"
القبيسيات"
حركة دعوية نسائية، أسستها في العاصمة السورية دمشق، مطلع ستينيات القرن الماضي،
الداعية السورية، الحاجة منيرة القبيسي، وقد قصرت نشاطاتها منذ تأسيسها ولغاية
الساعة على العمل الدعوي والتعليم الشرعي والتزكية والتربية، واعتزلت السياسة
اعتزالا تاما، وهي امتداد للتدين التقليدي المذهبي الصوفي التزكوي، ويُذكر أن
الحاجة القبيسي من أتباع مدرسة مفتي
سوريا، الشيخ أحمد كفتارو شيخ الطريقة
النقشبندية.
تمكنت جماعة "القبيسيات" عبر العقود الماضية من تحقيق
انتشار واسع داخل سوريا، وخارجها فهي تُعرف في الأردن بـ"الطباعيات"
نسبة إلى الآنسة فادية الطباع، وفي لبنان بـاسم "السحريات" نسبة إلى
الآنسة سحر حلبي، كما أن الجماعة تنتشر في الكويت والخليج واليمن وأوروبا
وأستراليا..
بعد وفاة الداعية السورية، الحاجة منيرة القبيسي، يوم الاثنين 26
كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فإنه ثار جدل واسع بين مؤيدين لها، ومشيدين بجهودها
الدعوية والتربوية، وبين منتقدين لها، ومهاجمين لتوجهاتها. فبينما امتدح مريدوها
ومحبوها جهودها المباركة في الدعوة والتعليم الشرعي والتزكية الدينية، فإن آخرين انتقدوها بشدة بسبب مواقفها السياسية المنحازة تماما إلى النظام السوري وفق منتقديها.
من الواضح أن جماعة "القبيسيات" نجحت في التعايش مع الظروف
الصعبة في ظل القبضة الأمنية الصارمة التي فرضها النظام السوري على كافة مناحي
الحياة، وهو ما منحها حرية الحركة والدعوة، وما عرضها في الوقت نفسه للانتقادات
الشديدة، وحمل الكثيرين من معارضي النظام السوري على مهاجمة الجماعة بسبب تعايشها
مع النظام، وعدم معارضته في سياساته القمعية الدموية تجاه قطاعات واسعة من أبناء
شعبه.
في هذا الإطار يرى الدكتور محمد سعيد حوّى، أستاذ الحديث النبوي
وعلومه بجامعة مؤتة الأردنية أنه "لا يمكن الحكم على الناس في الداخل السوري،
وهم يعيشون تحت الحديد والنار" لافتا إلى أن "بعض "القبيسيات"
يتبعن للنظام السوري، ويتعاملن معه، ويطلق عليهن (عملاء)، ولسن كلهن بالطبع
كذلك".
محمد سعيد حوّى.. أستاذ الحديث النبوي وعلومه بجامعة مؤتة الأردنية
وأضاف: "تعرفت على العديد ممن لهن صلة بالقبيسيات هنا، ولسن مع
النظام، كما أنهن لا يتدخلن بالسياسة، وهن محترمات جدا، وسلوكهن العام
مستقيم" مشددا على أنه "ليس من المناسب أن نكثّر أعداءنا لأسباب ليست في
دائرة حرية الاختيار"، في إشارة منه للتفريق بين المواقف المبنية على الاختيار
وما يكون منها في دائرة الإكراه والاضطرار.
وردا على سؤال
"عربي21" حول الحاجة منيرة القبيسي، قال
حوّى "الحاجة المرحومة سيدة فاضلة، ذُكرت بخير، ولا يعرف لها تصريح مباشر
لصالح النظام، ولا ضد الثورة، وهي معتزلة منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن بعض تلميذات
التيار اندفعن في التعامل مع وزير الأوقاف، والتقطت لهن صورة مع بشار الأسد".
