أضاف مرشح تحالف الطاولة السداسية المعارض، كمال
كليتشدار أوغلو، الأحد
الماضي، حلقة جديدة لسلسلة هزائمه أمام منافسه، رئيس الجمهورية التركية رجب طيب
أردوغان، حين تمت عملية فرز الأصوات في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية وتأكد
فوز مرشح تحالف الجمهور برئاسة الجمهورية من جديد.
الأحزاب التي دعمت كليتشدار أوغلو قبلت النتائج غير الرسمية، واعترفت بفوز
أردوغان، إلا أنها وصفته بـ"فوز بطعم الهزيمة"، حتى لا يؤدي هذا
الانتصار إلى زلازل تُسقط رؤساء أحزاب الطاولة السداسية. كما أن مشاهير منتمين إلى
حزب الشعب الجمهوري عزوا انتصار أردوغان إلى أسباب مختلفة لتخفيف ألم الهزيمة،
كادعائهم بأن التنافس الديمقراطي جرى في ظروف غير عادلة، وأن تصويت السوريين
والعرب المجنسين لصالح أردوغان رجّح كفة رئيس الجمهورية، كما أنهم اتهموا الشعب
التركي بالجهالة لعدم انتخابه كليتشدار أوغلو رئيسا للبلاد.
هناك مرض مزمن يعاني منه حزب الشعب الجمهوري، ولا يمكن أن يفوز في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، حتى لو فاز في بعض المدن في الانتخابات المحلية لأسباب لا تخفى على المتابعين للشأن التركي؛ بينها التعالي على عموم الناخبين
قالت ممثلة تركية شهيرة، لا داعي لذكر اسمها، في تعليقها على نتائج
الانتخابات، إن المؤيدين لرئيس حزب الشعب الجمهوري أخطأوا حين "استخفوا بجهالة
الشعب التركي". إلا أن هذا التبرير المخالف لروح الديمقراطية ما هو إلا هروب
من الاعتراف بالهزيمة المدوية، كما أنه لا يمت للواقع بصلة، بل ويدل على أن
المعارضة ما زالت تكابر وتصر على أخطائها، وبعيدة عن قراءة النتائج بشكل صحيح
لتستفيد منها في الانتخابات القادمة.
هناك مرض مزمن يعاني منه حزب الشعب الجمهوري، ولا يمكن أن يفوز في
الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، حتى لو فاز في بعض المدن في الانتخابات
المحلية لأسباب لا تخفى على المتابعين للشأن التركي؛ بينها التعالي على عموم الناخبين،
واحتقارهم، والنظر إليهم على أنهم "جَهَلة يحتاجون إلى التعليم والتنوير".
وبسبب هذه العقلية المرضية، يعتبرون من يدعمهم "متعلما ومتنورا ومؤمنا
بالعلوم" حتى لو كان من أجهل الناس، كما يرون من لا يدعمهم "جاهلا وظلاميا"
حتى لو كان متخرجا من أعرق الجامعات ومؤلفا لعدة كتب ومقالات أكاديمية.
المعارضة التركية انهزمت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لأنها استخفّت
بعقول الناخبين ووعيهم ووطنيتهم، وظنت أنهم سيغيرون لون أصواتهم بسبب ارتفاع أسعار
البصل أو بعد مشاهدة مقاطع الفيديو التي سجلها كليتشدار أوغلو في مطبخ متواضع
للغاية وكأنه مطبخ بيته. ولم تدرك أن مثل هذه الحركات الدعائية الرخيصة لا تنطلي
على المواطنين، وأنهم يعرفون جيدا أن أسعار البصل ستتراجع بشكل كبير بُعيد
الانتخابات، كما حصل، وأن ذاك المطبخ الذي سجّل فيه مرشح تحالف الطاولة السداسية
مقاطعه ليس مطبخ بيته، بل هو استوديو لإحدى الوكالات تم تصميمه ليبدو المتكلم فيه وكأنه
من الناخبين الفقراء ويشعر بمعاناتهم الاقتصادية.
تحالف الطاولة السداسية لم يحاول أن يخدع الناخبين من مؤيدي الأحزاب الداعمة لأردوغان فحسب، بل خدع أيضا أنصاره متعمدا، من خلال استطلاعات رأي مفبركة تظهر تقدم كليتشدار أوغلو على أردوغان، كما أن قادة المعارضة كذبوا حتى اللحظة الأخيرة، وأكدوا في تصريحاتهم أن رئيس حزب الشعب الجمهوري سيفوز، رغم يقينهم بأن جميع المؤشرات تشير إلى خلاف ما يقولون
مرشح المعارضة بنى حملته الانتخابية على التظاهر، ولم يخرج أمام الناخبين
كما هو، بل حاول أن يُظهر نفسه كزعيم سياسي ينتمي إلى آل بيت النبي صلى الله عليه
وسلم، ويحترم الإسلاميين والمتدينين، ظنا منه أنه بهذا التظاهر يمكن أن يحصل على
نسبة من أصوات الناخبين المحافظين من مؤيدي حزب العدالة والتنمية وأحزاب اليمين.
كما أنه بعد صدور نتائج الجولة الأولى بدأ يرفع شعارات القوميين والعنصريين، ليقول
إنه سيطرد اللاجئين السوريين وسيقضي على كافة أشكال الإرهاب.
كليتشدار أوغلو ظن أنه يمكن أن يضحك على الناخبين القوميين وأن يخفي تحالفه
مع الموالين لحزب العمال الكردستاني، من خلال التحالف مع رئيس حزب النصر أوميت
أوزداغ. ويبدو أنه خُيّل إليه أن بإمكانه أن يقنع الناخبين الذين ينتقدون تحالفه
مع الانفصاليين الأكراد، بأن تصريحات قادة المنظمة الإرهابية التي يدعون فيها إلى
دعم رئيس حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية لإسقاط أردوغان، يقف وراءها منافسه
رئيس الجمهورية ليشوه سمعته، وأنهم سيصدقون ما يقوله دون أن يسألوا: "لماذا،
إذن، صوت الناخبون لك في قلاع حزب الشعوب الديمقراطي؟".
تحالف الطاولة السداسية لم يحاول أن يخدع الناخبين من مؤيدي الأحزاب
الداعمة لأردوغان فحسب، بل خدع أيضا أنصاره متعمدا، من خلال استطلاعات رأي مفبركة
تظهر تقدم كليتشدار أوغلو على أردوغان، كما أن قادة المعارضة كذبوا حتى اللحظة الأخيرة،
وأكدوا في تصريحاتهم أن رئيس حزب الشعب الجمهوري سيفوز، رغم يقينهم بأن جميع
المؤشرات تشير إلى خلاف ما يقولون.
المعارضة التركية لا يمكن أن تحصل على ثقة الشعب التركي من خلال التظاهر
بأنها تغيرت، بل يجب أن تتغير لتصبح معارضة وطنية غير مستعدة للتنازل عن أمن
البلاد واستقرارها ومصالحها من أجل مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما
أن
تركيا بحاجة ماسة إلى معارضة مستقلة لا تتلقى أوامر وتعليمات من سفارات الدول
الأخرى، ولا تسعى لإعادة البلاد إلى الوراء، بل تخطط لنقلها إلى مزيد من التقدم
والازدهار، وتتعهد بمواصلة مكافحة الإرهاب الانفصالي، وحماية حقوق تركيا في الوطن
الأزرق وكافة الأصعدة والمجالات.
twitter.com/ismail_yasa