نشر موقع "
أوراسيا ريفيو" تحليلا للباحث فالي جول محمدي، قال فيه إن زيارة الرئيس
الصيني شي جينبينغ إلى
السعودية في 7 كانون الأول/ ديسمبر الماضي شكلت نقطة تحول في سياسة بكين تجاه
دول الخليج.
وخلال الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام، عقد الرئيس الصيني ثلاث قمم، جمعته أولا بولي العهد السعودي محمد بن سلمان نيابة عن والده، ثم دول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة بين الصين وجامعة الدول العربية.
وكما هو متوقع، فإن رحلة شي إلى الرياض كانت مدفوعة بشكل أساسي بالاهتمام بالطاقة وسط التقلبات المستمرة في أسواق الطاقة العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تم توقيع 34 اتفاقية بقيمة 30 مليار دولار.
وجاء هذا التقارب بين الصين والسعودية لتوسيع شراكتهما الاستراتيجية في وقت تزداد فيه علاقات الدولتين مع الولايات المتحدة توتراً، خصوصا بعد قرار مجموعة "أوبك+" خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا.
وخلال قمته مع دول مجلس التعاون الخليجي، أشار الرئيس شي إلى أن زيارته تنذر بـ”حقبة جديدة” في الشراكة الصينية العربية.
وفي القمة الأولى بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، اتفقت جميع الأطراف أيضًا على تبني خطة عمل مشتركة مدتها خمس سنوات للحوار الاستراتيجي وتطوير شراكتهم في مختلف القضايا الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك البرنامج النووي
الإيراني والقضايا الإقليمية.
ويرى الباحث أن ما جعل القمة الصينية الخليجية غير متوقعة بالنسبة لطهران، هو البيان المناهض لإيران الذي وقعه شي مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث جعلت البيانات المشتركة التي صدرت خلال القمة الصينية الخليجية رجال الدولة في طهران يتساءلون عن ما إذا كان هناك تحول في استراتيجية بكين تجاه منطقة الخليج، خاصة في ظل تراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها الأمنية هناك.
وأشار هذا البيان غير المتوقع إلى إيران على أنها "داعمة للجماعات الإرهابية"، و"ناشرة للطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية"، و"تزعزع الاستقرار والأمن الإقليمي".
كما أنه دعا إيران إلى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، والتوصل إلى حل سلمي مع دولة الإمارات بشأن قضية منع انتشار الأسلحة النووية وقضية الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الجانبين.
ورداً على ذلك، فقد استدعت طهران على الفور السفير الصيني بشأن البيان المشترك مع مجلس التعاون الخليجي، مؤكدة أن جزر أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الواقعة في الخليج هي أجزاء لا تنفصل عن إيران أبديا.
ويعتقد الباحث أنه يبدو أن هناك تغيرا في موقف الصين المحايد تجاه منطقة الخليج العربي، ومن شأن الانحياز إلى دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران أن يهدد التوازن الصيني في الخليج. وبالرغم من أنه ليس من السهل مناقشة ما إذا كانت الصين تفضل دول مجلس التعاون الخليجي على إيران في الخليج العربي، إلا أن هناك دوافع متعددة المستويات والأبعاد تكشف عن دوافع تحرك الصين الأخير. وأولها تحول موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الصين بشكل كبير.
وتتطور الشراكة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في ظل السياق العالمي والإقليمي المتغير. ولطالما أظهر قادة دول مجلس التعاون الخليجي مخاوفهم المتزايدة بشأن العواقب الأمنية لفك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة.
وبالنسبة للصين، فإنه يتمثل الجزء الأصعب في تعميق العلاقات الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي في إدارة علاقاتها مع إيران. لكن مع التحديات التي تواجهها إيران حاليا واشتداد التوتر مع الغرب، فإن الصين تتحرك بشكل أقل حذرًا نحو تعزيز شراكتها مع خصوم طهران في المنطقة.
علاوة على ذلك، تجد ممالك الخليج نفسها في وضع غير مسبوق لتأكيد استقلاليتها الاستراتيجية، حيث يرى الكاتب أنه من خلال تعميق الشراكة الاستراتيجية مع الصين، فإن الأنظمة الملكية العربية تهدف إلى إرسال رسالة إلى واشنطن مفادها أن لديها خيارات بديلة.
وكان أحد دوافع الرياض في توسيع العلاقات العسكرية مع الصين هو توفير المزيد من الخيارات لنفسها ردًا على الضغوط الغربية وحظر الأسلحة ضد السعودية في حرب اليمن.
وبالرغم من أن مشاركة الصين المتزايدة في الخليج العربي لا تهدف إلى استبدال الولايات المتحدة، على الأقل في المدى المتوسط، فإن الدول العربية لديها نزعات متزايدة لإشراك الصين في الشؤون الإقليمية.
