شهدت
العلاقات الصينية الأمريكية تصعيدا جديدا، بعدما تم اكتشاف
"مركز شرطة سري" تابع للصين في نيويورك، واعتقال اثنين من موظفيه.
ونشرت صحيفة "إزفستيا" الروسية تقريرا، ترجمته "عربي
21"، قالت فيه؛ إنه وفقا لرأي عدد من الخبراء؛ فإن العلاقات الأمريكية الصينية
الحالية لا يمكن وصفها بالهدوء، خاصة فيما يتعلق بجزيرة تايوان، كما أن الوضع سيزداد
سوءا، ولكنه لن يصل إلى حد الصدام المفتوح بين الدولتين، خاصة رغم محاولات أمريكا
تصعيد الوضع في المنطقة من أجل مصالحها الخاصة.
الشرطة السرية
وأوضحت الصحيفة أن اكتشاف الدائرة السرية الصينية في نيويورك، هو بمنزلة
حلقة جديدة لتدهور العلاقات بين الدولتين؛ حيث اعتقلت السلطات الأمريكية اثنين من الصينين،
مشتبهة بأنهما فتحا وشغلا "مركز شرطة خارجي غير قانوني" تابع لوزارة الأمن
العام الصينية في أوائل عام 2022 في الحي الصيني بمانهاتن، الذي تم إغلاقه في خريف
ذلك العام.
وذكرت الصحيفة أن أجهزة الصين الأمنية أقامت مراكز أمنية سرية في نيويورك
للسيطرة على معارضي الحكومة الصينية وترهيبهم، وهو ما اعتبرته واشنطن تصرفات تتجاوز
السلوك المقبول لدولة قومية.
ونقلت الصحيفة عن كورت رونو، المتحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي
الأمريكي، قوله: "من المشين أن تعتقد دائرة شرطة الصين أنها يمكن أن تفلت من إنشاء
مركز شرطة سري على الأراضي الأمريكية ساعد في تصدير القمع وتقويض سيادة القانون في
بلادنا".
وبحسب الصحيفة؛ يواجه العميلان الصينيان عقوبات تصل إلى السجن لمدة
خمس سنوات، وإذا أدينا في تهمة عرقلة العدالة، فقد يعاقبا بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاما،
فيما أطلق سراحهما بكفالة، ومنعا من الاقتراب أكثر من نصف ميل من القنصلية أو البعثة
الصينية في نيويورك.
وأضافت الصحيفة أن السلطات الأمريكية فتحت تحقيقا واسع النطاق؛ حيث
وجهت اتهامات إلى 44 شخصا بارتكاب جرائم مختلفة تتعلق بجهود الشرطة الوطنية الصينية
لاضطهاد المواطنين الصينيين في الولايات المتحدة؛ حيث زًعم أن 40 من ضباط الاستخبارات
السرية واثنين من موظفي المستشارية الصينية لمعلومات الإنترنت، نفذوا "مخططات قمع
عابرة للحدود" ضد سكان الولايات المتحدة الذين لم توافق بكين على آرائهم السياسية.
كما لوحظ أن 34 ضابطا من وزارة العدل عملوا مع مكتب بكين للوزارة، وكانوا جزءا من
النخبة "فرقة العمل الخاصة 912" ، التي تهدف إلى اضطهاد المنشقين الصينيين
في جميع أنحاء العالم.
وأفادت الصحيفة بأنها ليست المرة الأولى التي تُتهم فيها الشرطة الصينية
بإنشاء "أقسام سرية"؛ ففي كانون الأول/ ديسمبر 2022 ادعت شبكة "سي إن
إن" الإخبارية الأمريكية أن الصين تدير أكثر من 100 موقع من هذا القبيل حول العالم،
فيما تنفي بكين باستمرار أن يكون لديها مراكز شرطية عاملة خارج أراضيها، معتبرة أن
الحديث عن هذا الأمر هو بغرض تشويه سمعة الصين.