وتابع: "وهؤلاء النسوة نوعان: أحدهما عميل فعلا، والآخر لا يملك
إلا أن يتظاهر بالموالاة ليستمر في الحياة فضلا عن الدعوة، وهو تحت سيف النظام،
لكن الحاجة نفسها يُشهد لها بالخير والاجتهاد في الدعوة والتربية والتأثير
والالتزام بالمذهب الشافعي، وعدم التدخل في السياسة مع كونها شبه معتزلة للحياة
العامة لكبر سنها منذ أكثر من عشر سنوات".
وعن انتقاد الحاجة منيرة القبيسي ومهاجمتها بعد وفاتها، وهي المعروفة
بصلاحها واعتزالها للشأن السياسي، أرجع حوّى ذلك إلى عدة أسباب، من أهمها
"الموقف المسبق من الآخر المخالف، فمن كان غير صوفي أو غير مذهبي لا يتقبل
الآخر الصوفي وهكذا، كذلك فإن الموقف المسبق ممن تعاطى مع الشأن الداخلي السوري
ولم يؤيد الثورة مثلا، فالموقف منه جاهز عند بعضهم".
وأردف: "وكذلك الانتقاد لآراء المدرسة القبيسية، كانتقاد بعضهم
لشدة تعظيم الشيخة (كما يقول المخالفون) أو النقد لبعض اختياراتها الفقهية أو
التربوية، كتقديم طاعة الآنسة على طاعة الزوج، حسب منتقديها، وقد يكون للإعلام
الذي لا يهمه التثبت بقدر الإثارة دور سلبي في ذلك، ولا ينبغي التغافل عن بعض
الظروف التاريخية كمثل علاقة القبيسيات بمدرسة كفتارو والبوطي، وكذلك سلوكيات بعض
من ينتسبن لمدرسة القبيسيات التي توسعت وتعددت".
من جهتها قالت التربوية، والناشطة في قضايا المرأة، ياسمين زيادة
"النظام السوري سمح للقبيسيات بالحركة والعمل بعد أن تعهدن بعدم الكلام في
السياسة، وأنهن تحت المراقبة، وإرسال تقارير بسير العمل، فكانت وجهة نظرهن أننا
ندعو للأخلاق والفضيلة، ولا مانع من الابتعاد عما يزعج الحكومة، شأنها في ذلك شأن
أي عالم أو داعية في المساجد بسوريا".
ياسمين زيادة، تربوية وناشطة في قضايا المرأة
وأردفت في حديثها لـ
"عربي21": "واستطعن إيجاد علاقات
تبيض صورتهن عند الأجهزة الأمنية من خلال زوجات لمسؤولين، وهو ما سهل الأمر لهن،
كما أن رضا مشايخ السلطة عن عملهن ساهم في تجميل صورتهن عند النظام"، مضيفة أن "هذا لا ضير فيه ما دام يفضي إلى تحقيق أعمال البر والخير".
وعن أسباب اختلاف الناس على مؤسسة الجماعة، الحاجة منيرة القبيسي، بعد
وفاتها، فقد لفتت زيادة إلى أن من أسباب ذلك "بعض المعتقدات والممارسات المغلوطة
في أوساط الجماعة، والتي آذت الكثيرات، ما شكل حملة انتقاد واسعة، وهذا أمر طبيعي
تجاه أي جماعة لديها أخطاء، وبالذات في أوساط السيدات، حيث تكثر المشاكل".
وأضافت: "كذلك فإن الثورة صعدت المشكلة، فخلط الناس بين موقف
بعضهن ووجودها داخل سوريا، مع عدم وجود تصريح واضح يعارض النظام، ويؤيد الثورة، أو
حتى تصريح واضح يؤيد النظام، والواضح أنه كان الابتعاد منهن جميعهن حفاظا على سلامتهن،
ما جعل الهجوم كبيرا".
