قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن
الصحافيات في كل من
اليمن وتونس والأراضي
الفلسطينية ينفردن بمواجهة اعتداءات
ومضايقات على خلفية عملهن الصحافي، دونًا عن زملائهن الذكور.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في
تقرير جديد
أطلقه اليوم الثلاثاء، وأرسل نسخة منه لـ
"عربي21"، بعنوان "ليست
مهنتكِ" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أنه إلى جانب الانتهاكات والمتاعب
المترتبة على العمل في مهنة الصحافة، والتي يواجهها الصحافيون بشكل عام، فإن
الصحافيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهن مضايقات إضافية تعرقل
جهودهن وتحول دون أدائهن لعملهن بشكل طبيعي، وتدفعهن في كثير من الأحيان إلى
التخلي عن مهنة الصحافة من أجل تفادي التعرض لهن.
وأضاف الأورومتوسطي في تقريره الذي استند
إلى مقابلات شخصية وإفادات من صحافيات عاملات في كلٍّ من اليمن وتونس والأراضي
الفلسطينية أن تلك المضايقات عادةً ما تُمارس ضد الصحافيات لسبب رئيسٍ؛ وهو كونهن
نساء.
وذكر التقرير أنه خلال العامين الماضيين،
كان واحد من كل عشرة صحافيين يُعتقلون في اليمن امرأة.
وأضاف أنه رغم انخفاض عدد الصحافيات اللواتي
يجري اعتقالهن مقارنة بعدد الصحافيين الذكور، إلا أنه في الحقيقة لا يعدّ منخفضًا،
كون أعداد الصحافيات المسجلات في اليمن يعد أقل بكثير من الصحافيين، حيث يبلغ عدد
الصحافيات المسجلات والمنضمات إلى نقابة الصحافيين اليمنيين نحو 170 من أصل 1,500
صحافي، أي بنسبة 11% فقط من إجمالي عدد الصحافيين المنتسبين للنقابة، فضلًا عن
الفرص المحدودة المقدمة لهن والرقابة الذاتية المضاعفة التي يواجهنها بسبب
الضغوطات الثقافية والمجتمعية.
وذكر التقرير أن من أبرز الانتهاكات التي
تتعرض لها الصحافيات في اليمن هي القيود والعوائق التي حدت من حرية المرأة، بما في
ذلك الحق في التنقل والعمل، حيث أصدرت جماعة الحوثي -التي تحكم ما يقرب من 70% من
مناطق اليمن- قرارًا رسميًا يمنع حركة المرأة دون مرافق ذكر (محرم)، وتبنت جميع
أطراف النزاع هذا القرار. بناءً على ذلك، عزفت الغالبية العظمى من المؤسسات
الصحافية في اليمن عن توظيف أو التعامل مع الصحافيات، وعمدت إلى الاعتماد على
الصحافيين الذكور، بسبب صعوبة تنقلهن وممارستهن لعملهن دون مرافقين، أو دون حصولهن
على تصاريح رسمية بالعمل. ولم يؤثر ذلك على عمل المرأة وحسب، بل على العمل الصحافي
في اليمن ككل.
في مقابلة أجراها فريق المرصد الأورومتوسطي
مع الصحافية اليمنية "وداد البدوي"، قالت: "مع أن جميع أطراف
النزاع يختلفون بكافة الأمور، لكنهم يتفقون معًا ضد المرأة وحريتها. القيود
المفروضة على تنقل النساء وعمل الصحافيات أثرت على دقة الشهادات التي يتم جمعها،
حيث تفضل بعض النساء في المجتمعات المحلية المحافظة إعطاء إفاداتهن وإجراء مقابلات
بأريحية للمرأة الصحافية لا للرجل".
إلى جانب ذلك، ذكر التقرير أن الصحافيات
اليمنيات يتعرضن للوصم والتشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستخدم
كسلاح لمحاربتهن من قبل جميع أطراف النزاع تقريبًا في حالة انتقادهم. وتعددت خلال
السنوات الأخيرة حملات التشهير والإساءة إلى سمعة الصحافيات، والشتم والتلاعب
بصورهن في حالات عدة، الأمر الذي دفعهن لمواجهة معركة جديدة؛ وهي نظرة المجتمع لهن
ونبذهن اجتماعيًّا وإخبارهن أن "الصحافة ليست مهنتكِ" بحسب صحافيات
قابلهن الأورومتوسطي، إلى جانب الضغوطات الهائلة المترتبة على ذلك. نتيجة لذلك،
اضطرت العديد من الصحافيات اليمنيات لإغلاق صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي
والتزام الصمت، لتجنب التعرض لمضايقات أو اعتداءات. فيما عمدت بعضهن إلى التخلي عن
العمل الصحافي وامتهان مجالات أخرى، وفضل البعض الآخر منهن الهجرة لحماية أنفسهن
وعائلاتهن.
أما في
تونس، فتستخدم السلطات إحدى أكثر
الجوانب حساسية لدى المرأة في المجتمع، وهي الوصم وتشويه السمعة. فقد شابَ عمل
الصحفيات بعد الإعلان عن التدابير الاستثنائية صعوبات كثيرة، كالتشويه المقصود
لسمعتهن المهنية والاجتماعية ووصمهن بأسوأ الأوصاف التي تحض على النبذ الاجتماعي.
وطالت حملة التشويه صحافيات تناولن الأحداث
السياسية المحلية بشكل مغاير لوجهة النظر الرسمية، حيث استخدمت السلطات منصات
التواصل الاجتماعي والكلمات المسيئة التي وجهت للصحافيات اللواتي تعرضن للتوقيف
التعسفي، الأمر الذي بات كابوسًا مؤرقًا تعيشه الصحافيات اللواتي تعرضن للتوقيف
الذي تطال انعكاساته السمعة الشخصية والأسرية.
وعلى اعتبار أنّ تونس من الدول العربية
والمسلمة التي تحافظ على مجموعة الضوابط التي ترفض وصم المرأة بما يمس سمعتها
المهنية أو الاجتماعية فقد باتت الصحفيات يعشن كابوسًا أساسه مهني ولكن انعكاساته
تطال السمعة الشخصية والأسرية.
أما في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيواجه
الصحافيون أشكالًا مختلفة من العنف والترهيب التي يمارسها الجيش والسلطات
الإسرائيلية، ويعتقد جزء كبير من المجتمع الفلسطيني أنها لا تناسب المرأة. فطبيعة
الانتهاكات التي يواجهها الصحافيون، والتي تشمل الاعتداءات بالضرب والاعتقالات
التعسفية الدورية والتحقيق والابتزاز والمساومة على السفر وجمع الشمل مع عائلاتهم،
تدفع شريحة كبيرة من المجتمعات ـ خاصةً في المناطق الهشة ـ للاعتقاد بأن الصحافة
مهنة للذكور فقط.
وتعتبر كثير من العائلات الفلسطينية أنه لدى
استدعاء صحافية للتحقيق أو اعتقالها ومضايقتها على خلفية عملها الصحافي، فإن ذلك
يعد ـ أحيانًا ـ وصمة وعيبًا لا يمس الصحافية وحسب، بل يقدح بعائلتها بأكملها.
وفي حالات أخرى، تعتقل السلطات الإسرائيلية
بعض الصحافيات أو تفرض عليهن قيودًا متعلقة بالمنع من السفر أو التنقل دون أن يتم
إعلامهن بسبب المنع أو الاعتقال، وتُعد قضيتهن "ملفًا سريًّا" بحسب
المخابرات الإسرائيلية. ويواجه الصحافيون عادةً هذه الادعاءات من خلال الإجراءات
القانونية، لكن تلك الاتهامات تعد موضوعًا حساسًّا إذا ما تعلق الأمر بالنساء.
لذلك، فإن العديد من الصحافيات قد يواجهن ضغوطات من عائلاتهن أو أزواجهن للتخلي عن
مهنة الصحافة أو التوقف عن التطرق لمواضيع حساسة تجنبًا للملاحقات. وفي كثير من
الحالات، تفرض الصحافيات رقابة ذاتية على عملهن خشية مواجهة انتقادات من المجتمع
أو ضغوطات من عائلاتهن.
