تشهد
العملة اليمنية منذ
أيام انهيارا جديدا في قيمتها أمام العملات الأجنبية، وسط عجز تام من الحكومة المعترف
بها، حيث تجاوز سعر صرف الدولار حاجز الـ 1450 ريال يمني.
وأثار هذا التدهور أسئلة
عدة عن خيارات مجلس القيادة الرئاسي الحاكم والحكومة التابعة له، للتعامل مع تطورات
الحالة
الاقتصادية، وانهيار سعر العملة الوطنية، في ظل تعالي الأصوات المنتقدة للمجلس.
"دوافع سياسية"
وفي السياق، أرجع البنك
المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، أسباب تدهور قيمة العملة المحلية إلى "دوافع
سياسية"، كما ألقى باللوم على جماعة الحوثيين، واتهمها بشن حرب اقتصادية ضد المحافظات
التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها، جنوب وشرق البلاد.
وفي اجتماع استثنائي عقده
البنك المركزي، الأربعاء، أكد على "تشديد الإجراءات المتخذة من قبل الإدارة التنفيذية
للبنك، والتعامل بصرامة مع المتماهين مع عمليات المضاربة؛ بهدف الإضرار بمعيشة الناس، والتأثير على الاستقرار في البلد.
كما أقر المصرف المركزي
"تنفيذ العديد من الإجراءات العقابية والتنظيمية الإضافية في إطار القوانين والتعليمات
النافذة".
وطالبت قيادة البنك المركزي
في بيان، مجلس القيادة الرئاسي الحاكم والحكومة التابعة له "بتوفير المناخ المناسب
للاستقرار الاقتصادي، بما في ذلك إعادة تعبئة الموارد العامة للدولة، وتخطيط إنفاقها، واقتصار الإنفاق على ما يتوفر من موارد وتمويل غير تضخمي".
كما حث "جميع الجهات
محلية ومركزية باحترام استقلالية البنك المركزي، وعدم التدخل في شؤونه أو التدخل في
نطاق صلاحياته، باعتبار أن أي تدخل -أياً كان نوعه ومهما كان هدفه- تدخل غير مقبول وإرباك لإجراءات البنك المركزي بالتعامل مع أي تجاوزات من قبل شركات الصرافة أو القطاع البنكي
بموجب أحكام القانون والمعايير والتقاليد المصرفية بعيداً عن الإجراءات العشوائية التي
لا تستند إلى أي أسس قانونية أو معايير مصرفية أو اقتصادية".
ونوه إلى أن هناك استجابة
سريعة من السعودية لدعم الشعب اليمني في هذا الظرف الصعب، مثمنا هذا الموقف الذي اعتبره
"ثابتا من ثوابت المملكة تجاه أشقائها في كل المراحل، خاصة الأوقات الاستثنائية
والعصبية التي مر ويمر بها اليمن.
ما خيارات الحكومة؟
وبشأن خيارات المجلس الرئاسي
أمام هذا التدهور في قيمة الريال اليمني وتبعاته على أوضاع المواطنين في المحافظات
التي يسيطر عليها، قال الباحث والصحفي الاقتصادي اليمني محمد الجماعي إن الخيارات أمام
الحكومة كثيرة، لكنها غير متاحة؛ بسبب الحصار المحلي والإقليمي الذي تواجهه كثمن باهظ
- كما يبدو - للممانعة التي تبديها إزاء مرجعيات الحل النهائي للأزمة اقتصاديا.
وأضاف الجماعي في حديث لـ"عربي21"
أنه وفي وضعها الحالي ما يزال بإمكانها اتخاذ إجراءات رغم انقطاع الموارد
النفطية والغازية
وتشتت مواردها المحلية بين كماشة المليشيات الحوثية والمشاريع الجهوية في إطار الشرعية؛
منها "تنفيذ ما هددت به من قبل بخصوص تحويل تحويلات المغتربين عبر مركزي عدن وبنوكها
التجارية، وحصيلتها سنويا تتجاوز ٣ مليارات دولار".
ومن الخيارات وفقا للباحث
الاقتصادي اليمني "تشغيل مصفاة عدن، والاستفادة منها في تكرير النفط المحلي؛ للاستغناء
عن استيراد المشتقات بالعملة الصعبة ومنع استيراد الكماليات".
وتابع الجماعي بأنه
"يجب ألا تبقى الحكومة مكتوفة اليد واللسان إزاء تأخر التزامات الأشقاء في الوفاء
بالمنح والودائع، وإزاء تجاهلها حماية الموانئ النفطية والغازية من قصف المليشيات الحوثية،
والضغط من أجل منع سفن النفط التي تصل إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثي من باب
الضغط والمعاملة بالمثل".
"فساد وتبديد إيرادات"
من جانبه، قال المتحدث باسم
جماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، إن الانهيار الاقتصادي في المناطق التي وصفها بـ"المحتلة"
(الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية) هو نتيجة طبيعية للعدوان والحصار والصراع بين أجندة
متباينة يرعاها الخارج ويشجعها.
وأضاف عبدالسلام وفق ما
نقلته قناة "المسيرة" المملوكة للجماعة، أن الانهيار الاقتصادي مرده "اتساع
الفساد وتبديد الإيرادات، والإجراءات التعسفية التي طالت الملف الاقتصادي من قبل دول "العدوان" ومرتزقتهم"، في إشارة
إلى التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة التي تدعمها.
وأشار القيادي الحوثي إلى
أن "ما يحتاجه الاقتصاد في بلدنا لرفع معاناة شعبنا اليمني هو تخصيص الإيرادات
النفطية والغازية لمعالجة مشكلات الشعب الاقتصادية وفي مقدمتها المرتبات، وإبعاد كل
ما له علاقة بالوضع الاقتصادي عن الابتزاز السياسي لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية".
"الأوضاع مرشحة للانهيار"
الصحفي الاقتصادي، وفيق
صالح قال إنه في ظل المؤشرات الحالية وعدم تحرك المجلس الرئاسي واتخاذ إجراءات سريعة
نحو إصلاح الوضع الاقتصادي وتفعيل صادرات النفط الخام والغاز المسال، وكذلك إصلاح المنظومة
المصرفية، فإن الأوضاع ستظل مرشحة للانهيار والأوضاع المعيشية ستشهد المزيد التدهور.
وتابع صالح في حديثه لـ"عربي21"
أن حجم الاختلالات التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني كبيرة، والتحديات المالية تتضاعف
يوماً بعد آخر، وبالتالي لا بد من تحركات على كافة المستويات، بدءاً من استئناف تصدير
النفط الخام والصادرات الأخرى، ووضع برامج إصلاحات سريعة في مختلف القطاعات والمؤسسات
الحكومية.
وحسب الصحفي اليمني الاقتصادي، فإنه إذا توفرت الإرادة لدى المجلس الرئاسي، فإن يستطيع احتواء تدهور الأوضاع الاقتصادية، من خلال تفعيل الصادرات والسيطرة على الموارد المحلية والقطاعات الحيوية، وحشد الدعم
الخارجي للبنك المركزي، وتفعيل الموازنة العامة للدولة، والعمل وفق خطة تقشفية لتقليص
المدفوعات الخارجية من النقد الأجنبي، وإصلاح الاختلالات التي تصاحب عملية الإنفاق
على الخدمات الأساسية مثل قطاع الكهرباء.
وأضاف أن الجانب الأهم هو
"عودة المسؤولين كافة إلى الداخل، وصرف رواتبهم بالعملة المحلية، والتوجه نحو سحب
القطاعات الاقتصادية الحيوية من تحت سيطرة مليشيا الحوثي، مثل موارد الاتصالات وضرائب
كبار المكلفين والإيرادات الجمركية".
ويواجه اليمن، الذي يعاني
أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفقا للأمم المتحدة، ضغوطا وصعوبات مالية واقتصادية غير
مسبوقة؛ بسبب تراجع إيرادات النفط، التي تشكل 70% من إيرادات البلاد، وكذلك توقف جميع
المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة.
ويكافح المركزي اليمني المتمركز
في مدينة عدن (العاصمة المؤقتة) لسداد أجور القطاع العام التي يعتمد عليها كثير من
اليمنيين، في ظل تناقص الاحتياطيات النقدية الأجنبية، وتوقف تصدير النفط إلى الخارج؛ بسبب تهديدات جماعة الحوثي باستهداف سفن نقل الخام حال اقترابها من الموانئ النفطية
شرق البلاد.
وخسر الريال اليمني أكثر
من 500 في المئة من قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ اندلاع الحرب مطلع 2015، وتسبب
في زيادات حادة للأسعار، وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء بعض السلع الأساسية، لتزيد
الأوضاع المعيشية للمواطنين تفاقما، خصوصا مع توقف صرف مرتبات الموظفين الحكوميين منذ
أكثر من 8 سنوات في شمال اليمن.