وأشارت إلى أن "التضييق على القبيسيات كان أيام حافظ الأسد أشد
بكثير، بسبب التحفظات وعدم الأمان، لذا فقد غلبت السرية على أعمالهن، وكان على الكل،
ومنهم خطباء المساجد، إبلاغ الأمن بكل شيء، وتطبيق التعليمات، وكان الكل يسدد
ويقارب من أكبر عالم لأصغر عالم" على حد قولها.
بدورها لفتت الكاتبة السورية، الباحثة في الفكر الإسلامي، هديل الزير، إلى أن "النظام السوري لم يقم بحظر الجماعات الإسلامية أو منعها كلها أيام
حافظ الأسد، إنما كانت الجماعة المحظورة بشكل أساسي حركة الإخوان المسلمين، أما
باقي الجماعات الدعوية فكانت تعمل في سوريا على عين النظام، وتحت رقابته حيث إنه بسط
لها مساحة محددة ضمن فيها السيطرة التامة عليها".
هديل الزير.. كاتبة سورية وباحثة في الفكر الإسلامي
وواصلت قائلة، إن "المقيم في سوريا عموما، والعامل في السلك الديني
خصوصا يعلم أن السرية في العمل والحركة أمر غير منطقي أو وارد الحدوث، فالإمام أو
الخطيب أو أي مسؤول عن منبر ديني ملزم بإصدار تقارير دورية للجهات المسؤولة،
وجماعة القبيسيات لا تختلف في هذا عن باقي الجماعات".
وتابعت حديثها لـ
"عربي21": "يضاف إلى ذلك أن
القبيسيات نأين بأنفسهم تماما عن السياسة، وتمتعن بمرونة في العلاقات سواء مع
المقربين للنظام أو مع باقي الجماعات المشيخية، عدا عن استهدافهن للأثرياء وأصحاب
النفوذ والسلطة للانضمام إليهن، وقد نجحن في هذا بشكل كبير".
وتفسيرا منها لأسباب الاختلاف على الحاجة منيرة القبيسي بعد وفاتها، فقد ذكرت الزير أن "الأمر المهم في هذا السياق أن القبيسيات جماعة لا تختلف كثيرا
في نفسيتها وتفكيرها ومنهجها عن النسق العام السائد للجماعات الدعوية في سوريا بما
في ذلك سلبيات هذه الجماعات وإيجابياتها، إلا أنها تميزت عنهم بأنها الجماعة
النسائية الوحيدة مما لفت الأنظار إليها بشكل خاص".
وأردفت بأنه "بعد بداية أحداث عام 2011 فقد بقيت حالة الصمت سيدة الموقف
من مؤسسة الجماعة، ما دفع الناس إلى تحميلها مسؤولية من انحاز من طالباتها لطرف
النظام السوري، والحق أن الحاجة منيرة القبيسي رحمها الله تعالى كانت حبيسة المرض
منذ 18 عشر عاما، ولم يصدر عنها أي تصريح عدا عن أن طلابها أنفسهم انقسموا في
مواقفهم تجاه ما يحدث في سوريا انقساما كبيرا بين مؤيد ومعارض".
ورأت الكاتبة الزير أن "الاختلاف الحاصل في تقييم الجماعة بين
مترحم ومشيد بها، وبين ناقد مستاء أمر طبيعي ـ وإن كان غير عادل أو موفق في مجمله ـ
لما فيه من تحميلها مسؤولية شريحة أيدّت الظلم مع وجود طرف آخر انحاز للمظلوم من
طلابها أيضا".
وشددت في ختام حديثها على "ضرورة إعمال الإنصاف الذي يقتضي أن
لا ننسى جهودها الدعوية الكبيرة التي أدّت إلى إحياء مظاهر التدين بين
النساء،
واستنقاذ فئة كبيرة من الفتيات من حالة التخبط والضياع للالتزام مع توجيه الانتقاد
الصحي لسلبيات الجماعة وما فيها من أمراض فكرية رافقت مسيرتها الدعوية".