أثار
توقيع
العراق وقطر "إعلان النوايا المشترك" تساؤلات عدة عن طبيعة الاتفاق
المبرم، وكيفية انعكاسه على مستقبل العلاقة بين بغداد والدوحة، في ظل استثمارات في
مختلف المجالات وقعتها الأخيرة مع بغداد، والتي تقدر في مجموعها بنحو 7 مليارات دولار.
جاء
ذلك في إطار زيارة استمرت لساعات عدة أجراها أمير دولة
قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني
إلى العاصمة العراقية بغداد، الخميس، التقى خلالها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني،
وفق ما أفادت به وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع".
ونقلت
عن المتحدث الحكومي باسم العوادي قوله إن "العراق وقطر وقّعا إعلان نوايا مشتركا
تضمّن 6 بنود، تناولت التنسيق والتشاور السياسي والأمني والبيئي في القضايا ذات الاهتمام
المشترك، وتوسيع آفاق التعاون الاستثماري والتجاري بما يشمل مجال الطاقة".
"انعكاس
إيجابي"
من جهته،
قال أستاذ الإعلام في العراق الدكتور غالب الدعمي لـ"عربي21" إن "الدوحة
علاقتها مع بغداد إيجابية، وهذا يعود إلى السنوات التي تحسنت فيها علاقة قطر مع إيران،
إضافة إلى أن الدولة الخليجية هذه كانت بعيد عن الدعايات السابقة بوصفها عدوّة للعراق".
وأشار
إلى أن "زيارة أمير قطر بثقله السياسي والاقتصادي التأثيري في المنطقة، وإبرام
اتفاق النوايا المشترك، بالتأكيد سيخدم العراق، لأنها دولة متقدمة جدا في مجال استثمار
الغاز".
وتابع:
"إذا استطاعت الحكومة العراقية توفير أجواء آمنة للشركات القطرية، فإن العراق
بإمكانه أن يصدر الغاز خلال ثلاث سنوات، مع هذه الفرص الاستثمارية العشرة التي منها
تسعة في محافظة الأنبار".
وأكد
الدعمي أن "العراق بذلك سيصبح من المصدرين المعتد بهم في العالم، كونه يمتلك كميات
كبيرة من الغاز الحر، وهذا بالتالي يخدم دول أوروبا، لذلك فإن زيارة أمير قطر مهمة
في هذا الجانب".
وتوقع
الخبير العراقي أن "خارطة سياسية جديدة ترسم في المنطقة، فهذه الزيارة المهمة
لها أهداف عدة وليس هدف واحد، وربما يكون محليا وإقليميا، سياسيا واقتصاديا، وكذلك
فإن علاقة قطر بتركيا وهذا لصالح العراق".
وفي
السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية العراقي الدكتور معتز النجم إن "أهمية
الاتفاق السياسي مع قطر يعود إلى امتلاكها
علاقات إقليمية مع دول لديها تأثير سياسي
في العراق، وتحديدا إيران، إضافة إلى الجانب الاقتصادي فإن الدوحة لديها خبرة طويلة
في إنتاج الغاز".
وأوضح
في حديث لـ"عربي21" أن "العراق اليوم يشهد تنوعا في مصادر الطاقة من
خلال البرنامج الحكومي، وأعتقد أنه مقبل على مرحلة جديدة للانتقال من النفط إلى تصدير
الغاز الطبيعي، وهناك إجماع دولي لأن يكون البلد محطة استقرار".
ورأى
النجم أن "الحرب الروسية الأوكرانية انعكست بشكل إيجابي على العراق بسبب ارتفاع
أسعار النفط والمكاسب المالية المتحققة، وهذا كان واضحا من خلال إقرار الموازنة الأخيرة".
وأشار
إلى أن "هناك مرحلة جديدة في طبيعة العلاقات الخارجية العراقية، لكن لابد أن تبنى
بشكل مؤسسي لأن العراق يفتقد إلى أساس هرمي في التعامل مع السياسات، وذلك بسبب اتباع
نهج إلغاء ما قدمه الآخر".