وذكر التقرير أنه رغم كون النساء يشكلن نسبة
مرتفعة من إجمالي عدد الصحافيين العاملين في الأراضي الفلسطينية، إلا أن ذلك لا
يعد مؤشرًا على تكافؤ الفرص في ما يتعلق بالعمل الصحافي. فطبيعة الوضع على الأرض
تدفع بعض الجهات الصحافية والإعلامية إلى الاعتقاد بأن العمل مع الصحافيين الذكور
في مناطق النزاع أسهل وأكثر مرونة، باعتبار أن بإمكانهم العمل بحرية أكثر في ما
يتعلق بساعات العمل المتواصلة والمتأخرة، إلى جانب قدرتهم على الركض في أماكن
الاشتباك والهجمات العسكرية بحرية وبقدرة أكبر من النساء. لذلك، فإن الوكالات
الإخبارية والصحافية تميل إلى التعاون مع صحافيين ذكور في الأوقات الحرجة، فيما تعمد
إلى تكليف الصحافيات بأعمال أقل أهمية أحيانًا.
في إفادة للصحافية "م.ن" من قطاع
غزة (يحتفظ الأورومتوسطي باسمها بناءً على رغبتها)، والتي تعمل لصالح إحدى
الوكالات المحلية، قالت إنها لم تُكلف لمرة واحدة بتغطية أحداث عاجلة على الأرض،
وهو الأمر الذي طلبته من إدارتها أكثر من مرة، في الوقت الذي يجري فيه دائمًا تكليف
زملائها الذكور بذلك.
وأضافت: "عبّرت لمسؤولي أكثر من مرة عن
رغبتي في المشاركة بتغطية أحداث أكثر أهمية، من خلال الذهاب إلى أماكن الاستهداف
وإجراء المقابلات كما يفعل زملائي الذكور، لكنه في كل مرة كان يقول لي إنني لن
أحتمل الصعوبات التي تترافق مع تغطية الأحداث الساخنة والخطيرة، وأنني لن أتمكن من
التصرف أو الركض في حال تم استهداف المكان الذي أتواجد فيه، إلى جانب أنه من الصعب
عليه أن يكلفني بمهام في أوقات متأخرة من الليل".
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان
الأمم المتحدة وأجسامها ذات العلاقة إلى إنشاء آليات محاسبة مستقلة للتحقيق في
ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الممنهجة ضد الصحافيات في كل من اليمن وتونس والأراضي
الفلسطينية، وضمان تحقيق العدالة لهن وحماية حقهن في حرية التعبير عن الرأي والعمل
الصحافي. كما طالبها بالعمل مع شركات التواصل الاجتماعي لتطوير آليات تبليغ فعالة
ومخصصة لمساعدة الصحافيات في التبليغ عن حالات التهديد والترهيب والابتزاز التي
يتعرضن لها على خلفية عملهن الصحافي.
وطالب الأورومتوسطي السلطات اليمنية بإنهاء
القيود التعسفية وغير المبررة على حقوق المرأة في البلاد، بما في ذلك الحق في
العمل الصحافي وحرية التنقل وحرية التعبير عن الرأي، والتعاون مع الصحافيات وتسهيل
عملهن الصحافي، والتوقف عن حجب المعلومات عنهن وعرقلة جهودهن.
وأوصى السلطات التونسية إلى احترام الحق في
حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، ووقف حملة التحريض ضد الصحافيات والمدونات،
والالتزام بالدستور التونسي والقوانين الوطنية الناظمة للعمل الصحفي، والمواثيق
الدولية، إلى جانب إصدار قوانين واضحة وعقوبات للتنمر الالكتروني والاعتداءات
المتكررة ضد الصحافيات، وزيادة الرقابة على حملات التشهير وفرض عقوبات صارمة على
مرتكبيها.
وطالب السلطات الإسرائيلية بالالتزام
بمسؤولياتها كسلطات قائمة بالاحتلال، والتوقف عن استهداف وملاحقة واعتقال وتهديد
الصحافيات والتحقيق معهن بشكل عشوائي على المعابر والحواجز العسكرية بسبب نشاطهن
الصحافي. كما دعا السلطة الفلسطينية والسلطات الحاكمة في غزة إلى إنهاء القيود
المفروضة على الحق في حرية الرأي والتعبير، وضمان ممارسة الصحافيين لعملهم بحرية،
والحد من كافة الممارسات التي من شأنها عرقلة العمل الصحافي أو فرض الصحافيين
رقابة ذاتية على عملهم.