تَختلف القضايا التي يَهتمّ بها الناس في
عصرنا الحاضر، من حيث درجة العناية والأولويّة تبعا لثقافة الشعوب وعاداتهم
وتقاليدهم.
ويعشق العراقيّون كرة القدم والسياسة، ولا
أظنّ أنّهم يهتمّون بقطاعات وفعّاليات إنسانيّة أكثر من هذين المضمارين!
واختُتِمت الأحد الماضي (18 كانون الأول/
ديسمبر 2022)، نسخة
كأس العالم للعام 2022 في دولة
قطر الشقيقة التي أبهرت الجميع،
ووقفت بثقة كبيرة بوجه الأصوات التي شكّكت بقدرة القطريّين على تنظيم الكرنفال
العالميّ!
ونحاول تسليط الضوء على التنظيم القطريّ للمهرجان
الدوليّ وتوظيف انعكاساته المُشرقة على الحالة العراقيّة المليئة بالتعقيدات
السياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والرياضيّة، لعلّها تُساهم
في وصول
العراق لبعض
النجاح الإداريّ والتنظيميّ!
أثبتت التجربة القطريّة العالميّة والماتِعَة
أنّ القطريّين نجحوا، ونجحنا معهم، في اختبار التنظيم، وترتيب الملاعب بمواصفات
عالميّة، ولم تُسجّل خلال البطولة أيّ مُشكلة فنّيّة أو تقنيّة أو لوجستيّة أو جنائيّة
أو أخلاقيّة، رغم الزخم البشريّ الهائل قياسا بمساحة دولة قطر!
وكانت البطولة مُميّزة بالمقاييس
الرياضيّة والأخلاقيّة والسياسيّة والتربويّة والإنسانيّة، ومن أروع صور تميزها التمسّك
القطريّ بالتراث العربيّ والإسلاميّ ووقوفها بذكاء وصلابة مُذهلة أمام الدعوات المُنافية
للفطرة والضاربة للأعراف والتعاليم الدينيّة والمجتمعيّة، والأجمل إهداء البشت
العربيّ (العباءة) للنجم الأرجنتينيّ ليونيل ميسي بنهاية المونديال، ليحمل على
كتفيه أبهى رسالة قطريّة عربيّة للعالم!
ويُمكن تشبيه تصفيات كأس العالم
بالانتخابات البرلمانيّة في أيّ دولة، والفرق الرياضيّة تُماثل الكيانات السياسيّة
المُتنافسة للفوز بالكأس (البرلمان)، وكذلك مُقارنة اللاعبين بالسياسيّين والمرشّحين،
واللاعب البارز بالسياسيّ المُخضرم، وهكذا.
يُمكن تشبيه تصفيات كأس العالم بالانتخابات البرلمانيّة في أيّ دولة، والفرق الرياضيّة تُماثل الكيانات السياسيّة المُتنافسة للفوز بالكأس (البرلمان)، وكذلك مُقارنة اللاعبين بالسياسيّين والمرشّحين، واللاعب البارز بالسياسيّ المُخضرم، وهكذا
وبمقدورنا مُعادلة الملعب بالوطن الذي
تجري فيه الانتخابات، وتصوير سعادة الجماهير الرياضيّة بالفوز بفرحة الجماهير
الحزبيّة المُحتفلة بفوز فريقها (حزبها) في المباراة (الانتخابات).
وبهذا يكون التنافس بين المنتخبات للفوز بالمراكز
الأولى للبطولة يشبه سعي الكيانات السياسيّة للظفر بأكثر المقاعد البرلمانيّة،
وبالمحصّلة يَعْدل ترتيب الفرق بكأس العالم واحدا من المناصب الثلاثة: رئاسة البرلمان،
رئاسة الوزراء، رئاسة الجمهوريّة.
لقد تعلّمنا من كرة القدم أنّ الفريق
المُتناسق والمُتعاون يُحقّق، غالبا، الفوز بالمباراة، وهذا يعني أنّ الفريق
السياسيّ المُتناغم ينجح في تطبيق برنامجه الانتخابيّ على عكس الفريق المُتناحر
فإنّه يخسر في ملاعب الكرة وميادين
السياسة!
ولقد تابعنا في البطولة كيف أنّ اللاعبين
يَلعبون بفنّ وحماس ورجولة للظفر بنقاط المباراة، وللوصول إلى الكأس ليرفعوا اسم
بلدهم عاليا بين البلدان، وفي المقابل يُفترض بالسياسيّ النقيّ أن يعمل بجهد دؤوب
للوصول إلى أفضل النتائج لرفاهية الوطن والناس، ولرفع سمعة وطنه بين الأوطان!
