التجارب
الإنسانية تقول إنه لا نهوض إلا بالديمقراطية، وإن حصل وكانت هناك عمليات نهوض
قامت على أنظمة مستبدة فهي حالات نهوض نادرة ومؤقتة أيضا، ومعرضة للهدم في أي
منعطف سياسي تمر به البلاد. هكذا تقول التجارب التاريخية، فالديمقراطية توصف بأنها
الوسيلة الوحيدة الضامنة لاستمرار النهوض والتقدم وعدم تعرض عمليات النهوض للانتكاس
والتقهقر.
كما أن
الباعث على قيام
الديمقراطية أن تكون الديمقراطية قادرة على جلب التطور والنهوض والرفاه،
من خلال إفرازها من بين أبناء الشعب أفضل من يدير المال العام والشأن العام، لكن
أحيانا تعجز الديمقراطية عن جلب التقدم والرفاه عندما يتم اختطافها، أو السيطرة
عليها كما حصل مع رجال الدين في العراق وإيران، عندها تتحول الديمقراطية من وسيلة
للبناء إلى وسيلة لشرعنة الاستبداد وتجميله. وقيل إن أسوأ الدكتاتوريات هي التي
تولد من رحم الصندوق، لنتذكر أن أسوأ دكتاتورية معاصرة عرفها القرن العشرون (هتلر)
جاءت للسلطة بالصندوق قبل أن تنقلب على الديمقراطية وتعطلها وتحرق
البرلمان نفسه.
تعجز الديمقراطية عن جلب التقدم والرفاه عندما يتم اختطافها، أو السيطرة عليها كما حصل مع رجال الدين في العراق وإيران، عندها تتحول الديمقراطية من وسيلة للبناء إلى وسيلة لشرعنة الاستبداد وتجميله. وقيل إن أسوأ الدكتاتوريات هي التي تولد من رحم الصندوق، لنتذكر أن أسوأ دكتاتورية معاصرة عرفها القرن العشرون (هتلر) جاءت للسلطة بالصندوق قبل أن تنقلب على الديمقراطية وتعطلها وتحرق البرلمان نفسه
الديمقراطية
هي نظام متكامل لا يعمل إلا إذا تم تشغيل كامل المنظومة وفقا للآلية التي صممت
الديمقراطية بها، فلا يمكن لنصف الديمقراطية أن تعمل إذا ما تم تشغيل بعض أجزائها
وتعطيل بعض الأجزاء الأخرى.
ففي
الديمقراطيات وأنظمة الحكم الرئاسية التي يعطى الرئيس كافة الصلاحيات في إدارة الدولة؛
لا يجوز أن تكون بعض الصلاحيات خارج سيطرة الرئيس وإلا سوف تتحول الدولة إلى ما
يشبه العربة التي تجرها أحصنة باتجاهات متعاكسة، وكذلك الأمر بخصوص الأنظمة
البرلمانية فإنه يجب أن تكون كل الصلاحيات في إدارة الدولة بيد البرلمان، وإلا سوف
تتحول البرلمانات إلى وسيلة من وسائل تعطيل الحياة السياسية والهدم لا البناء.
لكي
ينجح النظام البرلماني في الحكم وقيام حياة ديمقراطية حقيقية فلا بد له من توفر
ثلاثة شروط: الشرط الأول أن يكون البرلمان منتخبا انتخابا حرا ومباشرا وشفافا، والشرط الثاني أن يكون البرلمان هو صاحب الولاية في تشكيل الحكومة، والشرط
الثالث أن يكون البرلمان مشكلا من أغلبية برلمانية مريحة.
فالبرلمانات
التي لا تُنتخب بشكل حر وشفاف ستكون عاجزة عن تلبية طموح الشارع وتطلعاته، فمن
يأتي بالتزوير واختطاف إرادة الشعب لن يكون قادرا على تحقيق طموحات الشعب.
كما أن
للبرلمان مهمة رئيسية تتمثل في التشريع والرقابة، مهمة تشريعية لدعم الحكومة التي يشكلها
البرلمان من أغلبية الائتلاف الفائز، فالبرلمان هو من يشكل الحكومة ويختار فريقها الوزاري،
والبرلمان يمثل حزام ظهر سياسيا للحكومة يمرر لها القوانين التي تسهل عملها وينجحها
في تحقيق برنامجها التفصيلي ويحميها من مشاغبة الأقلية البرلمانية التي تكون خارج
الحكومة وتمارس دور الرقابة والمشاغبة السياسية
وتضخيم الأخطاء والتصيد لها، فالرقابة تمارسها الأقلية البرلمانية والتشريع تمارسه
الأكثرية البرلمانية.
كما أن
البرلمانات تحتاج حتى تنجح في تشكيل الحكومات أن تكون برلمانات أغلبية، ولا يمكن
للبرلمان أن يكون برلمان أغلبية إلا بوجود
انتخابات على أساس حزبي يبعد الفرز
القبلي والجهوي والطائفي ويقدم الفرز البرامجي، ووجود عتبة انتخابية مرتفعة تعمل
على إبعاد
الأحزاب الصغيرة من الوصول للبرلمان وتمنح الأحزاب والائتلافات الكبيرة
الحصة الأكبر في البرلمان؛ مما يمكنها من تشكيل الحكومات وحمايتها والتشريع لها.
وبذلك تستطيع حكومات الأغلبية أن تنفذ برنامجها وتحقق الإصلاح والبرنامج الذي انتخبها
الشعب من أجل تحقيقه.
إذا ما اختل أي شرط من الشروط المذكورة يكون البرلمان برلمانا لا يعبر عن إرادة الشعب وجاء بالتزوير، فيتحول البرلمان حينها إلى واجهة تحمي طبقات تم تزوير الانتخابات لصالحها، مثل طبقة رجال الأعمال التي تتزاوج مع السلطة لتمارس الفساد بشكل محمي ومنظم
إذا
ما اختل أي شرط من الشروط المذكورة يكون البرلمان برلمانا لا يعبر عن إرادة الشعب وجاء
بالتزوير، فيتحول البرلمان حينها إلى واجهة تحمي طبقات تم تزوير الانتخابات لصالحها،
مثل طبقة رجال الأعمال التي تتزاوج مع السلطة لتمارس الفساد بشكل محمي ومنظم.
وعندما
لا يساهم البرلمان في تشكيل الحكومة ويشرع لها ويحميها، فهنا يتحول البرلمان إلى
ممارسة الشعبويات الرخيصة ويقف حجر عثرة أمام الحكومة وعملها، وتتحول العلاقة ما
بين الحكومة والبرلمان إلى علاقة صراع ومزاودات لا تخدم الحياة السياسية وتكون
مقدمة لتشكيل حالة استعصاء سياسي، أو يتم شراء ولاء أعضاء البرلمان وهنا تنشأ
التنفيعات وتحقيق المصالح الفئوية لمن يمثلهم النائب على حساب المصالح الوطنية.
وأما إذا
لم تكن الانتخابات على أساس حزبي ولا توجد عتبة انتخابية تضمن قيام برلمانات حزبية
ذات أغلبية مريحة، وبالتالي يتشكل البرلمان من أقليات سياسية، فإن البرلمانات هنا
تتحول إلى برلمانات معلقة تشكل حالة استعصاء سياسي يضرب العملية الديمقراطية في
مقتل ويفرغها من محتواها والعلة التي شرعت من أجلها.
فأنظمة
الحكم البرلمانية حتى تنجح تقف على ثلاثة أركان، إذا ما اختل أي ركن من هذه
الأركان فسوف تتهاوى العملية السياسية وتتحول إلى عائق في وجه التقدم والبناء.