وثانيًا، تُظهر مستويات المشاركة المتزايدة في الخليج أن الصين تسعى إلى لعب دور أكبر في تشكيل الترتيبات الإقليمية.
وبالرغم من أن ترتيب الأوضاع الفوضوية في الشرق الأوسط ليس أولوية صينية، فقد توصلت بكين إلى استنتاج مفاده أن دور الصين النشط في هذه المنطقة يمكن أن يوفر أداة فعالة لتحقيق التوازن أمام السياسة الأمريكية المتعلقة بالتركيز على آسيا.
لذلك فإنه يبدو في السنوات الأخيرة أن سياسة الصين تجاه الخليج تعتمد على تقريب شركاء أمريكا الاستراتيجيين من نفسها، مع تجنب التورط في النزاعات الإقليمية وتحديداً قضية إيران.
علاوة على ذلك، فإنه كلما زاد تأثير الصين على القطاعات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي، زادت القوة التي ستكتسبها لموازنة تفوق الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط الأوسع.
وثالثًا، فإنه بحسب الكاتب، فإن الصين تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي شركاء اقتصاديين (وفي مجال الطاقة) أكثر موثوقية من إيران التي تخضع لعقوبات. كما أن توجه الصين نحو الخليج مدفوع بشكل أساسي بالحفاظ على الوصول إلى موارد الطاقة.
وتستورد الصين حوالي 32% من نفطها الخام من دول مجلس التعاون الخليجي. في غضون ذلك، تفقد إيران حصتها في واردات الطاقة الصينية واستثماراتها.
أما رابعًا، فنظرًا إلى توقف محادثات إحياء الاتفاق النووي والاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، فقد تفضل بكين لعبة الانتظار في إدارة علاقاتها مع طهران. وبسبب عدم وجود آفاق واعدة لتنشيط الاتفاق النووي واستمرار العقوبات الأمريكية، سيظل الصينيون متخوفين من الاستثمار في الاقتصاد الإيراني المنهك.
ويؤكد الكاتب أنه وسط تزايد حالة عدم اليقين بشأن احتمالات الاستقرار السياسي والاقتصادي داخل إيران، فإن الصين تفضل اتباع سياسة “الانتظار والترقب” تجاه إيران. والحقيقة المرة بالنسبة لصانعي السياسة الإيرانيين هي أن الصين لا ترى إيران كشريك استراتيجي ضد الولايات المتحدة.
في غضون ذلك، يشعر القادة الصينيون بالثقة أن إيران ليس لديها أي بديل آخر غير الصين في موازنة العداء الأمريكي، وبالتالي فقد توصلوا في حساباتهم إلى أن انحياز الصين إلى مجلس التعاون الخليجي ضد إيران لن ينتج عنه رد فعل قاس من طهران.
ويعتقد الباحث الآن أن هناك مخاوف متزايدة في طهران من أن "النظر إلى الشرق" قد لا يخدم المصالح الوطنية لإيران.
وتشعر الصين بالثقة أن إيران ليس لديها أي بديل آخر غير الصين في موازنة العداء الأمريكي، وبالتالي فقد توصلوا في حساباتهم إلى أن الانحياز لدول مجلس التعاون لن ينتج عنه رد فعل قاس من طهران.
وفي الصورة الأكبر، يبدو أن الصين بدأت في مراجعة سياستها التقليدية المتمثلة في تحقيق التوازن في الخليج في أعقاب حرب أوكرانيا. ومع ذلك، فإن انخراط بكين المتزايد في الخليج العربي لا يعني بالضرورة أن الصين تهدف إلى استبدال الولايات المتحدة وتمويل نظام أمني جديد.
وبحسبه.. تستعد الصين بشكل متزايد لمواجهة الولايات المتحدة، لذلك فإن شركاء مثل إيران (التي لم تتوصل إلى رؤية واضحة حول نوع الشراكة التي تريدها مع الصين) تم استبعادهم من الأولوية الصينية في الخليج. لكن لا يزال من السابق لأوانه استنتاج أن الصين أدارت ظهرها لإيران لأن استراتيجية الصين الكبرى تعتمد على العمل مع جميع دول المنطقة.
ويرى أنه على المدى القصير، بالرغم من رغبة دول مجلس التعاون الخليجي المتزايدة في إشراك الصين في المنطقة جيوسياسيًا، فستظل بكين تعطي وزناً أكبر للاعتبارات الجيو-اقتصادية، وستظل الصين تحجم عن تحدي الترتيبات الأمنية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة الخليج.
ويختم بالقول إنه في المستقبل المنظور، سيظل الحفاظ على الاستقرار والأمن في الخليج لضمان تدفق الطاقة أحد مجالات التقارب القليلة بين الولايات المتحدة والصين.