 بالمئة في أيار/ مايو الماضي، مقارنة بالفترة نفسها قبل عام. وقالت الهيئة إن قيمة
صادرات النفط تراجعت إلى 72 مليار ريال سعودي، أو نحو 19.2 مليار دولار، مقابل
115.5 مليار ريال العام الماضي. في وقت تظل فيه أي معارضة ضد تحركات المملكة حتى الآن سرية
إلى حد كبير، حيث فقدت معظم الدول التي تنافست مع الرياض في السابق نفوذها.
على
سبيل، كانت فنزويلا وإيران من أشد المنتقدين للمملكة وفي بعض الأحيان وقفتا ضد مقترحاتها،
لكن إنتاجهما تعطل بسبب سنوات من العقوبات، ما جعلهما غير قادريْن على التأثير على
قرارات المنظمة، كما شهدت الجزائر ونيجيريا، وهما وسيطا قوة تاريخيان آخران في المجموعة،
تراجع إنتاجهما بسبب سنوات من نقص الاستثمار.
بالإضافة
إلى ذلك، فقد فقدت روسيا، التي تقود مجموعة من الدول المتحالفة مع "أوبك" منذ
2016، الكثير من نفوذها بسبب العقوبات الغربية في أعقاب غزوها لأوكرانيا. في حين أن من
المحتمل أن تظل
الإمارات أكبر تهديد للهيمنة السعودية في التحالف، حيث ضغطت أبو ظبي
بشدة في السنوات الأخيرة من أجل تخصيص إنتاج أكبر مع زيادة الطاقة الإنتاجية.
وختمت
الصحيفة تقريرها بالقول إنه عندما أعلنت "أوبك+" بعد اجتماع حزيران/ يونيو
عن تعديلات على الأهداف الجماعية التي من شأنها أن تخفض الإنتاج الإجمالي للمنظمة العام
المقبل، فقد تحملت روسيا، إلى جانب 3 دول أفريقية هي نيجيريا وأنغولا وجمهورية الكونغو،
عبء تلك التخفيضات، بينما تحملت الإمارات العبء الأكبر، ويقول محللون وخبراء في سوق
الطاقة إن الهدنة قد تكون مؤقتة وسط التنافس المتزايد بين الأمير السعودي محمد بن سلمان
والحاكم الإماراتي الشيخ محمد بن زايد على السيادة الإقليمية.