درجة أعلى
واعتبرت الصحيفة أن التحقيق في أنشطة الشرطة الصينية في الولايات المتحدة، يأتي على خلفية تدهور الحوار بين واشنطن وبكين؛ حيث تعتبر واشنطن الصين "التحدي
الجيوسياسي" الأكثر أهمية لأمريكا، وفقا لاستراتيجية الأمن القومي التي أصدرتها
الإدارة الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، كما زاد من تدهور تلك العلاقات
المنطاد الصيني الذي أسقطته واشنطن فوق أراضيها في شباط/ فبراير الماضي، معتقدة أنه
جزء من برنامج
تجسس صيني.
واستعرضت الصحيفة مسار التصعيد السياسي بين البلدين؛ حيث ردت الصين
بزيارة قام بها الرئيس شي جين بينغ لروسيا في آذار/ مارس الماضي، ثم زار وزيره للدفاع
لي شانج فو موسكو في نيسان/ أبريل الجاري، وذلك على خلفية الصراع في أوكرانيا؛ حيث
قدمت بكين خطة لحل النزاع هناك.
وبينت الصحيفة أن أمريكا لا تزال تدعو للحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة
مع بكين؛ حيث قال وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، عقب اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة
السبع في اليابان مؤخرا: "أتوقع أننا سنكون قادرين على تحقيق تقدم، لكن هذا يتطلب
من الصين أن تشير بوضوح إلى نواياها في هذا الصدد. نعتقد أن البلدان في جميع أنحاء
العالم تتوقع منا اتخاذ نهج مسؤول في التعامل مع الصين".
وأكدت الصحيفة أن هذه الدعوة لن يكون لها تأثير على الأزمة الرئيسية
بين البلدين، وهي قضية تايوان التي شهدت تصعيدات متتالية خلال الشهور الماضية؛ بدءا
من زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، إلى تايبيه في آب/ أغسطس
الماضي، التي تلتها زيارة من الكونجرس الأمريكي، ثم زارت رئيسة الجزيرة، تساي إنغ
ون، أمريكا في بداية نيسان/ أبريل الجاري، والتقت برئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي،
فيما ردت الصين بالتأكيد مرارا، أن تايوان هي الخط الأحمر الأول الذي لن تسمح بتجاوزه،
مجرية العديد من المناورات الحربية التي تعتمد على سيناريوهات السيطرة على الجزيرة.
مزيد من الحرارة
ونقلت الصحيفة عن أندري أوستروفسكي، كبير الباحثين في معهد الدراسات
الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، توقعه أن تكتشف بكين قريبا نوعا من الوحدة
"السرية" لأجهزة المخابرات الأمريكية، موضحا أن "هناك تفاقما خطيرا بين
الصين والولايات المتحدة لسبب واحد فقط؛ بدأت الصين في تجاوز الولايات المتحدة اقتصاديّا،
وبسبب ذلك بدأت أمريكا تفقد موقعها الريادي".
ووفق الصحيفة؛ فقد أكد أوستروفسكي ألا يؤدي التصعيد بين البلدين إلى
قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، ولكن الوضع سيتفاقم في ظل إدارة الرئيس بايدن، وذلك
حتى الانتخابات التايوانية التي ستجري أول 2024.
واعتبر فيتالي دانيلوف، مدير برنامج مركز التحليل التطبيقي للتحولات
الدولية في جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، أن السلطات الصينية تبذل قصارى جهدها
لتجنب النزاعات مع الولايات المتحدة، وتنأى بنفسها قدر الإمكان عن الهجمات الاستفزازية
من واشنطن، مبينا في تصريحات لصحيفة "إزفستيا" أن أمريكا "ستستمر في
التصعيد لخلق بؤرة توتر في المنطقة".
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول؛ إن حادث مركز الشرطة الصينية فى نيويورك
سيزيد من دوامة التوتر بين البلدين. وفي الوقت نفسه، فإن الصين مستعدة لاتخاذ خطوات
صارمة ضد الولايات المتحدة بسبب تايوان، وهو ما قد يؤدي نظريّا إلى نزاع مسلح، لكن
هذا غير مرجح؛ حيث لا تريد الصين ذلك؛ لأنها تتفهم العواقب التي يمكن أن يؤدي إليها
صدام بين قوتين نوويتين، ورغم التوتر الدبلوماسي بين البلدين، إلا أنه من غير المرجح
أن يؤدي ذلك إلى خطوات جذرية مثل خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية.