طرح وزير
الصحة
المصري تصورا حكوميا بفرض نسبة مئوية يتحملها المرضى من تكاليف
العلاج على نفقة
الدولة، في سابقة مالية خطيرة تحدث لأول مرة منذ إصدار القانون 79 لسنة 1975، والذي
ينص على أنه "يسري نظام العلاج على نفقة الدولة على المصريين الذين لا تشملهم
مظلة أي تأمين صحي أو علاجي عام أو خاص".
وظلت تلك المادة مطبّقة في نطاق ضيّق ومحدود حتى نهاية التسعينيات، حيث
بدأت وزارة الصحة في توسيع دائرة إصدار قرارات العلاج على نفقة الدولة وإضافة عدد
أكبر من الأمراض والإجراءات العلاجية، فيما يسمى عملية التكويد وإضافة أكواد
لأمراض وإجراءات طبية جديدة. واستمر تطوير الأداء وتسهيل الإجراءات، حيث تم بعدها إدخال
الرقمنة والتحول الرقمي، خاصة مع بدء التركيز على حل مشكلة قوائم الانتظار التي
تعتمد في أغلبها على تمويل نفقة الدولة.
جاء الطرح الأخير بفرض نسبة مئوية من تكاليف العلاج على المرضى المنتفعين بصورة مفاجئة أحدثت ارتباكا بين جماهير المواطنين من ذوي الدخل المحدود، خاصة مع تزايد الارتفاع في نسبة الفقر بين المصريين
جاء الطرح الأخير بفرض نسبة مئوية من تكاليف العلاج على المرضى المنتفعين
بصورة مفاجئة أحدثت ارتباكا بين جماهير المواطنين من ذوي الدخل المحدود، خاصة مع
تزايد الارتفاع في نسبة الفقر بين المصريين، وكان التبرير الحكومي يوضح أن السبب
هو الرغبة في تنمية الموارد المالية، خاصة بعد ضم نفقة الدولة إلى صندوق مواجهة
الطوارئ الطبية، وذلك حسب ما ورد في بند 5 من مادة 11 من القانون، التي تنص على
"المساهمة
في نفقات علاج المرضى الخاضعين لنظام العالج على نفقة الدولة بما يتفق وأغراض
الصندوق".
تمويل العلاج على نفقة الدولة أصبح من خلال صندوق مواجهة
الطوارئ الطبية وله موارد متنوعة من خارج موازنة وزارة الصحة:
تم إنشاء صندوق
مواجهة الطوارئ الطبية بالقانون
رقم 139 لسنة 2021، وتشمل موارد
الصندوق:
أولا: موارد حكومية مثل:
1- المساهمات المالية الحكومية للعلاج على نفقة الدولة.
2- أرصدة حساب صندوق دعم الدواء.
3- أرصدة حساب صندوق مشروع القضاء على قوائم الانتظار
للمرضى.
4- ما قد تخصصه الموازنة العامة
للدولة لصالح الصندوق.
ثانيا: ضم أرصدة
صناديق أخرى مثل:
1- صناديق وحدات صحة الأسرة في المحافظات.
2- نسبة من حصيلة الحسابات الخاصة في
القطاعات المختلفة في ديوان عام وزارة الصحة.
3- المبالغ المالية المخصصة لصالح صندوق تحسين أداء
العمل في وزارة الصحة وإدارات العلاج الحر في المحافظات.
4- نسبة مئوية من مبيعات الأراضي بهيئة المجتمعات
العمرانية الجديدة.
ثالثا: الهبات والتبرعات من البنك المركزي المصري والبنوك
واتحاد البنوك للصندوق، ومن الأفراد أو الهيئات ويقبلها مجلس الإدارة.
رابعا: نسبة مئوية من سعر بيع مستحضرات التجميل المستوردة، ومحلية
الصنع، ونسبة من سعر بيع المبيدات الحشرية المُعدة للاستخدام في غير الأغراض
الزراعية.
خامسا: فرض رسوم جديدة على المواطنين، مثل:
1- استحداث طابع طوارئ بقيمة عشرة جنيهات على تراخيص
السيارات.
2- واستحداث طابع بقيمة 100 جنيه يُفرض على مصروفات
المدارس والجامعات الخاصة والدولية لصالح الصندوق.
3- فرض رسم قيمته قرش واحد على كل دقيقة محمول لصالح الصندوق.
يهدف قانون مواجهة الطوارئ الطبية إلى إيجاد آلية مستدامة لتمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل، لا سيما العلاج على نفقة الدولة والقضاء على قوائم الانتظار للمرضى ومنع تراكمها ودعم شراء الأدوية
سادسا: عوائد استثمار أموال الصندوق.
ويهدف قانون مواجهة الطوارئ الطبية إلى إيجاد آلية
مستدامة لتمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج
والتأهيل، لا سيما العلاج على نفقة الدولة والقضاء على قوائم الانتظار للمرضى ومنع
تراكمها ودعم شراء الأدوية، ومواجهة تمويل حالات الحوادث الكبرى والطوارئ والعناية
المركزة والأطفال المبتسرين والحروق، وما يستجد من احتياجات لا تكفي الاعتمادات
المالية المتاحة في موازنة الدولة لتغطيتها.
تمويل العلاج على نفقة الدولة من خلال الصندوق مواجهة الطوارئ الطبية سببه
ضعف الإنفاق الحكومي على الصحة:
أعلن وزير المالية أن الموازنة
العامة للدولة 23/2024 تستهدف زيادة مخصصات الموجهة للقطاع الصحي لتصل إلى 397 مليار
جنيه؛ ولكن هذا ليس رقما معبّرا عن الإنفاق الحكومي المخصص لوزارة الصحة، حيث يتم
ضم مستشفيات الجيش والشرطة والأزهر والهيئات العامة، وبنود أخرى مثل نصيب القطاع الصحي
من فوائد خدمة الدين العام، وخدمات توفير مياه الشرب والصرف الصحي، باعتبارهما
مقومين أساسيين في تحقيق معدلات صحية. وهذا الطرح بالرغم من صحته في تأثير تلك
العوامل على الصحة، إلا أنه لا أحد في العالم يضمها إلى الإنفاق الصحي، ولكن
الواقع هو أن الإنفاق "الحقيقي" على الصحة لا يتجاوز 1.4 في المئة من
الناتج القومي الإجمالي، ولا يفي بالاستحقاقات الدستورية، ويخالف توصيات منظمة
الصحة العالمية.
وأعلن وزير المالية أن مخصصات
علاج المواطنين على نفقة الدولة تبلغ 8 مليارات جنيه لعام 23/2024، في حين أعلن
الجهاز المركزي للإحصاء في شهر نيسان/ أبريل 2023 أن إجمالي عدد المرضى الذين تم
علاجهم على نفقة الدولة في الخارج والداخل 3.3 مليون مريض، بتكلفة قدرها 14.4
مليار جنيه عام 2022. وهذا يعني وجود فجوة تمويلية واضحة بين المخصصات الحكومية
وبين المبالغ المطلوبة لتغطية نفقات علاج المواطنين على نفقة الدولة. وهذا يوضح أهمية الالتجاء إلى
صندوق مواجهة الطوارئ الصحية القائم في جزء كبير من تمويله على التبرعات وفرض رسوم
إضافية على المواطنين.
ضعف نسبة التغطية بخدمات التأمين الصحي الشامل
جعلت العلاج على نفقة الدولة هو الملاذ الوحيد للفقراء:
نظام العلاج على نفقة الدولة، قد وُضِع خصيصاً من أجل
الفقراء غير
القادرين على تحمل أعباء العلاج ونفقاته. ومن المتعارف عليه دوليّا، وحسب ما أقرته
منظمة الصحة العالمية، فإن ما يمكن اعتباره علاجاً على نفقة الدولة، ما يعد جزءاً
حيويّا من برامج صحية وعلاجية، تستهدف أفراداً مصابين بأمراض معينة اتكلف تكلف
المصاب بها نفقات باهظة. وفي ظل غياب نظام تأمين صحي شامل في مصر يغطى جميع المواطنين.
أصبح العلاج على نفقة الدولة هو الملاذ الوحيد المتاح لتقديم خدمات الرعاية الصحية للفقراء؛ خاصة وأنه يوجد 40 مليون مواطن مصري يحصلون على دعم مالي من برنامج تكافل وكرامة، حسب تصريحات صادرة عن وزارة التضامن مؤخرا
فقد أصبح العلاج على نفقة الدولة هو الملاذ الوحيد المتاح لتقديم
خدمات الرعاية الصحية للفقراء؛ خاصة وأنه يوجد 40 مليون مواطن مصري يحصلون على دعم
مالي من برنامج تكافل وكرامة، حسب تصريحات صادرة عن وزارة التضامن مؤخرا. وسجّل معاش تكافل وكرامة لشهر أيار/ مايو 2023 قيماً
محسّنة للأسر المستفيدة، حيث بلغت 625 جنيهاً (حوالي 20 دولارا) شهريا، وهذا يؤكد
على استحالة وجود قدرة مالية لديهم على سداد نسبة من تكاليف حقهم المشروع في
العلاج على نفقة الدولة.
وخلاصة المشهد ترتكز على عنصر محوري يشمل حتمية
زيادة مخصصات وزارة الصحة في موازنة الدولة لتصل إلى النسبة المعتمدة عالميا، بما
يسمح بالقدرة على ضخ أموالا مناسبة وكافية لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، بعيدا
عن صندوق قائم على التبرعات، ودون تحميلهم أية أعباء مالية لا يقدرون عليها، مما
يهدد صحتهم وسلامتهم.