وأوضح
النجم أن "رئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي هو من مهد لمثل هذه السياسات، واليوم
السوداني يكمل ذلك، وإذا أتى شخص آخر بعده لرئاسة الوزراء فعليه أن يستمر في ذات المنوال
للوصول إلى مرحلة التكامل السياسي والاقتصادي".
صورة
لافتة
وكان
لافتا خلال زيارة أمير قطر، عدم تواجد أي من القيادات الشيعية في مأدبة عشاء أقامها
رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على شرف الأول، وحضرها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي،
ورئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني، وزعيم تحالف السيادة السني، خميس الخنجر،
ونجله سرمد.
وتعليقا
على ذلك، قال الدعمي إن الصورة التي جمعت أمير قطر بالسوداني ونيجيرفان البارزاني،
والحلبوسي، والخنجر، ونجله، لها دلالات واضحة أن الشيخ تميم بثقله مع هؤلاء، "واعتقد
أن ذلك سيخفف من لهجة الإطار التنسيقي ضد الحلبوسي".
وصدرت
دعوات مؤخرا من شخصيات سياسية ومحللين محسوبين على قوى الإطار التنسيقي تطالب بإقالة
الحلبوسي من رئاسة البرلمان، لاتهامات تتعلق بالفساد المالي في محافظة الأنبار.
وبيّن
الدعمي أن "السوداني يمثل القوى الشيعية، والبارزاني عن الأكراد، والحلبوسي يمثل
السنة سياسيا، وحضور الخنجر وابنه، يشير إلى الدعم القطري الواضح لأن يتزعموا المشهد
السياسي السني".
من جانبه،
رأى النجم أن "الخنجر له علاقات قوية مع قطر، وأن تواجد نيجيرفان البارزاني يبعث
برسالة مفادها بأن هناك شبه إجماع على التعاون وجلب الاستثمارات القطرية إلى الإقليم
والعراق عموما".
ورأى
أن "غياب القيادات الشيعية عن لقاء أمير قطر، ربما يفسره وجود السوداني الذي يمثل
مجمل قوى الإطار التنسيقي، وحتى إذا كانت خلافات داخلية مع بعض القيادات فهي لن تظهر
إلى العلن".
وأردف:
"بالتالي هم مجبرون على القبول بدعم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في التعامل
مع القضايا الداخلية والخارجية من أجل الوصول إلى مرحلة الأمن السياسي لقوى الإطار
التنسيقي، وهذا يتوجب عدم إثارة أي مشاكل في التعاطي مع مثل هذه الملفات".
وكان
أمير قطر قد أكد خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيس الوزراء العراقي في بغداد، أن
المباحثات مع السوداني شملت المبادرات الإقليمية لتعزيز العلاقات بين دول المنطقة،
ومن بينها مشروع الربط الكهربائي.
وأشار
إلى أنّ الجانبين بحثا آخر التطورات في المنطقة، وضرورة تغليب لغة الحوار، لافتا إلى
مواصلة دعم العراق والشعب العراقي في تحقيق تطلعاته في تعزيز الأمن والتنمية.
بدوره،
قال السوداني في المؤتمر الصحفي، إن "العراق استعاد مكانته الطبيعية ودوره في
المنطقة، وهو مستعد للعمل لتحقيق السلام والازدهار"، مشيرا إلى استضافة بلاده
أواخر العام "مؤتمر بغداد 2023 للتكامل الاقتصادي والاستقرار الإقليمي".
وأضاف
أن "العراق يملك احتياطيا نفطيا يصل إلى 145 مليار برميل"، معربا عن رغبة
بلاده "باستثمارات متبادلة مع الأشقاء وخاصة في قطر، وأنه بحث مع الأمير تميم
"الفرص الاستثمارية في البناء والإعمار داخل العراق، ومشاركة الشركات القطرية
بمشاريع البنى التحتية".