وباستطاعتنا مُقارنة تسجيل الأهداف
الفاصلة بين الفوز والخسارة في المباراة بالإنجازات السياسيّة والاقتصاديّة
والخدميّة للكيانات السياسيّة والحكومات.
والنقطة المُهمّة التي تعلّمناها من الفرق
الرياضيّة والمدرّبين والتي يُفترض استغلالها بعالم السياسة تتعلّق بالصراع مع
الزمن لتحقيق الفوز (الهدف) وعدم القنوط أو اليأس، ولهذا رأينا عدّة مباريات تمكّن فيها الفريق (الخاسر) من التعادل في الثواني الأخيرة، ثمّ حقّق الفوز في الأوقات
الإضافيّة أو بضربات الجزاء الترجيحية، وهذا دليل على العزم والتمسُّك بالأمل!
وباستطاعتنا تسجيل نقطة مُهمّة تتعلّق بتبديل
اللاعبين، حيث إنّ المُدرّب الذكيّ يُغيّر اللاعب حينما يُصاب أو يرى أنّه لم يَعد
يمتلك القدرة على خدمة الفريق والمساهمة في تحقيق الهدف (الفوز)، وكذلك السياسيّ،
القائد الماهر، مثل المُدرّب المُتميّز؛ يُفترض به ألا يتمسّك بالوزير والمسؤول
(المُتراخي) الذي يتلكّأ في أداء واجبه، وأن يُقدّم مصلحة المواطن والوطن (الفريق)
لتحقيق الهدف، وهو الرقيّ بالعمران والأوطان لأنّ التمسك باللاعب الفاشل (المسؤول)
جُزء من الخلل.
ولقد راقبنا كيف أنّ (كابتن الفريق) هو
المسؤول الأبرز والمُنَظّم لتطبيق خطّة المدرّب داخل الملعب، وهكذا حال قائد
الوزارة (والمسؤول الميدانيّ) وقائد الوحدة العسكريّة (الآمر)؛ يَتوجّب عليهم مُتابعة
عمل مَن معهم (الفريق) بُغيَة الوصول لهدفهم النهائيّ (خدمة الوطن)!
ولا ننسى دور رجال أمن الملاعب (أمن
الدولة) وقدرتهم الفائقة في تسهيل انسيابية دخول المشجّعين ووصولهم لمقاعدهم وخروجهم
من الملعب، وتطبيق التعليمات، وهذه المهام بحاجة لقائد وفريق مُتناسق وقادر على
ضبط البوصلة. وبمقدورنا قياس (أمن الملاعب) بأمن الدول ودوره في تنظيم الحياة وحفظ
الوطن!
وأدركنا بالبطولة أيضا عشرات الدروس
الأخرى، ومنها: التنافس الشريف، وتطبيق القانون، واحترام قرارات الحَكم، والدقّة
بقرارات الحكّام عبر الـ"VAR"، والتقيّد بالوقت، والتعاطف مع
الفريق الخاسر، وغيرها من الدروس الصافيَة
والمُهمّة التي يُمكن توظيفها بالبرامج السياسيّة الهادفة لتحقيق العدالة
الاجتماعيّة وحماية البلاد.
وهكذا يُفترض بالسياسيّ الناجح أن يتعلّم
من الرياضيّ الماهر، ويُواصل الليل والنهار لتحقيق برنامجه (الفوز) والوفاء بعهوده،
وإلا فالخسارة مصيره المُرتقب!
العراق بحاجة لفريق سياسيّ يمتلك قائده خططا دفاعيّة وهجوميّة واستشرافيّة، ويضمن كرامة الناس وقوتهم، ويصون هيبة الوطن وسيادته الداخليّة والخارجيّة، ويقوده للهدف الأسمى (الكأس)!
وهنا نتساءل: هل سنستفيد من دروس التجربة القطريّة
المُذهلة لترتيب البيت العراقيّ؟
وهل ستكون بطولة "خليجي 25" في
البصرة بداية العام 2023 نُسخة مُصغّرة لكأس العالم بحسب اللجنة المُنظّمة؟
نأمل ذلك، ولكنّ التجارب السابقة تدفعنا
للتشكيك بإمكانية المُقارنة بين تنظيم البطولتين!
إنّ العراق بحاجة لفريق سياسيّ يمتلك
قائده خططا دفاعيّة وهجوميّة واستشرافيّة، ويضمن كرامة الناس وقوتهم، ويصون هيبة الوطن
وسيادته الداخليّة والخارجيّة، ويقوده للهدف الأسمى (الكأس)!
فمتى يتحقق "الفوز" العراقيّ المأمول؟
twitter.com/dr_jasemj67